مهرجان لندن الـ63: “ديفيد كوبرفيلد” في الافتتاح و”الأيرلندي” في الختام
تنطلق الدورة الـ 63 من مهرجان لندن السينمائي (الذي دُشن عام 1953) مساء يوم الأربعاء الثاني من أكتوبر بالفيلم البريطاني الجديد “تاريخ ديفيد كوبرفيلد الشخصي” عن رواية تشارلز ديكنز الكلاسيكية الشهيرة من العصر الفيكتوري، وهو من إخراج وبطولة أرماندو لانوتشي. ويختتم المهرجان بالعرض العالمي الأول خارج الولايات المتحدة للفيلم الأميركي الجديد المنتظر “الأيرلندي” The Irishman لمارتن سكورسيزي (من انتاج شبكة نتفليكس).
يعرض المهرجان الذي تتواصل عروضه حتى 13 أكتوبر، 229 فيلما من بينها 42 فيلما تسجيليا من 78 دولة و116 فيلما قصيرا. ويضم البرنامج باقة من أهم ما عرض من أفلام في مهرجانات السينما العالمية الكبرى، من سندانس وبرلين إلى كان وفينيسيا وسان سباستيان ولوكارنو وكارلو فيفاري وتورونتو. كما يضم نخبة من الأفلام الجديدة التي تعرض للمرة الأولى في العالم منها عدد من الأفلام البريطانية الجديدة.
يقع مهرجان لندن ضمن خريطة مهرجانات المدن والعواصم الكبرى على شاكلة مهرجانات نيويورك وبرلين وطوكيو وروما وروتردام، فهذه المهرجانات تختلف عن المهرجانات التي تقام في المنتجعات الصغيرة وتكون عادة مخصصة لـ “رجال الصناعة” من منتجين وموزعين ومخرجين الى جانب الصحفيين والنقاد، كما هو حال مهرجانات كان وفينيسيا تحديدا، أما مهرجان لندن فاهتمامه الأساسي إلى جانب استقطاب رجال الصناعة السينمائية ونقاد السينما، هو الجمهور. لذلك يعتمد على بيع التذاكر للجمهور. وتتوزع أفلام مهرجان لندن على عدد كبير من دور السينما في العاصمة وضواحيها علما بأن لندن هي العاصمة الأكبر من حيث عدد السكان في أوروبا قاطبة.
هذه السمة الخاصة بتوجه المهرجان للجمهور، تجعله يميل إلى الموازنة بين أفلام الفن والأفلام الشعبية، بين سينما المؤلف وسينما السوق. ولكنه يهتم أيضا بتخصيص قسم خاص لما يسمى “الأفلام التجريبية” وآخر لـ “كلاسيكيات السينما”. وليس مسموحا لمهرجان لندن من قبل الاتحاد الدولي للمنتجين، وهو الجهة التي تنظم المهرجانات السينمائية في العالم، أن يخصص مسابقة دولية كبيرة للأفلام التي لم يسبق عرضها عالميا. ولكنه ينظم 4 مسابقات في فروع الفيلم الروائي والفيلم التسجيلي والعمل الأول ومسابقة الأفلام القصيرة لها شروطها الخاصة. وتمنح كل مسابقة جائزة واحدة لأفضل فيلم.
خارج هذه المسابقات الأربع، يخصص المهرجان أقساما للأفلام الكوميدية والرومانسية وأفلام الرعب والأفلام التي تتناول مواضيع تتسم بالجرأة وأفلام الرحلة وأفلام الاثارة والتشويق، وهي أقسام قد تضم أفلاما فنية أو تنتمي للسينما السائدة.
أفلام العرب
يعرض مهرجان لندن هذا العام 10 أفلام تنتمي لمخرجين من العالم العربي. أول هذه الأفلام الفيلم التسجيلي الطويل “الكهف” (95 دقيقة) للمخرج السوري فراس فياض الذي رُشح فيلمه “آخر الرجال في حلب” لجائزة الأوسكار. أما “الكهف”، وهو إنتاج دنماركي، فهو يصور تجربة العمل في مستشفى أطلق عليها “الكهف” كانت تعمل في منطقة ما بالغوطة خلال الحصار الذي ضربته قوات النظام على المنطقة من 2012 الى 2018، ويصور الجهود الشاقة والمستحيلة التي بذلتها مجموعة من الطبيبات لإنقاذ حياة المصابين.
لقطة من فيلم “الكهف” لفراس فياض
والفيلم الثاني هو “حديث عن الأشجار” للمخرج السوداني صهيب جاسم الباري، الذي يروي كيف تقرر مجموعة من الأصدقاء الذين تجمعهم ذكريات المنفى وحب السينما، من أعضاء في نادي الفيلم السوداني، إعادة إحياء دار عرض قديمة. وكان هذا الفيلم قد فاز بجائزة فرعية في مهرجان برلين.
وهناك أربعة أفلام من تونس هي “بيك نعيش” لمهدي برصاوي، و”نورا تحلم” لهند بوجمعة (بطولة هند صبري)، و”عرب بلوز” للمخرجة منال لعبيدي، و”طلامس” لعلاء الدين سليم. كما يعرض فيلم “سيدة البحر” للمخرجة السعودية الشابة شهد أمين، و”سيدي المجهول” للمخرج المغربي علاء الدين الجم، و”المرشحة المثالية” للمخرجة السعودية هيفاء المنصور الذي شارك في مسابقة مهرجان فينيسيا. وستتاح الفرصة أمام جمهور المهرجان أيضا لمشاهدة أحدث أفلام المخرج الفلسطيني إيليا سليمان “لابد أن تكون الجنة”.
وتعتبر هذه المشاركة من أكبر المشاركات العربية التي عرفها المهرجان، وبهذا يتيح المهرجان الفرصة للجمهور العربي في لندن للاطلاع على أحدث الأفلام التي أخرجها مخرجون ينتمون للعالم العربي، وهو ما يمثل جزءا من السياسة الثابتة للمهرجان الذي يخاطب مختلف التجمعات ذات الأصول الأجنبية المقيمة في العاصمة البريطانية مثل الأرجنتينيين والايطاليين والفرنسيين وذوي الأصول الأوروبية الشرقية.
في مسابقة الأفلام الروائية 10 أفلام من أميركا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وغواتيمالا وبريطانيا وأيرلندا والسعودية. وفي هذه المسابقة وكل برامج المهرجان اهتمام بتحقيق التوازن بين المخرجين والمخرجات، وهو اتجاه يرتبط بالفكر المحرك للسيدات اللاتي تتولين إدارة المهرجان، وكذلك في ضوء الحركات النسائية الجديدة التي تطالب بالمساواة. هذا الاتجاه له بالطبع إيجابياته وسلبياته بالطبع، ومن الايجابيات أنه يكشف لنا عن مواهب جديدة (نسائية) في الإخراج بل ونوعية المواضيع التي تشغلهن، ومن سلبياته الانحياز للجندر على حساب المستوى الفني للفيلم. وفي هذه المسابقة تشارك المخرجة السعودية هيفاء المنصور بفيلمها “المرشحة المثالية” الذي سبق أن اشترك في مسابقة مهرجان فينيسيا.
من الأفلام التسجيلية
وفي مسابقة الأفلام التسجيلية 9 أفلام من أهمها “انقلاب 53” للمخرج تاغي عميراني، الذي يعيد بناء أحداث الانقلاب الذي دبرته المخابرات البريطانية والأميركية وأطاح بحكومة رئيس الوزراء الإيراني المنتخب محمد مصدق عام 1953 بعد قراره تأميم البترول. وقد استغرق مخرجه الإيراني الأصل عشر سنوات في البحث والاعداد قبل تصوير هذا الفيلم.
هناك أيضا الفيلم التسجيلي الإيطالي “اختفاء أمي” لبنيامين باراسو. ويصور كيف أصبحت عارضة (موديل) عرفت بجمالها وجاذبيتها الشديدة في الماضي وكانت أول إيطالية تصبح نجمة غلاف في مجلة “فوغ” الأميركية، أستاذة أكاديمية تدين صورتها القديمة وتشرح لطلابها كيف كانت ضحية نظرة الرجل التقليدية التي تتاجر بوجوه وأجساد النساء، وكيف خضعت لتلك الأنماط الدعائية وأصبحت لفترة طويلة من حياتها حبيسة داخلها قبل أن تتمرد عليها وتتجه للدراسة الجادة وتصبح أستاذ جامعية وهي الآن تشرح لطلابها بعد أن تجاوزت الخامسة والسبعين من عمرها، مخاطر هذه الصورة السائدة. أما ابنها الذي ظل يصورها منذ أن كان طفلا صغيرا فهو يرفض بشدة أن تتخلى عن صورتها القديمة، متمسكا بتصويرها حتى يومنا هذا، وهو الصراع الذي يصوره الفيلم بين مفاهيم كل من الإبن والأم!
من أفلام (الغالا) الاحتفالية الفيلم الأميركي الجديد “اخراج السكاكين” Knives Out (إخراج ريان جونسون) وبطولة دانييل كريغ وكريس ايفانز وأنا دو أرماس وجامي لي كيرتس وكريستوفر بلامر. ويروي الفيلم قصة بوليسية تدور في أجواء “التحقيق” على غرار روايات أغاثا كريستي. فبعد أن يُقتل كاتب روايات بوليسية شهير مسن كان أبناؤه وأحفاده يعتمدون على دعمه المادي لهم، يتم اسناد التحقيق الى مخبر خاص يقوم بدوره دانييل كريغ بطل أفلام جيمس بوند، الذي يتشكك في أن تكون للجميع مصلحة في موت المؤلف الذي يقوم بدوره كريستوفر بلامر. وسيحضر جميع أبطال الفيلم هذا العرض الذي يسبق بالطبع توزيع الفيلم تجاريا في بريطانيا.
وفي احتفالية خاصة رئيسية يعرض الفيلم الجديد للمخرج البريطاني مايكل وينتربوتوم “الجشع” Greed بطولة ستيف كوغان وأسا فيشر وصوفي كوكسون. كما يعرض الفيلم البريطاني الجديد “فسحة الأمل” Hope Gape اخراج وليم نيكولسون، بطولة أنيت بيننغ وجوش أوكونور، ويدور حول العلاقة الزوجة المضطربة التي تصل للطلاق ومضاعفاتها.
فيلم “جوجو الأرنب” كوميديا سياسية
عودة هتلر في سياق كوميدي
ومن الأفلام المنتظرة فيلم “جوجو الأرنب” Jojo Rabit للمخرج النيوزيلندي تايكا واتيتي الذي يوحي عنوانه بأنه من أفلام الأطفال في حين أنه للكبار والصغار معا ويدور في سياق كوميديا حول طفل من شبيبة هتلر النازية في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية في برلين، قتل والده في الحرب، وهو يتخذ من شخصية هتلر الوهمية التي تتبدى له صديقا ومرشدا، وعندما يكتشف أن أمه تخفي فتاة يهودية، يصبح موزعا حائرا بين مشاعره بين صلته القوية بأمه، وبين ولائه للمباديء النازية العنصرية. والفيلم بطولة سام روكويل وسكارليت جوانسون.
وسيعرض المهرجان أيضا الفيلم الآخر المنتظر “البابوان” The 2 Popesللمخرج البرازيلي فرناندو ميريليس (إنتاج أميركي بريطاني أرجنتيني إيطالي مشترك) الذي يدور في أجواء مؤسسة الفاتيكان، حيث نشهد ما سبق انتقال السلطة من البابا بنيديكت السادس عشر الذي أصبح اول بابا يستقيل من منصبه قبل 6 سنوات، ليخلفه البابا الحالي فرانسيس في ضوء فضائح الاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة الكاثوليكية في أماكن مختلفة. ويقوم بالدورين الرئيسيين اثنان من أفضل الممثلين في العالم هما انطوني هوبكنز وجوناثان برايس.
من الفيلم المنتظر “البابوان”
وفي إعادة انتاج للفيلم الدنماركي البديع “قلب صامت” Silent Heart للمخرج بيللي أوغست يعرض المهرجان الفيلم الأميركي الجديد “بلاكبيرد” Blackbird للمخرج روجر ميتشيل، بطولة سوزان ساراندون وكيت ونسليت وميا فاسيلكوفسكا وسام نيل وايندساي دنكان. ويصور الفيلم كيف يجتمع أفراد أسرة عريقة لتوديع الأم التي تعاني من مرض عضال، بعد أن اتخذت قرارا بالاتفاق مع زوجها على انهاء حياتها. ويجب أن نترقب كيف أخرج ميتشيل تلك الدراما القاسية وما إذا كان قد تفوق على المخرج الدنماركي.
المخرج الألماني فيرنر هيرتزوغ المعروف باختياره مواضيع جريئة لأفلامه التسجيلية، يخوض تجربة جديدة مثيرة فيذهب الى اليابان ليتابع ويرصد ويحقق في ظاهرة الشركات التي تؤجر أشخاصا لمن يرغبون، يقومون بأدوار الأقارب المفقودين أو الغائبين، لتعويض الشعور بالألفة العائلية، كما يطرح التساؤلات حول طبيعة المجتمع الياباني الذي أنتج مثل هذه الظاهرة السلعية الجديدة. وقد أطلق هيرتزوغ على فيلمه اسم “قصة حب عائلية: شركة ذات مسؤولية محدودة” Family Romance, LLC
العلم والخرافة معا
أما الفيلم التسجيلي “الأمل المجمد” Hope Frozenللمخرج التايلندي بيلين وديل، فهو يتناول ظاهرة أخرى غريبة.. أسرة بوذية في تايلنده تؤمن بالعلم تماما لكنها تؤمن أيضا بما وراء الطبيعة. وهي تسمح لطبيب بأن يقوم بتجميد مخ ابنتهم ذات العامين التي توفيت بعد أن هاجمها سرطان المخ في نمط عدواني شرس. وبعد أن يدرس الطبيب هذا النوع من السرطان يعلن عجز العلم عن التوصل لفهمه في هذه المرحلة، ولكنه يقترح تجميد مخ الطفلة الصغيرة لكي يبقي على “الأمل” في أن يتمكن العلم ذات يوم من اعادتها مجددا الى الحياة!
مهرجان لندن يتضمن الى جانب عروض الأفلام، الكثير من الندوات المخصصة مع عدد من السينمائيين الذين سيتحدثون عن مسيرتهم السينمائية، كما ينظم المهرجان عروضا خاصة للأطفال وتلاميذ المدارس. ويُنتظر أن يحضر المهرجان عدد كبير من نجوم السينما في العالم والسينما الأميركية بوجه خاص من مشاهير هوليوود الذين يجذبون الجمهور يوميا في “لسيتر سكوير” أشهر ساحات وسط لندن حيث تنتشر دور العرض السينمائي، خاصة أمام سينما “أوديون” التي أنشئت عام 1937 وأعيد تجديدها وتحديثها بالكامل في العام الماضي، وأصبحت أيضا مجهزة بنظام دولبي المتطور في الصوت والصورة، كأول دار سينما في بريطانيا تعمل بهذا النظام الذي يتناسب مع تقنية العرض بنظام K4أي النسخ الرقمية فائقة النقاء.
العروض الخاصة للصحفيين والنقاد بدأت منذ يوم 16 سبتمبر وتستمر طوال أيام المهرجان في سينما أخرى رئيسية بساحة ليستر سكوير التي تعج بالنشاط وجمهور الشباب الباحث عن متعة الاستمتاع بالأفلام في هذه التظاهرة السنوية الكبرى التي تعرفها المدينة.