مهرجان إسني ن وورغ: هل هناك فيلم أمازيغي؟
يتميز الحقل السينمائي المغربي بحيويته وتنوع مهرجاناته التي تتوزع على طول الخريطة، وإن بدرجات متفاوتة من حيث التواجد والقوة والتأثير، ومن أهم تلك المهرجانات “إسني ن وورغ” (التاج الذهبي) الذي أسدل الستار عن دورته العاشرة، ويتمحور حول حضور الثقافة الأمازيغية في السينما، وهو الأمر الذي يجعله محطة أساسية في رد الاعتبار لواحد من أهم مكونات الثقافة المغربية ذات الأصول المتعددة، والتي تَعَرَّضَ بعضها لنوع من الإقصاء والتهميش جراء ظروف سياسية واجتماعية وثقافية متعددة بعضها خارجي، وبعضها داخلي.
جاء برنامج هذه السنة حافلا وطموحا، فأن ترفع شعارا من قبيل: “أگادير عاصمة الثقافة الأمازيغية” ليس بالأمر الهين لأنه يتطلب تضافر مجهودات ضخمة لتحقيقه، ولكنه ينم عن ذكاء تنظيمي، وقراءة استشرافية لمستقبل الجهوية التي يجب أن تتأسس على قيمة المكون الثقافي في تصورها ولحمتها خصوصا وأن جهة سوس معروفة بِرَفْدِهَا الثقافة المغربية بالعديد من المنجزات في شتى مناحي الفعل والابتكار، وهي معين اقتصادي لا ينضب فضلا عن كونها وجهة سياحية مهمة في خريطة السياحة العالمية.
احتفى المهرجان بسينما جزر الكناري التي تذكر مصادر التاريخ أن غالبية سكانها من أصول أمازيغية، ويطالب المغرب باسترجاعها إلى أراضيه المستعمرة. ويستضيف المهرجان تجربتها السينمائية من خلال عرض ثمانية أفلام تعكس خصوصيتها الثقافية المنبنية على تاريخ ثقافي مشترك وروابط كثيرة تجمع المغاربة بالكناريين وأمازيغ شمال إفريقيا.وقد شاهد جمهور المهرجان بعض الأفلام لأول مرة بالمغرب ومنها فيلم “الحبال الأربعة”للمخرج “أموري سنتانا” الحائز على مجموعة من الجوائز في عدة مهرجانات، وفيلم “لكل شيء وقت” للمخرجين “أوسكار سانتاماريا” و”مارين ديسكازو”، وفيلم “ماه” للمخرج” أرماندو رافيلو” الذي يحكي قصة امرأة أمازيغية تقرر الخروج عن صمتها للدفاع عن حقوقها فضلا عن أفلام أخرى لكل من “كريسنودا” و”كايتانا كوياس” و“إستريلا مونتيري” و”خايرو لوبيز” و”خوسي أليون”، والذين شكلت أفلامهم أرضية لمناقشة القضايا والقيم المشتركة المتعلقة بالانتماء والهوية والتسامح والغيرية.
احتفاء بالعقد الأول على انطلاق هذه التظاهرة الدولية، ناقش عدة نقاد وباحثين خلال يومين قبل الافتتاح الرسمي للمهرجان، وعلى مدى جلستين متفرقتين موضوع “السينما والمجتمع”، والذي صدرت فعالياته ضمن كتاب جماعي بالموازاة فعاليات هذه الدورة فضلا عن ثلاثة كتب تعنى بالسينما الناطقة بالأمازيغية أو المهتمة بها، وذلك توطيدا لاستراتيجية النشر التي اعتمدها المنظمون منذ الدورات الأخيرة السابقة، وانتباها إلى أن بعض المهرجانات والملتقيات السينمائية المغربية تتلاشى مباشرة بعد حدوثها، ولا تترك أثرا مكتوبا أو تطرح مؤلفات تهم القضايا التي تنبني عليها رؤيتها، وفي هذا الإطار نشر المهرجان الكتب التالية: “السينما الأمازيغية: الذاكرة والسياسة والأدب” تتويجا لأعمال الندوة التي نظمها خلال الدورة السابعة، و”السينما الأمازيغية.. وشم الذاكرة وسؤال الذات: رؤية من الداخل – الإنتاج السوسي نموذجا” لمسعود بوگرن، وكتاب “صورة اليهودي في السينما الأمازيغية” (باللغة الإنجليزية) لعلي أوبلال كما تَمَّ توقيع كتاب “من السينما القبائلية إلى السينما الأمازيغية” للباحثة الفرنسية فريديريك دوفو ياهي.
أما فقرة “أجميل” (الاعتراف بالجميل) أو التكريمات فقد خُصصت هذه السنة لروح فقيد الأغنية القبايلية معتوب الوناس الذي اغتيل سنة 1998، والفنان التشكيلي والنحات والصحافي عبد الله أوريك اعترافا وتقديرا لمجهوداتهم الكبيرة في نشر الثقافة الأمازيغية والتعريف بها. وفي نفس السياق، منح المهرجان جائزة التضامن للممثل أحمد بادوج، بطل أول فيلم أمازيغي “تامغارت ن ورغ” (امرأة من ذهب) لمخرجه حسين بيزگارن. ويعتبر الممثل أحمد بادوج من أوائل الفنانين الذين انخرطوا في مشروع فني متكامل على مستوى التأليف والتمثيل والإخراج المسرحي، ومن تَمَّ الانخراط في تجربة أفلام الفيديو التي تحتاج كظاهرة إلى التجميع والدراسة، ومنها إلى تجربة الفيلم التلفزيوني والسينمائي؛ إذ بدأت العديد من الأفلام السينمائية تنفتح على كفاءات الممثلين القادمين من تجربة أفلام الڤيديو والمسرح الناطق بالأمازيغية وأبرزهم حسن بديدا.
عرفت دورة هذه السنة مشاركة أحد عشر فيلما أمازيغيا للتنافس على الجائزة الوطنية للثقافة الأمازيغية ضمن صنف الفيلم بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حيث فاز بجائزة الثقافة الأمازيغية للسينما المخرج أحمد بايدو عن فيلمه “القيثارة الحرة” والمخرج عبد العزيز أوسايح عن عمله “أسيگل” (الخطوبة)، وآلت الجائزة الكبرى للمهرجان وجائزة أحسن سيناريو لفيلم “سليمان” للمخرج “خوصي ألايون”، وعادت جائزة أحسن فيلم وثائقي لفيلم “نساجات الأحلام” للمخرجة فاطمة إثري إيغودان كما تم منح جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفنانة التونسية جيهان أياري عن فليم “بلادي”.
أما جائزة أحسن ممثل فكانت من نصيب الفنان بنعيسى مستيري عن دوره في فيلم “وجهان للحياة” فيما آلت الجائزة الخاصة بأحسن دور نسائي مناصفة لكل من الممثلتين “لورا بينديومو” و”لويزا نهار” عن دورهما في فيلمي “ماه” و”هذا هو الأمل”، وفاز فيلم “وجهان، حياة واحدة” لمخرجه محمد بوزاكو و”منزلنا” لمخرجه عمار عمراني مناصفة بجائزة أحسن فيلم قصير.
يشكل المهرجان فرصة سانحة لتجديد النقاش الفني والأكاديمي حول الفيلم الناطق بالأمازيغية، فهناك من يعتبر أن هوية الفيلم السينمائي لا تحددها لغة الحوار، وإنما اللغة السينمائية بدعوى إعطاء الأولوية للصورة وجمالياتها التعبيرية؛ وهناك من يرى أن مصطلح الفيلم الأمازيغي هو تعبير إجرائي للإشارة إلى الفيلم الناطق بالأمازيغية أو يعنى بها مهما تكن لغته سيما وأن هناك أفلام مغربية تهتم بالثقافة الأمازيغية كليا أو جزئيا رغم نطقها بالدارجة المغربية كفيلم “كنوز الأطلس” لمحمد عبازي أو الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء” لمحمد عسلي فضلا عن وجود أفلام أخرى ناطقة بالأمازيغية ولكنها لا تعكس جوهر الثقافة الأمازيغية، بل قدمها بعض المنتجين للاستفادة من كوطا الدعم الذي تخصصه الدولة للسينما، مستغلين أصولهم الأمازيغية كما هو الحال لفيلم “حب الرمان” لصاحبه عبد الله توگونة (فركوس).
حرص مدير المهرجان، الشاب رشيد بوقسيم، في تصريحاته على الإشارة إلى الدينامية الثقافية والفنية التي خلقها هذا المهرجان الذي يروم الترويج للإنتاج السينمائي الأمازيغي المغربي والأجنبي على حد سواء، إلى جانب المساهمة في الرفع من قيمة هذه العينة من الأفلام التي أصبحت تحظى بمكانة رفيعة في المهرجانات الوطنية والدولية خصوصا وأن السينما تلعب دورا هاما في خدمةً الثقافة الأمازيغية والإسهام في إيصال صوتها في المحافل الوطنية والدولية.