مقال رئيس التحرير: حول طرد لارس فون ترايير من كان
في تاريخ مهرجان كان السينمائي كله، أي عبر 65 سنة، لم يحدث ان صدر بيان عنيف مثلما صدر أخيرا عن ادارة المهرجان ضد المخرج الدنماركي لارس فون ترايير، وهو البيان الذي اعتبره “شخصا غير مرغوب فيه” ونص على أن يعتبر هذا القرار ساريا من لحظة صدوره، وهو ما يعني طرد المخرج الشهير الموهوب، ومنعه من المشاركة في المهرحان مستقبلا.
ما السبب؟ السبب أن فون ترايير خلال مؤتمره الصحفي لمناقشة فيلمه المشارك في المسابقة الرسمية، صدرت عنه بعض الملاحظات التي أعرب فيها عن نوع من التحفظ على ما تقوم به اسرائيل وهو السلوك الذي وصفه حرفيا باللغة الانجليزية وحسب التعبير الشعبي الائع في عذع اللغة بسين أهلها والمتكلمين بها، بأنه pain in the assوالترجمة الحرفية لذلك بالعربية هي “وجع في المؤخرة” وقد ترجمناها تأدبا في الخبر المنشور في هذا الموقع “صداع في الرأس”.
وعلى سبيل المغالاة في المزاح على طريقته المعهودة قال أشياء مثل “إنني أستطيع أن أفهم هتلر.. هو لم يكن بالشخص الذي يعتبر جيدا لكني افهمه.. وأنا أتعاطف مع اليهود كثيرا جدا.. لا ليس كثيرا بسبب أن اسرائيل قد اصبحت وجعا في المؤخرة”.. وبهذا يكون فون ترايير قد تجرأ، من وجهة نظر القائمين على المهرجان، ولمس “العجل المقدس” الذي يعتبر محصنا ضد اي نقد من أي نوع، وهو ما أفزع الأوساط اليهودية واللوبي القوي في فرنسا الذي سرعان ما أجرى اتصالاه بوزير الثقافة الفرنسي فريدريك ميتران، الذي اتصل برئيس مهرجان كان جيل جيكوب وطالبه باتخاذ موقف صارم ضد المخرج الدنماركي.
وكان فون ترايير قد اعتذر يوم الخميس، عن التصريحات التي بدرت منه في المؤتمر الصحفي يوم الاربعاء، لادارة المهرجان ولكل الذين وصلتهم تصريحاته، ونشر الاعتذار في الموقع الرسمي لمهرجان كان على الانترنت مساء الخميس، ونشر أيضا أن المهرجان قبل الاعتذار وانتهى الأمر. لكن الضغوط استمرت فعقدت ادارة المهرجان اجتماعا استثنائيا طارئا بكامل هيئتها لم يحدث في تاريخها كله، لإدانة فون ترايير وطرده ومنعه من دخول المهرجان.
خلال عشرين عاما تابعنا فيها المهرجان، جاء الكثير من السينمائيين، من الشرق ومن الغرب، هاجموا في المؤتمرات الصحفية كل شيء، وسخروا من كل الأجناس والعقائد والافكار، باستثناء جنس واحد لا يجوز أبدا المساس به، وإلا قامت القيامة واعتبر الأمر (عداء للسامية) بل إننا شاهدنا واستمعنا الى من أنكروا وجود الله سبحانه وتعالى من على منصة المؤتمرات الصحفية في كان، وسخروا منه علانية، دون أن يؤدي سلوكهم هذا إلى اي نوع من الاحتجاج أو الغضب من جانب ادارة كان او غيرها.
والآن، ولان الأمر يتعلق بالدولة الوحيدة في العالم كله التي تعتبر نفسها فوق القانون الدولي، ثارت ثائرة جيل جيكوب ورفاقه في لجنة المهرجان، فليس من الممكن أن تمر هذه السابقة الخطيرة في انتقاد تلك الدولة المارقة التي اصدرت الأمم المتحدة ضدها مئات القرارات الدولية التي لم تلتزم بها. فما معنى هذا؟
لقد ضرب المهرجان عرض الحائط بالمبدأ المعروف الذي يتشدق به الجميع هنا في كان وخارج كان، وهو مبدأ احترام حرية التعبير. ولكن يمكن الدفاع عن حريتك في التعبير حتى فيما يتعلق بالشرك بالله، ولكن غير مسموح لك انتقاد اسرائيل أو السلوك اليهودي فهذه تعتبر كبيرة الكبائر خصوصا في فرنسا التي نجح اللوبي الصهيوني فيها منذ عشرين عاما في اصدار قانون “فابيوس- غايسو” الشهير الذي يقضي بسجن كل من يشكك في المحرقة اليهودية (الهولوكوست). ومن فرنسا “بلد الحريات” انتقل هذا القانون ليصدر في طبعات أخرى في معظم بلدان الاتحاد الاوروبي، باستثناء بريطانيا.
إنني أكتب هذا المقال لكي أدين سلوك مهرجان كان في التفرقة بين المواقف المختلفة، وأطالب باسقاط هذا الحظر ضد سينمائي بارز مشهود له بالموهبة، خصوصا أنه اعتذر وقبل اعتذاره فماذا حدث بعد ذلك، وهل أصبح المهرجان ألعوبة في يدي القوى الصهيونية التي لا تقبل ادانة السلوط السياسية الذي أدانته مئات المرات هيئة الأمم المتحدة. وهل نسقط في هذه الحالة مهرجان كان، أم مطلوب منا الآن اسقاط الأمم المتحدة!