مستقبل السينما فى عصر الوسائط المتعددة
مقدمة
منذ اكتشاف الفيديو واستخدامه على نطاق واسع من قبل الهواه لتصوير افلام سينمائية ثم ظهور الكاميرا الديجيتال مع امكانية اتمام جميع اعمال المونتاج والمكساج باستخدام جهاز الكومبيوتر،ثم امكانية عرض الافلام مجانا من خلال مواقع الكترونية مجانية مثل اليوتيوب، حتى أصبح العالم على مشارف عصر جديد للسينما ان لم يكن قد بدأ بالفعل وتجاوز كل التوقعات.
حيز الافلام المحملة على شبكة الانترنت يتزايد كما يتزايد صناع هذه الافلام.وهم فى سباق يومى من اجل تجويد تقنيتهم السينمائية.ولا شك ان تأثير ذلك على السينما التقليدية بدا قاتلا – تماما مثلما تم اكتشاف السينما نفسها حيث محت الدور الريادى الذى كان المسرح يمثله.
إن عصرا جديدا قد بدأ. وحتى مهرجانات السينما أصبحت تفسح المجال لافلامالديجيتال،وتخصص لها جوائز واحتفاليات، بل ان مخرجينفلام من المشاهير، لجأوا الى هذا الوسيط الجديد، دفعهم الى ذلك ان حساسية الكاميرا للضوء تسمح لهم بالتصوير على الاضاءة العادية دون أن يخل ذلك بجودة الصورة. كما أنهم لم يعد يهمهم الميزانيات والاحتكارات السينمائية التى تقودها مجموعة من شركات الانتاج والتوزيع السينمائى فى كل البلدان- تلك الاحتكارات التى كانت ومازالت تمثل عائقا امام الانتاج السينمائى الفنى- إن تقنية الكاميرا الديجيتال رائعة ومازال التطوير مستمرا بأسلوب القفزات وعما قريب سيحصل المستخدمون على إضافات هائلة لهذه التقنية التى أصبحت تنافس الفيلم الضوئى (السلولويد) الذى بلا شك يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وقع الضربات المتلاحقة للافلام الديجيتال.
ان تطويرا موازيا يتعلق بسرعة تحميل الأفلام عبر شبكة الانترنت قيد الانجاز فمن المعروف أن الكابلات الضوئية فى حال استبدالها بالكابلات النحاسية الحالية التى تنقلالمعلومات من شبكة الانترنت فان ذلك سيقضى نهائيا على جميع مشاكل هذا الوسيط العظيم لأن الكابلات الضوئية تنقل إضعاف المعلومات التى تنقلها الكابلات النحاسية بما يسمح بسرعة فائقة فى التحميل من الانترنت وبما يمكن أن يتساوى تماما مع جودة الصورة المعروضة عبر القنوات التليفزيونية وبنفس السرعة ونفس الجودة بل وامكانية عرض هذه الافلام طبقا للتقنية فائقة الجودة التى تستخدمها بعض محطات التليفزيون حاليا.
من هنا فإننا يجب أن نولى الأمر قدرا من اهتمامنا من أجل الإحاطة به لأن القضية برغم أنها تبشر بعصر أكثر تقدما إلا انها من الجانب الآخر تمثل كارثة على صانعى الافلام المحترفين الذين يرتزقون من هذه المهنة- وخاصة أعضاء نقابة المهن السينمائية وأنا واحد منهم – وهو ما يجعلنا نبدأ فى دراسة القضية على ضوء النقاط التالية :
1 – النفع العام
2 – المصير الحتمى لاختفاء الفيلم السلولويد بجميع تقاليده.
3 – التشريع القانونى وصعوبة الملاحقة القانونية.
4 – حقوق الملكية الفكرية وكيفية تحصيلها.
5 – دور الدولة فى تنظيم النشاط بهدف تمكين صناعة. الأفلام من التقدم.
أولا: النفع العام
لا يستطيع أحد أن يوقف عجلة التقدم واذا استطاع لبعض الوقت فان مصيره الحتمى هو الانهزام ذلك رأيناه فى كل مراحل التقدم الانسانى فعلى الجانب الثقافى والعقائدى تراجعت الثقافات والعقائد المتخلفة لتحل محلها ثقافات وعقائد أكثر تقدما أو على جانب تطور الأدوات والوسائل التى تمكن للانسان مزيدا من التقدم- وحالة السينما فى عصر الوسائط المتعددة لا تخرج عن هذا السياق- لقد أوضحت فى المقدمة أن اكتشاف السينما نفسها قلص الدور الريادى للمسرح والآن جاء دور السينما الديجيتال لتقلص الدور الريادى للسينما التقليدية. إنها عجلة التطور فلقد أطاح اختراع السيارة الميكانيكية بكل أشكال الحمل والجر السابقة عليه وصارت المحركات لا تنافس إلا نفسها.
ولا شك اننا نعرف بحكم التجربة او حتى المعاصرة أن الفيلم الديجتال لا يمكن منافسته، وأن سهولة عرض الافلام على شبكة الانترنت وشيوع تداولها أمر لا يمكن لأحد أن يوقفه وعلينا فقط أن نتذكر- والأمر مشابه تماما – كيف ان الانترنت كان العامل الرئيسى فى التحضير لثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة ونجاحها رغم أن أحدا لم ينفق شيئا على ذلك إلا جهده ومثابرته على التدوين واستثمار كل مهاراته من اجل اكتساب قراء جدد الذين هم أيضا واصلوا نفس الدور لتتسع الدوائر وتسود المشهد السياسى كله فى مصر حتى خنقت نظام مبارك وأطاحت به فى ثمانية عشر يوما.
إن الأمر هو نفسه فيما يتعلق بالفيلم الديجيتال فى مقابل الفيلم الضوئى. فإذا كنا لا ننظر الى هذا الأمر على أنه تقدم ونفع عام فلندفن رؤسنا فى الرمال ونستعد لنفس مصير مبارك ورموز حكمه على يد الثوار (الديجيتال) الذين سيحكمون علينا بالتخلف ومقاومة إرادة الناس الساعين الى حياه أفضل وأكثر يسرا وسوف يطيحوا بنا نحن أيضا.
إننا نعرف أن الوسائط المتعددة هى تطور تقنى غير مسبوق أتاح للثقافة بجميع اشكالها ان تنتشر الى ما لانهاية.
والسينما على وجه الخصوص تشهد انتعاشا للانتاج السينمائى الديجيتال وهو تطور كمى ونوعى للسينما غير مسبوق. ويكفى ان نزور موقع اليوتيوب لنرى العدد الهائل للقنوات التى انشأها صانعو افلام. ولا تعتبر اليوتيوب هى المجال الأوحد فثمة العديد من المواقع الشبيهة.
ان جهودا تنظيمية يقوم بها مبرمجو سوفت وير من اجل تمكين هذه الافلام من ان تجد نفسها ضمن افلام اخرى يجمع بينها تصنيف مشترك بحيث تبدأ عملية ترسيخ لمبدأ التخصيص ونرى هذا فى بعض المواقع الالكترونية التى تفتح المجال لمن يريد ان يُحمل فيلمه – والمقصود لصق الرابط الى الفيلم وليس نقله – بشرط ان يكون الفيلم منتميا الى نفس التصنيف الذى يتبناه الموقع الالكترونى.
ان هذا معناه أن كل انواع الفيلم السينمائى الديجيتال ستجد نفسها ضمن مواقع تخصصية سيكتشفها مستخدم الانترنت يوما ما وسيواصل الاعتماد عليها فى مشاهدة نوعية الافلام التى يميل الى مشاهدتها. فالسينما الوثائقية القصيرة والطويلة والافلام الروائية – القصيرة والطويلة – بكل انواعها مثل الحركية والدرامية والغنائية والموسيقية والكوميدية والتجريبية .. الخ كل هذه التصنيفات ستتواجد وسوف يجد زائر هذه المواقع ان افلاما جديدة يتم تحميلها لحظة بلحظة فى نفس النوعية.
إننى على أيه حال أريد ان اضرب مثلا على مثل هذه المواقع لكننى للاسف لاحظت ذلك متحققا فى موقع للبورنو وبالطبع لا يمكن ان اكتب عنوان هذا الموقع، لكن ما يهم ان هذا الموقع هو مثال لما اقصده.
ان كل من ينتج فيلما مصورا بالديجيتال يستطيع ان يجد موقعا الكترونىا يرعى ويتبنى نفس نوع الفيلم. وسوف يكون من السهل على المتابع والمهتم ان يصل الى اى فيلم او اى مخرج بسهولة شديدة.
ان هذا الانجاز الهائل يصب فى مصلحة السينما كما ونوعا لكنه بالضرورة لا يُرضى منتجو الافلام التقليديين الذين يحتكرون صناعة السينما ودائرة توزيعها ويفرضون ذوقهم الخاص على شعوبهم. ان مصر مثال دقيق على هذه الهيمنة وخاصة فى نطاق تسويق الفيلم فى دور العرض السينمائى المحلية.
هؤلاء المنتجون والموزعون لم يعد لهم دور، ولا يريد احد ان يكون لهم دور. ان منتجي الافلام الديجيتال يتمتعون بحريتهم كاملة فى صناعة افلامهم ولا يحتاجون الى مموليين، وعلينا ان نستعيد التجربة الرائدة للمخرج المصرى ابراهيم بطوط الذى ربح من فيلمه (حاوى) اضعاف ما كان سيحصل عليه لو انه لجأ الى منتج، ضمن صيغة انتاجية رائدة استطاع بها ان يرضى من شاركوه فى الفيلم وبجعل عائد الفيلم من حق جميع من شاركوا فيه ضمن نسبة مئؤية يتم تسديدها لكل مشارك فى الفيلم من أى عائد مادى يتم تحصيله.
ان تجربة ابراهيم بطوط وكذلك تجربة المخرج التسجيلى جابرييل ميخائييل وايضا تجربة المخرجة هالة جلال فى تأسيس شركة سمات، وتجربة المخرج احمد عبد الله فى فيلم ميكروفون الذى تم تصويره بكاميرا غير سينمائية، ورغم ذلك فقد سجل هذا الفيلم رقما قياسيا فى عدد المشاركات الدولية للافلام المصرية المعاصرة، كل هذه التجارب وغيرها الكثير، انما هى التطبيق العملى لاستثمار عصر الوسائط المرئية، وما يقدموه انما هو تبشير بعصر سينمائى جديد سيبدأ ان لم يكن قد بدأ بالفعل.
2- المصير الحتمى لاختفاء فيلم السلولويد
عندما كان جوردن براون رئيسا لوزراء بريطانيا كتب مقالا لجريدة التايمز البريطانية. فى هذا المقال يتحدث جوردن براون على الدور الحيوى للانترنت وضرورة تحديث البنية الاساسية عن طريق استبدال الكابلات الضوئية مكان الكابلات النحاسية المستخدمة حتى الآن بحيث يتم تمكين الانترنت من التدفق بسرعة وجودة مثالية تتيح لمستخدم الانترنت الاعتماد عليه مثل اعتماده على المحطات التليفزيونية، فسوف يكون من السهولة استدعاء اى قناه تليفزيونية ومشاهدتها بنفس السرعة والجودة القياسية.
ان حماسة جوردن براون هى نفس حماسة اى مواطن فى اى دولة من دول العالم. لقد باتت البشرية على مشارف عصر جديد يسمح للجميع ان يشاهد ما يريده فى اى وقت ولاى مدة ومن اى مكان بسهولة ويسر، وبجودة قياسية.
هذه ربما تكون آخر معارك فيلم الديجيتال ليدحر الفيلم المصولا على شرائط السلولويد ويرديه ارضا، لأن عناصر فيلم الديجيتال الاخرى قد تحققت جميعها، فكاميرا الديجيتال اصبحت منافسا فى جودة صورتها للفيلم الضوئى، كما ان حاجة التصوير بالديجيتال الى الضوء قليلة جدا أو كما يصفها جان لوك جودار (بالبصيص) وهو ما يوفر اطقم المصورين والمساعدين، كما ان الفيلم الديجيتال لا يحتاج الى معامل طبع وتحميض وهى غالية جدا وتحتاج الى التطوير الدورى لتلاحق مستجدات الصناعة والا فانها تفقد الميزة التنافسية – ولعل هذه احد اهم اسباب ضعف السينما المصرية وعدم قدرتها على المنافسة فى المهرجانات العالمية – واخيرا امكانية عرض الافلام الديجتال عرضا عاما سواء على شبكة الانترنت او فى دور السينما من خلال الفيديو سكرين او الشاشات البلازما، وكلا الخياران يبدوان اكثر اقتصادية ويمكن استراداد رأس المال فى اقل من عام اذا قارناه بتكلفة نُسخ الفيلم الضوئى التى تتداولها اى دار عرض سينمائى فى عام.
دعونا ايضا ننظر الى الأمر على ضوء تجربة وممارسة شبيهة، فعندما ظهر الفيديو فى بداية السبعينات، فان افلام 8 ميللى – التى كان الهواة يستخدمونها لتصوير افلامهم – اختفت من الاسواق، فقد بات على من يريد تصوير فيلم كهاو ان يصوره بكاميرا الفيديو وان يعرضه ايضا على جهاز فيديو متصل بجهاز تليفزيون.
والحقيقة ان الفيلم الضوئى لا يمثل قيمة فى حد ذاته بل ان مشاكله اكثر من مزاياه فهو عرضه للتلف نتيجة كثرة الاستخدام أو التلف اذا لم يتم تخزينه فى ظروف صناعية داخل ثلاجات لضمان عدم تفاعل عناصره الكيميائية مع الحرارة ومن ثم تلفه كما انه عرضه للحرق ويحتاج الى مخازن وموظفين وحراس يواصلون العمل والسهر عليه.
ان جزءا كبيرا من ميزانية انتاج الفيلم السينمائى تذهب على الفيلم السلولويد سواء فى مرحلة التصوير أو مرحلة الطبع والتحميض أو مرحلة استنساخ العدد المطلوب من النُسخ لتغطى سوق السينما فى توقيت معين، لاستثمار الدعاية المصاحبة لضمان اقبال الجمهور عليه، وهو امر يمثل عائقا للانتاج السينمائى فى حد ذاته، ولطالما استمعنا الى شكاوى المنتجين من هذا الأمر واستمرار مطالبتهم بتخفيض ضريبة الاستيراد على الأفلام الخام وتخفيض تكاليف الطبع والتحميض.
إن الفيلم الضوئى يحتاج أيضا الى فريق عمل متخصص فى هندسة الصوت حيث يتم تسجيل جزء من شريط الصوت فى موقع التصوير ثم يتم استكمال شريط الصوت من خلال استوديوهات تسجيل صوت لاضافة الموسيقى والمؤثرات، وهى عملية معقدة ولطالما لاحظنا ولاحظ جمهور السينما المصرية مدى تخلفنا التقنى مقارنة بالافلام الامريكية.
لذلك فإن زوال الفيلم الضوئى لن يُؤسف عليه وستكون مصر وكافة دول العالم الثالث هم الرابحون، لأن نفس تقنية الكاميرا الديجيتال التى يستخدمها الامريكيون او اليابانيون هى نفسها التقنية التى ستتوفر لصانع افلام فى دولة فقيرة مثل النيجر، وأنه ولأول مرة سيكون بمقدور فنان العالم الثالث السينمائى أن ينافس على المستوى العالمى.
لذلك فان اختفاء الفيلم الضوئى بات امرا حتميا بحكم التطور والحاجة، ويالها من آفاق عظيمة وآمال تقترن بشيوع الفيلم الديجيتال.
3 – التشريع القانونى وصعوبة الملاحقة القانونية
ان سرقة الافلام السينمائية على يد قراصنة الالكترونيات ليس مقتصرا على دولة واحدة ولكنه ظاهرة عالمية، فالاوربيون مثلهم مثل الصينيون والعرب والافارقة وجميع الشعوب، وجدوا من السهولة عليهم ان يستنسخوا أى فيلم سينمائى على اسطوانة سى دى او دى فى دى، ثم تحميلها على الكومبيتر الشخصى، واتاحة نفس السى دى لصديق او قريب ليكرر نفس العملية، وهكذا ينتشر الفيلم السينمائى ويتم تداوله دون ان يُحقق منتج الفيلم اى كسب، مما ادى الى تعثر كبير فى صناعة الافلام. وهذا ايضا من الامور التى يواصل منتجو السينما فى مصر الشكوى منها دون ان يصل احد الى حل او تشريع قانونى يوقف هذا الامر. انها نفس مشكلة الفيلم فى اى مكان من العالم حتى ان الامر اصبح يُنظر اليه باعتباره امر واقع لا يمكن السيطرة عليه.
ولعل تجربة فرنسا التشريعية لكبح هذه السرقات للملكية الفكرية تعتبرنموذجا فقد تشدد المشرع الفرنسى فى عام 2009 من اجل تفعيل قانون يعاقب من يقوم بتحميل مواد بصورة غير شرعية من الانترنت، واتخذ مشروع القانون صيغة ثلاثية، تبدأ بتنبيه المخالف، وثانيا ارسال خطاب اليه، واذا واصل تعديه، تقوم الحكومة بقطع خدمة اتصاله بالانترنت لمدة عام.
ومشروع القانون بهذه الصيغة جاء تحت الحاح شركات الانتاج الموسيقى والسينمائي. وتم تمرير المشروع من خلال حزب الرئيس ساركوزى الذى يمثل الاغلبية، ولكن معارضى القانون من الاشتراكيين قالوا ان هذا القانون من الممكن ان يعاقب اناسا ابرياء عوضا على ان قراصنة الانترنت من الذكاء بحيث يستطيعون الاحتيال على الاجراءات. هذا القانون وبالرغم من اقراره من مجلس الشيوخ الفرنسى، الا ان التصويت عليه فى المجلس القومى جاء سلبيا، ولم يتم اقرار مشروع القانون فى حينه، وتم تأجيل اعادة النظر فيه الى دورة برلمانية اخرى.
لقد بات من المسلمات ان التشديد القانونى لا يمنع من استمرار القرصنة، فالامر لا يبدو بالنسبة لمستخدمى الوسائط المتعددة امرا غير اخلاقي على الاطلاق، بل انه بات من المسلم به ان استنساخ الملكيات الفكرية واعادة نشرها من ممارسات اى مواطن فى اى دولة من دول العالم المعاصر.
ومع عجز الدول عن استصدار التشريعات الرادعة، فان مصير الانتاج السينمائى المُمول بميزانيات ضخمة ان يتقلص ويتراجع او حتى يختفى. ولن يبقى الا انتاج السينما الممولة من الحكومات نفسها وبغرض غير ربحى ليقين كل الدول والقوميات باهمية دعم الانتاج السينمائى ذي الميزانيات الضخمة، فالسينما وسيط ثقافى يهدف الى توحيد الجمهور على مفاهيم ورؤى تحتاج كل دولة الى التأكيد عليها لخدمة اهداف ثقافية وحضارية.
ان مظاهر التعدى على الملكية الفكرية بالنسبة للفيلم السينمائى يتخذ اشكالا اخرى عديدة، من بينها تحميل الفيلم على قناه يوتيوب، وحتى لا يتعرض هذا الشخص للمساءلة القانونية، فانه يُنشأ لنفسه حسابا – على جوجل مثلا – باسم مستعار وتفاصيل شخصية لا تنتمى اليه، ثم يبدأ على الفور فى تحميل اى فيلم على هذه القناة. ويستطيع اى مستخدم للكومبيوتر ان يشاهد هذا الفيلم وان يضعه ضمن مفضلاته ليتيح لزوار قناته ان يُشاهدوه، فاذا عرفنا ان اى مستخدم للكومبيوتر يستطيع القيام بذلك، واذا حسبنا عدد مستخدمى الكومبيوتر على مستوى العالم وهو بمئات الملايين لعرفنا ان بمقدور كل الانتاج السينمائى فى العالم كله منذ اكتشاف السينما وحتى الآن ان يظهر على الشبكة العنكبوتية بصورة غير شرعية. لكن احدا لا يستطيع فرض الضبط القضائى على اى احد.
هذه العوامل وان كانت مُدمرة لصناعة السينما المبنية على اساس ربحى، الا انها من جانب آخر تمثل فتحا لانتاج الافلام بصفة عامة، وخاصة انتاج الفيلم الفنى قليل التكاليف، الذى تم التبشير به مبكرا فى مرحلة الستينات مع ظهور الموجة الجديدة فى فرنسا وتأسيسها لادبيات سينمائية تصلح للتطبيق الآن لتحقق نجاحا اكبر مما حققته الموجة الجديدة نفسها فى اوج تألقها.
4 – حقوق الملكية الفكرية وكيفية تحصيلها
ان عدم القدرة على احتواء الموقف بخصوص ضياع حقوق الملكية الفكرية صار امرا محتوما، وهو ما يجب ان تضعه الحكومات فى اولوياتها، وربما اصبح من المطلوب الآن ان تقوم الدول بدعم انتاج الافلام بصورة مباشرة وكاملة، بحيث يتم اعتبار الفيلم السينمائى ملكية مشاعية ليس فقط لمواطنيها ولكن لكل الشعوب، وان الفنان السينمائى ولكى يستطيع مواصلة حياته بشرف وبحيث يتفرغ لعمله كسينمائى، فإن دولته تقوم بدفع تكاليف الفيلم وتسديد الاستحقاقات المادية لجميع العاملين فى الفيلم، ثم تنشره بوسائلها وهى على معرفة مسبقة ومقررة ان الفيلم ينتشر بطرق اخرى غير شرعية. ولكن وفى ظل رعاية الدول فإن الأمر يصبح شرعيا تماما لأن انتاج هذه الافلام يتم ضمن صيغة غير ربحية وللنفع العام.
إن قيام الدول بتحمل مسؤولية الانتاج السينمائى الفنى لن يمثل عبأ على ميزانية أى دولة مهما كانت محدودة الموارد، ذلك ان تكلفة الانتاج التلفزيونى والاذاعى الذى تتحمله جميع الدول والشعوب، سيكون هو نفسه اذا تم اضافة انتاج الافلام الفنية اليه.
5 – دور الدولة فى تنظيم النشاط بهدف تمكين صناعة الافلام من التقدم
يجب اولا ان نوضح ان تكلفة انتاج الافلام التى ستتحملها الدول فى ظل الفيلم الديجيتال هى اقل بنحو 75 فى المائة من تكلفة نفس هذه الافلام بنظام الفيلم الضوئى، فاذا اخذنا نموذح مصر على سبيل المثال، فان متوسط تكلفة الانتاج السينمائى السنوى، هو فى حدود 100 مليون جنية مصرى تتحملها جهات الانتاج الخاصة، وانه فى حال الانتقال الى الفيلم الديجيتال فان هذه التكلفة ستنخفض الى نحو 25 مليون جنيه مصرى فقط. ولعلنا ندرك مدى تفاهة هذا المبلغ اذا قارناه بانفاق التلفزيون المصرى قبل ثورة 25 يناير حيث كان مبلغ 25 مليون جنيه هو متوسط تكلفة انتاج المسلسل الواحد . كما ان الفنان عادل امام تعاقد بمبلغ 30 مليون جنيه على مسلسل يتم انتاجه حاليا.
لا غرابة اذن اذا طالبنا بتدخل الدولة لانتاج الفيلم السينمائى الديجيتال على ان تقوم وزارة الثقافة بهذا الامر ضمن صيغة جديدة غير رأسمالية، فالوزارة لا يجب لها ان تعمل بنظام المنتج المنفذ تلك الصيغة البغيضة التى استغلها المستفيدون من النظام السابق وتربحوا منها على حساب دافعى الضرائب من محدودى الدخل، ولكن على وزارة الثقافة ان تؤدى دور المنتج الممول والمنفذ وان توسع من البنية التنظيمية والادارية لهذا النشاط بحيث يتم انشاء ادارات فى عواصم المحافظات حتى ولو كان فى ادارات قصور الثقافة، لأن الأمر لا يتعدى فى نهاية المطاف، كونه مبلغ من المال مخصص لكل فيلم يتم توزيعه بنظام الحصص على الفنانين المشاركين فى الفيلم.. علما بان تكلفة الفيلم الديجيتال نفسها هى فى حدود الصفر.
ولعلنا الآن فى امس الحاجة الى ادبيات الموجة الجديدة الفرنسية للعمل بها والتطوير عليها، ونحن على ثقة من ان من صنع ثورة 25 يناير لديه بالحتمية القدرة على صناعة ثورة سينمائية موازية.