متاهة الدعم تكبح طموح السينما المغربية
انتظر الرأي العام المغربي السنة التي انقضت أن تظهر ملامح سياسة مدير المركز السينمائي المغربي المعين منذ أكتوبر 2014، ولكن الرجل اكتفى، لحد الآن، بالتدبير الإداري العادي لأمور السينما المغربية والاقتصار على حضور افتتاحات بعض المهرجانات وإلقاء الخطب الرنانة فيها ثم ترؤس بعض اللجان الوظيفية، واستقبال بعض الوفود السينمائية الأجنبية، فضلا عن العودة إلى التحكم في الفسيفساء المهني المبني أساسا على تعدد الغُرَف المهنية الشكلي لتمرير ما يمكن تمريره من قرارات، مع العلم أن المهنيين (منتجين ومخرجين) يشكون من تعقد المساطر المتعلقة بالحصول على رخص التصوير وغيرها، وهي المهمة الإدارية التي كانت مرنة في ما قبل.
وتجدر الإشارة إلى أن مدير المركز كان يرأس أهم وأقدم غرفة للمنتجين المغاربة، والتي خرجت عدة تنظيمات من تحت إبطها بدعوى عدم القدرة على تدبير الاختلاف وتضارب المصالح.
دعم منقوص
استمر دعم الدولة لإنتاج الأفلام بنفس الوتيرة المعهودة، وقد أكمل عدد من المنتجين والمخرجين أفلامهم الروائية القصيرة والطويلة، فيما يظل الفيلم الوثائقي خارج الدعم باستثناء ما يهم الثقافة والتاريخ والفضاء الصحراوي الحساني.
وقد أسفرت مداولات لجنة الدعم في دورتها الثالثة برسم سنة 2016 عن دعم تسعة أفلام روائية طويلة من أصل خمسة عشر كانت مقدمة للجنة، فضلا عن دعم أفلام روائية قصيرة وإعادة كتابة بعض السيناريوهات، إضافة إلى دعم المهرجانات والتظاهرات السينمائية وخلق وتجديد ورقمنة قاعات العرض، مما يجعل أساس الحركة السينمائية المغربية مدعوما من الدولة، وفي ذلك تكمن هشاشته.
اجتمع مهنيو السينما المغربية بدعوة من المركز، ولأكثر من مرة لمناقشة القانون 20-99 المنظم للمركز السينمائي المغربي، وهو الأمر الذي اعتبره بعض المهنيين هروبا إلى الأمام، لأن المشكلة ليست في هذا القانون تحديدا، وإنما في تنزيله وتدبيره خاصة مع ارتفاع المشكلات المتعلقة بالحصول على رخص التصوير، وشهادات الممارسة المهنية الخاصة بشركات الإنتاج، ونيل البطاقات الاحترافية، وصرف حصص الدعم، واستقلال اللجان المشرفة عليها وكذلك لجان الدعم بكافة تخصصاتها.
وما يزكي هذا الطرح هو الدعوة إلى مثل هذه الاجتماعات في ظل غياب الحكومة، والوزير المشرف على القطاع، مما يجعل تلك الاجتماعات شكلية أو ذات طابع استشاري، خاصة وأن الحاجة ماسة إلى مواجهة المشكلات المرتبطة بالممارسة أولا وأخيرا، والتي كان يُحَلُّ جلّها عبر السلطة التقديرية لمدير المركز.
عرفت هذه السنة الإعلان عن إعادة تشغيل أو فتح الخزانة السينمائية المغربية بمناسبة احتضان أسبوع سينما ساحل العاج الذي تزامن مع انعقاد الدورة الأخيرة من المهرجان الدولي لسينما المرأة بسلا، فبالرغم من أن البناية كانت موجودة دائما، ومجهزة إلاّ أن افتتاحها لم يكن له أي برنامج معلن، ولا أي إستراتيجية ظاهرة، وهو ما تم التطبيل له دونما حدوث أي تغيير على أرض الواقع، فالخزانة تحتاج إلى تصور ورؤية وموارد بشرية مؤهلة لكي تتحول إلى مركز حقيقي للذاكرة البصرية المغربية المتلاشية في أنحاء العالم، وأن تنفتح على محيطها القريب أكثر فأكثر لتساهم في نشر الوعي البصري الذي نحتاج إلى ترسيخه بطرق صحيحة لدى فئات عريضة من المغاربة، لا سيما وأن عدد القاعات يتراجع بقوة مدهشة ولم نعد نتحدث عنها إلاّ بين محور طنجة- مراكش.
وشهدت السنة، أيضا، إعادة تعيين أعضاء لجنتي دعم المهرجانات والقاعات السينمائية؛ إذ عرفت الأولى صراعا بَيِّنا على مهام مراقبة المهرجانات في ما بينها وسكرتارية اللجنة التي يحتضنها المركز السينمائي، وقد أبان بعض أعضاء اللجنة عن استماتة كبيرة في الدفاع عن استقلاليتهم وعن فعالية كبيرة في ما يخص المناقشة والتتبع؛ إذ حذفت دعم بعض التظاهرات وقلصت من ميزانيات بعضها بالرغم من جيوب المقاومة الداخلية، ويثبت هذا الصراع المخاض الذي يعرفه الحقل السينمائي على مستوى التدبير وتطبيق القانون والشفافية والمحاسبة.
ودعنا خلال هذه السنة عدة شخصيات سينمائية وأخرى ظل ذكرها ممتدا إلى هذه السنة، وسيظل طيبا بيننا كالقاص والناقد السينمائي مصطفى المسناوي (1953 /2015)، والفنان المتعدد المواهب العربي اليعقوبي (1930 /2016)، والمنتج والمخرج عبدالله المصباحي (1938 /2016)، والمخرج والموضب عبدالله الرميلي (1936 /2016)، والمخرج محمد اقصايب الذي وإن لم يخرج أي فيلم سينمائي، إلاّ أن لمساته الفنية ورؤيته كانت واضحة في ما أنجزه من أعمال تلفزيونية تعنى بالثقافة والفن.
قليل من الأمل
تميز هذا العام بتصوير عدة أفلام أجنبية بشتى أنحاء المغرب نذكر من بينها فيلم “البحث عن أم كلثوم” الذي يتناول سيرة حياة كوكب الشرق أم كلثوم، والتحضير جار لتصوير أعمال سينمائية أخرى من بينها السلسلة الأميركية الشهيرة “هوم لان”، ويجدر التنبيه إلى أنه من ضمن إثنين وثلاثين فيلما أجنبيا تم تصويره في المغرب، نسجل ثمانية أفلام أميركية، وثمانية فرنسية، وسبعة بريطانية فضلا عن حضور العديد من الأفلام الألمانية والكندية وغيرها.
سنودع هذه السنة على إيقاع التفاؤل الذي يصنعه بعض المخرجين المغاربة الذين يحملون على عاتقهم هموم الرقي بالسينما المغربية على مستوى الإبداع وارتياد آفاق أرحب، وإن كانت الدورة الحالية من مهرجان مراكش الدولي للفيلم قد أصابت السينما المغربية في مقتل، بعد أن تجاهلت عدة أفلام مغربية لمخرجين مغاربة استفادوا من إعادة كتابة سيناريوهاتهم تحت إشراف المؤسسة المُشْرِفَة على تنظيمه، كالمخرج رؤوف الصباحي وغيره من المخرجين الشباب، كجيهان البحار وياسين ماركو موروكو.
ومع ذلك، فإن ما يثلج الصدر هو الأصداء الجيدة التي تصل عن مخرجين أكملوا تصوير أفلامهم الجديدة كالمخرج داوود أولاد السيد وعزيز السالمي ونورالدين لخماري، وآخرين لم يرشحوا أفلامهم الجديدة للمهرجان من قبيل هشام العسري وفوزي بنسعيدي اللذين من المحتمل أن يشارك أحدهما في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين، فضلا عن حكيم بلعباس الذي يشارك بفيلمه الجديد “عرق الشتا” ضمن مسابقات مهرجان “دبي” السينمائي.
ولعل المنجز الإبداعي لهؤلاء المخرجين من شأنه أن ينسينا وجع تلك الضربة القاصمة التي وجهها مهرجان مراكش للسينما المغربية التي من المفروض أن تحظى بتمييز إيجابي، باعتباره البلد المنظم الذي يجب ألاّ يكون مجرد منظم حفلات فحسب، وذلك ضد ما يعتقده مدير المركز السينمائي المغربي الذي يجب عليه الدفاع عن المنتوج الوطني والرقي بكل ما يؤهله ليتحسن، وما على محيطه القريب إلاّ أن يساعده، لأن الرؤية تعوزه بالتأكيد فقد يمر الشخص ويظل المنجز ثابتا.
لا بد من الإشارة في الأخير إلى المنجز النقدي المغربي الذي ظل يدعم المنتج حتى في لحظات الشح الإنتاجي والتَّقَرُّح الإبداعي، فقد نشر النقاد السينمائيون المغاربة ما يفوق عشرين كتابا، فرديا وجماعيا، باللغتين العربية والفرنسية، واستمرت جمعية نقاد السينما بالمغرب التي احتفلت بمرور عشرين سنة على تأسيسها، وتولت رئاسة الفيدرالية الأفريقية للنقد السينمائي خلال هذه السنة، في نشر مجلتها “المجلة المغربية للدراسات السينمائية”، كما استطاع “أصدقاء السينما بتطوان” مواصلة نشر مجلتهم “وشمة”.