ماذا يقول النقاد العرب عن أداء جوليان مور في “مازالت أليس”؟
عن أداء جوليان مور في فيلم “مازالت أليس” يكتب الناقد الكبير كمال رمزي في صحيفة “الشروق” المصرية يقول: “الأمر مثير لحب الاستطلاع، فعلا، فأن تفوز ممثلة، عن دور واحد، بعشرين جائزة، مسألة غير متكررة، تدفع المتابع، عاشق السينما، إلى السؤال: لماذا؟
الإجابة تأتيك واضحة، حاسمة، مقنعة: لأن النجمة جوليان مور، تصل إلى درجة هائلة من الشفافية الروحانية فى أدائها لشخصية «آليس»، الأستاذة الجامعية، القوية، بدنا وعقلا، التى تحاول ــ بإرادة من حديد ــ إيقاف زحف مرض «ألزهايمر» على كيانها.. لكن النسيان، التوهان، الاكتئاب، العصبية، مظاهر مرضية تداهمها، وهى تراقبها بيقظة، وانزعاج، وتبدو، فى صراع داخلى، من أجل إبقاء نوافذ الذاكرة، أو بعضها، مفتوحة، يتسلل منها أشعة ضياء علاقاتها، مع الحياة، متمثلة فى أعضاء أسرتها، ولحظات من ماض حميم، آخذ فى الاعتام.
“لاتزال آليس”، فيلم حالة، على طريقة تشيكوف، يخلو من الأحداث الكبيرة أو الصاخبة، يغلب عليه الحوار، يدور، فى معظمه، داخل أماكن مغلقة، كما لو أننا أمام خشبة مسرح، وليست مصادفة أن يذكر اسم الكاتب الروسى الملهم، بل نشاهد أحد مقاطع «الشقيقات الثلاثة»، تؤديها ابنة البطلة، فالواضح أن المخرج، ريتشارد جليتزر، وواش ويستمورلاد، اللذين كتبا السيناريو أيضا، عن رواية لليزاجيونوفا، استوعبوا جميعا، درس انطون تشيكوف، المتعلق بعمق المعانى الكامنة، فى تفاصيل الحياة.
من نفس الكأس
أما الصحفي اللبناني هوفيك حبشيان فيكتب في “النهار” تحت عنوان “يوم شربت من كاس جوليان مور” يقول: “في خريف 2010، قابلتُ جوليان مور في حديث استغرق أربع عشرة دقيقة و32 ثانية. تحدثنا رأساً إلى رأس. كتفاً إلى كتف. وقلباً على قلب. شأنٌ نادر في ضوضاء المقابلات الصحافية المتتالية وإلحاح الملحقين بالنجوم على ايقاف آلة التسجيل بأسرع ما يمكن. جاءتني جوليان بقبضة يد ناعمة، ابتسامة مستنفرة، كلام مباشر، وبعمق ذي دلالات. وقفت أمامي وعرّفت عن نفسها: أنا جوليان مور. قلتُ لها ممازحاً: سمعتُ بهذا الاسم من قبل. ضحكت وجلست. بعد ربع ساعة، عندما أدارت ظهرها وذهبت لمقابلة صحافي آخر، تركت على الطاولة كأساً من الماء كانت شربت منه قليلاً خلال المقابلة. بقيتُ جالساً في الكنبة، قبل أن ألتقط الكأس وأبلع كمية الماء الباقية. فقط بعد ثوانٍ قليلة، شعرتُ بطعم حمرة الشفاه على لساني. لقد أكلتُ حمرة شفتيها، من دون أيّ شعور بالرذيلة. ذقتها بأسناني، ثم ذابت مع قطرات المياه التي روت ظمئي؟ فيتيشية سيقول البعض. فيتيشية؟ نعم يا ستّي، فيتيشية. وهل هناك أروع من الفيتيشية عندما تتحلق حول جوليان ابنة مور!
مساء الأحد الفائت، عندما نادى ماثيو ماكونوغي على جوليان كي تصعد الى المسرح وتتسلم “أوسكارها” الأولى، استعدتُ ذلك اليوم الخريفي الجميل في أبو ظبي. واذ استعدتُ لحظة كهذه، فلأنني لم أنسها قطّ. كانت جوليان تريد بعد إنهاء المقابلة أن تزور مع زوجها مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي. وهذا ما فعلته، بعيداً من الكاميرات، لا لتثبت للآخرين شيئاً مما كما يفعله المشاهير عادة، بل لترضي فضولها، اذ قيل لها كم هو جميل هذا المسجد. “لست مشهورة”في سجلّ مور أكثر من ستين فيلماً. نالت جوائز كثيرة، منها في كانّ والبندقية، لكن الـ”أوسكار” ظلّت غصة في قلبها. أفهمها جيداً: فكيف تنالها غوينيث بالترو الأقل منها موهبة ولا تنالها هي؟ وكيف تفوز بها ميريل ستريب ثلاث مرات ولا تفوز بها مرة واحدة؟
كان عليَّ أن أمرّ عبر سؤال يطال الـ”أوسكار”، مضطراً، مع إدراكي المسبق أنها ملّت منه وقد تحسبني من الصحافيين التافهين. بيد أنني طرحته على “نفقتي” الخاصة. هاكم ما قالت: “طبعاً، لا أنكر ان هناك شيئاً غريزياً يظهر لدى الانسان ما إن يشارك في مسابقة، مما يجعله يريد الفوز. لكن، في نهاية المطاف، ما يهمني أكثر من نيل جائزة، هو العمل نفسه. ما يخيّب أملي الاّ أُمنَح الأدوار التي أريدها. طبعاً، كنت سررتُ لو فزت بالـ”أوسكار”، واعتقد أن كلاًّ من هيتشكوك وكوبريك كان سُرّ بدوره لو نال “أوسكار” أفضل مخرج”.
وفي “السفير” اللبنانية يكتب نديم جرجورة: “من بين ممثلات هوليوود، هي بالتأكيد أكثرهنّ لغزاً، وأكثرهنّ موهبة أيضا”.هكذا يصف الصحافي الفرنسي فابريس روسّولو الممثلة الأميركية جوليان مور، في مقالته المنشورة في الصحيفة الفرنسية اليومية “ليبراسيون”، بتاريخ 4 حزيران 2011. وصفٌ يكاد يكون الأنسب لشخصية سينمائية تمتدّ حكايتها مع الشاشة الكبيرة على مدى ربع قرن. ابنة قاضٍ عسكري (الكولونيل بيتر مور سميث) وطبيبة نفسية (آن، المهاجرة الاسكتلندية)، تمتلك خصوصية أن تكون نجمة من دون استعراضات باهتة، وأن تكون ممثلة من دون تخبّط في عشوائية الاختيار أو في متاهة العمل، وأن تكون امرأة من دون أن تفقد رونق سحر غامض يظهر في عينيها، فتنكشف الحكاية على غنّى إنسانيّ يتفوّق، أحياناً، على مهنية التمثيل. في أحد تعليقاتها الصحافية، تقول: «أنا لستُ مشهورةً. أنا ممثلة بكل بساطة».
تبتعد عن المجلات الفنية وصحافة الـ «باباراتزي»، لأنها مقتنعة بلا جدوى الغرق في تلك المتاهة المُتعِبة: «ماذا تريد أن يروي هؤلاء عنّي؟ أنا متزوّجة الرجل نفسه منذ نحو 18 عاماً، ولديّ ولدان. هذا كل شيء». (زوجها هو المخرج بارت فروندليتش، ولها منه صبي يُدعى كاليب في الـ 17 من عمره، وصبيّة اسمها ليف هلن في الـ 13 من عمرها). وفي جريدة “العرب” اللندنية كتب أمير العمري يقول إن أداء جوليان مور في دور “أليس”، يتجاوز الجميع، إنها حاضرة في كل مشهد من مشاهد الفيلم، وهي تؤدي من خلال معايشة كاملة للدور، وليس مجرد تقمصه، فنحن لا نشاهد ممثلة تمثل، بل امرأة تشعر وتمر في أعماقها بما تمر به المريضة بالزهايمر، خاصة عندما يضرب مبكرا قبل الأوان كثيرا، ويصيب هذه المرأة التي تتمتع بكل ما يحسدها عليه الآخرون من حيوية وتألق ذهني وجسماني.
إنها تستخدم التعبيرات الدقيقة للوجه والعينين، تقبضات العضلات، حركة الجسد، في تجسيد الشعور بالتيه والضياع في فضاء المدينة وداخل أسوار المنزل، وتلك اللوعة التي تصيبها بعد أن تعرف، أن مرضها يمكن أن ينتقل الى أبنائها أيضا بنفس الطريقة.. إن تكرارها عبارات الاعتذار لهم، في مزيج مرهق من مشاعر الارتباك والفزع والذنب، لا يمكن أن ينسى. إننا هنا أمام أداء كبير ربما يتجاوز حجم الدور نفسه وأبعاد الشخصية الدرامية، وهو أداء يرتفع بصاحبته إلى آفاق جديدة في مسيرتها الفنية، باتت تستحق أن تتوج عنها كواحدة من أفضل الممثلات في عصرها”.