قضايا ومشاكل العالم العربي في مهرجان تورينو السينمائي

فتتح مساء الجمعة 20 نوفمبر الدورة الثالثة والثلاثون من مهرجان تورينو السينمائي بالمدينة الإيطالية التي تعتبر الثالثة في الأهمية بعد روما وميلانو، والتي كانت عاصمة الدولة الإيطالية ومقر العائلة الملكية منذ ما بعد توحيد إيطاليا في 1861. وتتميز المدينة الجميلة بكنوزها المعمارية من الساحات التي تتميز بجمال التصميم إلى الكنائس القديمة والحدائق والمسارح والمتاحف المتعددة ومنها المتحف المصري الذي يضم أكبر مجموعة من المقتنيات المصرية القديمة في أوروبا، والمكتبات ودور المعارض الفنية، وفيها أيضا متحف كبير للسينما. وتجمع الطرز المعمارية في تورينو بين عمارة عصر النهضة والعمارة الباروكية وعماة الروكوكو والكلاسيكية الجديدة وعمارة الفن الحديث.

أما مهرجانها السينمائي فقد أسسه الناقد السينمائي جياني روندلينو عام 1982، وهو يقام سنويا بانتظام منذ ذلك العام، ويعتبر المهرجان الثاني في حجمه وأهميته في إيطاليا بعد مهرجان فينيسيا السينمائي العريق الذي يعد الأقدم في العالم.  وتدير المهرجان منذ العام الماضي الناقدة والمؤرخة السينمائية الإيطالية إيمانويلا مارتيني، وقد خلفت في مقعد مدير المهرجان المخرج الإيطالي جياني إيميليو.

يفتتح المهرجان بالفيلم البريطاني الجديد “سوفراجيت” للمخرجة ساره جافرون، الذي يصور حركة الوعي النسوي في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في بريطانيا، والتي اتخذت طابعا عنيفا في تلك الفترة في المطالبة بحقوق النساء والمساواة مع الرجال، وتقوم ببطولة الفيلم ميريل ستريب وهيلينا بونام كارتر وكاري موليجان.

الأصوات البعيدة

يحتفي المهرجان هذا العام بالمخرج البريطاني الكبير تيرنس ديفيز (70 سنة) حيث يعرض فيلمه الجديد “أغنية الغروب” Sunset Song ضمن احتفالية خاصة يعرض خلالها أيضا فيلمه الأول “الأصوات البعيدة… ومازال حيا” (1988). ويمنح المهرجان المخرج البريطاني الذي يعد أحد أعلام سينما المؤلف الأوروبية، جائزة جراند برميو تورينو الكبرى تقديرا لإسهامه في تطوير سينما الفن.

أما ضيف شرف الدورة الـ 33 فهو المخرج البريطاني جوليان تمبل، الذي أخرج عددا كبيرا من الأفلام الوثائقية وافلام الفيديو كما أخرج الكثير من الأفلام الروائية منها “صحبة الذئاب” (1985) و”قذارة وغضب” (2000) إلا أن فيلمه “مبتدئون تماما” Absolute Beginnersالذي أخرجه عام 1987 واعتبر الأكثر تكلفة في تاريخ السينما البريطانية، تسبب في إفلاس شركة جولد كريست.

إيمانويلا مارتيني مديرة مهرجان تورينو

يقيم المهرجان أيضا احتفالية خاصة بمناسبة مرور 100 عام على مولد المخرج الأمريكي أوروسون ويلز. ويعرض المهرجان ثلاثة من أفلامه هي “المواطن كين” و”السيد أركادين” و”لمسة الشر”. وقد وضعت إدارة المهرجان صورة أورسون ويلز على الملصق الرسمي للدورة الجديدة.

ينقسم المهرجان الى أقسام عديدة منها المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة (15 فيلما)، ومسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، ومسابقة الأفلام الروائية القصيرة، والعروض الخاصة للأفلام، وقسم الأفلام الكلاسيكية، وقسم سينما العالم، وقسم السينما الإيطالية الجديدة، وقسم سينما البحر المتوسط، وقسم السينما الوثائقية الإيطالية، وقسم سينما الشباب، وقسم الأفلام الإيطالية القصيرة وغير ذلك. ويعرض المهرجان نحو 340 فيلما في الفترة من 20 إلى 28 نوفمبر.

في المسابقة الرئيسية 15 فيلما من 11 دولة هي إيطاليا (4 أفلام) وسوريا وبلجيكا وكندا (فيلمان) وفرنسا والولايات المتحدة والمكسيك والصين والأرجنتين والبرتغال والدنمارك.

فيلم من سوريا

الفيلم السوري في المسابقة هو فيلم “إغماء” للمخرجة ساره فتحي، وهو فيلم وثائقي أو غير خيالي، يصور مأساة العيش وقت الحرب في مدينة دمشق من خلال متابعة ما يحدث لثلاثة نساء داخل منزل يتعرض للقصف، وكيفية تعايشهن مع الحالة.

ومن الدنمارك يعرض فيلم “المثالي” للمخرجة كريستينا روزنتال وهو يستند إلى حادثة حقيقية وقعت في غرينلاند عام 1968 عندما سقطت طائرة قاذفة أمريكية ثقيلة من طراز ب 52 كانت تحمل رءوسا نووية وتحطمت في جرينلاند، وتكتمت السلطات الأمريكية والدنماركية الأمر، ولكن بعد 18 عاما توصل صحفي شغوف بالبحث والتحري إلى موقع سقوط الطائرة. وأصبح على يقين من أن هناك عملية تعمية على الأمر قد حدثت.

من الفيلم الدنماركي “المثالي”

ومن الأرجنتين يعرض الفيلم الذي تجول بين مهرجانات عدة هذا العام آخرها مهرجان القاهرة، وهو فيلم “باولينا” (حسب النطق الصحيح في الفيلم وليس بولينا) وهو عمل درامي قوي للمخرج سانتياجو ميتر عن فيلم أرجنتيني قديم هو فيلم “العصابة” من عام 1980، ويدور حوب امرأة تقرر هجر حياة المدينة ومهنتها المرتقبة كقاضية لتعمل في مدرسة بالريف في أقاصي البلاد حيث تتعرض للاغتصاب لكنها تصر على رفض معاقبة المذنب.

في قسم “أمواج” يعرض الفيلم الوثائقي القصير “تشوكس” CHOQUES  وهي كلمة تستخدمها الشرطة البرازيلية والفيلم يقارن- بصريا- بين أحداث العنف التي سبقت دورة كأس العالم في كرة القدم التي أقيمت في البرازيل عام 2014، وبين فرحة الشارع في قطر بعد إعلان اسم قطر كدولة منظمة لبطولة كأس العالم عام 2022 والفيلم من اخراج صوفيا الماريا، وهي كاتبة قطرية تقيم حاليا في لندن، وكانت قد اصدرت كتاب “الفتاة التي سقطت إلى الأرض” باللغة العربية عن دار بلومسبيري في قطر، ثم حصلت على الزمالة من معهد صندانس، وصورت بعض أفلام الفيديو.

خارج المسابقات يعرض المهرجان ثلاثية المخرج البرتغالي ميجيل جوميز “ألف ليلة وليلة” التي تصور عبر أجزائها الثلاثة، مأزق الأزمة الاقتصادية العالمية وانعاكاساتها على البرتغال في أسلوب يمزج بين الخيالي والواقعي، والتسجيلي والروائي، والتمثيلي، والوثائقي.

من العالم العربي

ومن الأفلام العربية يعرض الفيلم الوثائقي الجزائري “في رأسي دوار” للمخرج حسن فرحاني وهو يصور عالم الجزارة في الجزائر العاصمة ويناقش مفهوم الذبح الحلال وما إذا كان المسؤولون يلتزمون بالقواعد المحددة من ناحية الشريعة في هذا المجال. وكان الفيلم قد فاز بجائزة رئيسية في مهرجان مارسيليا.

من الفيلم الجزائري الفرنسي “بلا سينما”

ويعرض كذلك الفيلم الفلسطيني “ياطير الطاير” للمخرج هاني أبو اسعد وهو فيلم تسجيلي عن المغني الشاب الفلسطيني محمد عساف الذي أصبح شهيرا بعد فوزه في البرنامج التليفزيوني “المواهب العربية الجديدة” في الغناء.

ويعر أيضا الفيلم الذي أخرجه المخرج الفلسطيني كمال الجعفري بعنوان “في الداخل” وهو من الإنتاج الألماني.

ومن صربيا يعرض الفيلم الوثائقي الذي يسلط الأضواء على قضية اللاجئين وهو بعنوان “عبدول وحمزة” ويدور حول طفلين من المهاجرين الصوماليين كانا مختبئين في منزل مهجور بقرية جبلية قرب الحدود الصربية الرومانية.

وعن المهاجرين الأفارقة أيضا يعرض فيلم “اعرض هذا على العالم كله” للمخرجة الإيطالية أندريا ديغلو، وهو يصور كيف ردت السلطات الفرنسية عددا من اللاجئين الأفارقة ومنعتهم من عبور حدودها فاتخذوا طريقا عبر الجبال حيث تابعتهم الكاميرا لتروي للعالم مصاعب الرحلة الشاقة المحفوفة بالمخاطر.

وفي هذا القسم أيضا الفيلم الفرنسي “بلا سينما” (82 دقيقة) للمخرج الجزائري الأصل الأمين عمار خوجة وقد صوره مخرجه في وسط الجزائر العاصمة حيث كان يوقف المارة ويسألهم عن رأيهم في السينما.

ومن فرنسا أيضا يعرض في نفس القسم الفيلم التسجيلي الطويل “أنا الشعب” للمخرجة أنا روسيللون، وقد صورته في مصر وتقول إنها التقت عام 2009 برجل في الصعيد المصري على بعد 700 كم من القاهرة يدعى فرج، كان مصابا بطلق نادي في كتفه، وأقامت معه صداقة، ثم عاد بعد اندلاع ثورة يناير 2011 الى نفس القرية لكي ترصد رد فعل سكانها وأولهم فرج نفسه على الأحداث الدائرة على الساحة السياسية.

في جعبة مهرجان تورينو الكثير من الأفلام، التي ستدور حولها مناقشات ساخنة داخل قاعات العرض الأنيقة الموزعة توزيعا جيدا على مناطق المدينة التي تتميز بأجوائها الثقافية رغم كونها المدينة الصناعية الأولى في إيطاليا.

Visited 17 times, 1 visit(s) today