“فيلا توما”.. فلسطين بين الهوى والهويّة!
كتب الناقد الفني طارق الشناوي في جريدة “التحرير” المصرية بتاريه 7 سبتمبر الجاري ينتقد فكرة عرض فيلم “فيلا توما” اخراج الفلسطينية سهى عراف، في افتتاح مهرجان الاسكندرية السينمائي، بل ويطالب بمنع عرض مثل هذه الأفلام التي تنتج في الداخل أي في اسرائيل وتشارك فيها أموال اسرائيلية. والكم نص المقال:
لا أستطيع سوى أن أؤكد تعاطفى مع المخرجة سها عرفات التى تُصرّ على أن تعلن فى كل مكان «أنا فلسطينية وفيلمى فلسطينى»، وكان “فيلا توما” قد عرض فى قسم «أسبوع النقاد» بمهرجان فينسيا قبل عشرة أيام، أكدت المخرجة فى حوار لها ونشره موقع الوكالة الفرنسية أجرته الزميلة هدى إبراهيم، أنها تلقت دعوة رسمية من مهرجان الإسكندرية السينمائى، والفيلم سيعرض فى افتتاح المهرجان الأربعاء القادم -حتى الآن لم يُصدَر بيان رسمى من المهرجان لتوضيح الأمر- لكن فى كل الأحوال الحد الأدنى أن هناك اتصالات جرت لعرض الفيلم.
المخرجة تقول إن الفيلم يحصل على جنسيته من مخرجته، وهو قول سديد بالطبع، لكنها تحمل الجنسية الإسرائيلية، فهى ممن دأبنا على أن نصفهم بـ«عرب فلسطين»، بينما إسرائيل تُطلق عليهم «عرب إسرائيل»، وأغلبهم يفضلون الانتساب إلى فلسطين مثل ميشيل خليفى وإسكندر قبطى وإيليا سليمان وغيرهم، ولن نصبح جلادين ونوجه إليهم قهرًا عربيًّا، وهم فى الأساس مقهورون فى إسرائيل، ويحملون جواز سفر إسرائيليا، لأنهم لا يملكون شيئا آخر حيال ذلك، فلقد ظلوا صامدين متمسكين بأرضهم بعد نكبة 48.
الفيلم قالت مخرجته إنها حرصت فى «التترات» أن تمحو تمامًا جنسيته الإسرائيلية رغم حصولها على تمويل من مركز دعم الفيلم الإسرائيلى، المعروف أن قسطًا من الأفلام التى تحصل على الدعم الإسرائيلى تناصر العرب، وأن عددًا منها يشارك فى إخراجه إسرائيليون أيضا مع مخرجين فلسطينيين مثل إسكندر قبطى، الذى أعلن عندما وصل فيلمه «عجمى» وقبله «عطش»، إلى القائمة القصيرة فى الأوسكار، أن فيلمه فلسطينى، إلا أن المهرجانات العربية كلها لم تجرؤ على عرضه التزامًا بقرار الجمعية العمومية للنقابات الفنية واتحاد الفنانين العرب.
لا أحد يزايد على أحد فى المشاعر الوطنية، وليس بيننا من يدعى لنفسه أنه ترمومتر الوطن، لكن مثل هذه القرارات لا تتخذ انفراديا، أشرتُ أمس بالصدفة إلى أن كل المهرجانات العربية رفضت عرض فيلم «خمس كاميرات محطمة» أخرجه الفلسطينى عماد برناط والإسرائيلى جاى دافيدى، ووصل قبل ثلاثة أعوام إلى القائمة القصيرة فى الأوسكار، ولم يعرضه سوى مهرجان «الرباط»، وهو بالطبع خروج عن الإجماع العربى.
ما الخطورة فى فتح الباب للاجتهاد فى هذا الشأن؟ أراه يؤدى إلى بداية للانقسام بين المثقفين والسينمائيين العرب، الأمر ملتبس وحساس عندما نتناول المحتوى لا الشكل.
هل تتذكرون فيلم «زيارة الفرقة» الإسرائيلى الذى عرضته إسرائيل على مهرجانى «القاهرة» و«أبو ظبى» فى أول دورة له عام 2007، أحداث الفيلم تتعاطف مع الشخصية العربية والمصرية تحديدا، ولا هدف له سوى تفعيل السلام بين مصر وإسرائيل، وينتهى بعناق بين العلمين وموسيقى لسيد درويش ويتخلل الفيلم توضيح كيف أن الإسرائيليين يعشقون كل ما هو مصرى. كان مهرجان «أبو ظبى» مثل «القاهرة» أيضا قد رفض الفيلم، لكن فى البروتوكول العالمى ليس من حق المهرجان أدبيًّا أن يعلن عن الأفلام المستبعدة، ولكن أمام تسريب شائعات بمشاركة الفيلم اضطر مهرجان «أبو ظبى» إلى إعلان الرفض.
أخشى من الانقسام لأن المحتوى الذى تُقدمه هذه الأفلام فى العلاقة بين العرب والإسرائيليين يخضع للتقييم الشخصى، وهو ما يفتح الباب للاجتهادات، وتبدأ بعدها التراشقات. مهرجان الإسكندرية سيعرض فى الافتتاح فيلما فرنسيًّا هذا هو الخبر الجيد والأكيد، لكن الباب لا يزال مواربًا بخصوص «فيلا توما»، وينتظر بيان من مهرجان الإسكندرية، فلا أتصور أن المخرجة سها عرفات تدعى أشياء لم تحدث إلا فى خيالها!