“ضوء القمر” يهزم “لا لا لاند” ويقتنص جائزة أحسن فيلم
تمكن فيلم “ضوء القمر” Moonlight من التفوق على الأفلام الأخرى الأربعة المرشحة لجائزة أحسن فيلم في مسابقة الأوسكار واقتنص الجائزة من الفيلم المرسيقى الذي ظل الأكثر ترشيحا للفوز بالجائزة وهو فيلم “لا لا لاند”. ورشح الفيلم للحصول على 14 جائزة أوسكار وفاز في النهاية بست جوائز من بينها جائزة أحسن ممثلة وأحسن موسيقى وتنسيق مناظر وأفضل أغنية أصلية، وأصبح مخرجه داميان تشازيل أصغر مخرج يحصل على جائزة أفضل مخرج إذ يبلغ من العمر 32 عاما.
أما “ضوء القمر” وهو من اخراج المخرج الأميركي من أصل أفريقي باري جنكنز (37 سنة)، فقد حصل بالإضافة إلى الجائزة الاولى لأحسن فيلم، على جائزة أحسن سيناريو معد عن أصل أدبي. ويصور الفيلم ببراعة ومن خلال أسلوب يتميز بالحساسية والرقة، وبواسطة تصوير بليغ، قصة صبي أمريكي أسود ينشأ في مجتمع يتميز بالعنف ويعاني من الوحدة الشديدة بسبب غياب والده الذي لا يره، وادمان والدته المخدرات وانغماسها في امتهان الدعارة وإهمالها له، ويحاول الفتى أن يثبت وجوده في مجتمع ذكوري خشن، ثم يكتشف أن لديه ميولا جنسية مثلية، يحاول اخفاءها لكنه يعود ليكشف عنها ويتعايش معها بعد أن يصبح شابا. ويتميز الفيلم بتصوير المشاعر الخفية دون مباشرة، ويبني المخرج فيلمه عبر مراحل مختلفة في حياة بطله الصغير “شورين”، ويعتبر الفيلم أيضا تعليقا بليغا على مجتمع الحرمان والفقر والتهميش الذي تعيش فيه الأقلية السوداء في الولايات المتحدة. وكان الفيلم قد رشح أيضا لجائزة أحسن تصوير سينمائي لكن الجائزة ذهبت لمصور فيلم “لا لا لاند”، وخرج فيلم “سمت” لمارتن سكورسيزي من المولد بلا حمص كما يقال!
ولاشك أن “صمت” من الأفلام التي ظلمت كثيرا، سواء في ترشيحات الأوسكار أو جوائزه، فهو رغم أي ملاحظات يمكن أن نأخذها عليه، من أفضل ما شاهدناه من أفلام أميركية خلال العام المنصرم، ولسبب ما تم اغفاله في العديد من الترشيحات.
الخطأ الكارثي
تسبب خطأ وقع أثناء اعلان جائزة أحسن فيلم في لغط وارتباك عندما أعلنت الممثلة فاي دوناواي أمام زميلها وورين بيتي الذي ناولها مظروف اعلان الجائزة (وهما بطلا الفيلم الشهير “بوني وكلايد” من عام 1967) فوز الفيلم الموسيقي الرومانسي “لا لا لاند” بالجائزة، وعلى الفور صعد فريق الفيلم إلى خشبة المسرح لإلقاء كلمات قبول الجائزة وفجأة قال وورين بيتي إنه أُعطي المظروف الخطأ إلى زميلته.
وهذه هي المرة الأولى في تاريخ مسابقة الأوسكار التي يقع فيها مثل هذا الخطأ الفادح الذي اقتضى الكثير من الاعتذار والشروح بل وصدور بيان رسمي عن شركة برايس ووترهاوس كوبر التي تشرف على عملية الاقتراع على الجوائز عن الخطأ قالت فيه إن النجمين اللذين أعلنا اسم الفيلم الفائز أُعطيا بطريق الخطأ المظروف الخطأ.وأضافت في بيان “نحقق حاليا لمعرفة كيف حدث ذلك ونأسف لهذا الأمر بشدة.” وقدمت اعتذارها في البيان لمجموعة عمل فيلمي “ضوء القمر” و”لا لا لاند” والنجمين وارن بيتي وفاي دوناواي ومتابعي حفل الأوسكار.
وحاول بيتي الممثل والمخرج المخضرم شرح ما حدث قائلا “أريد أن أقول لكم ماذا حدث. فتحت المظروف وكان مكتوبا فيه ‘إيما ستون.. “لا لا لاند”، وأضاف مطلقا ضحكة عصبية “لهذا نظرت طويلا إلى فاي ولكم. لم أكن أحاول أن أكون ظريفا”. وكانت دوناواي هي التي أعلنت فوز فيلم “لا لا لاند” بطريق الخطأ. وقد أعلنت قائلة “أعتقد أن الجميع في حالة ارتباك… وفرحين أيضا من أجل (ضوء القمر)” الذي قالت إنه “من أفضل الأفلام على الإطلاق”.
تصحيح الوضع
ولاشك أن فوز “ضوء القمر” بالجائزة المرموقة جاء استجابة لما وجه في العام الماضي من انتقادات شديدة إلى الأكاديمية الأمريكية لعلوم وفنون السينما التي تمنح جوائز الأوسكار، بسبب تهميش السينمائيين والممثلين السود (من أصول افريقية). وقد انعكس ما وقع من تغير في توجهات التصويت من جانب أعضاء الأكاديمية (يبلغ عددهم أكثر من ستة آلاف عضو) على جوائز أخرى مثل جائزة أحسن ممثلة ثانوية وجائزة أحسن ممثل ثانوي، فقد ذهبت الأولى إلى الممثلة فيولا ديفيز والثانية إلى الممثل ماهرشالا عن دوريهما في فيلمي “حواجز” و”ضوء القمر” وكلاهما من الأفلام التي تدور في محيط مجتمع الأميركيين الأفارقة.
أحسن ممثلة
أما جائزة أحسن ممثلة فقد ذهبت إلى إيما ستون عن دورها في “لا لا لاند” متفوقة بذلك على الفرنسية ايزابيل أوبير (هي)، وروث نيغا (لوفنغ)، وناتالي بورتمان (جاكي)، و”ميريل ستريب” (فلورانس فوستر جنكنز). وفي رأي كاتب هذه السطور أن الجائزة مستحقة، رغم صعوبة التحكيم في هذه الحالة بسبب تفوق الأداء في كل الأفلام المرشحية، ولكن أداء ميريل ستريب كان يميل للنمطية ربما بسبب ضعف بناء ملامح الشخصية في الفيلم، ولم يعجبني أصلا أداء بورتمان في “جاكي” التي كانت تحاول محاكاة الشخصية الأساسية أي جاكلين جنيدي خاصة وأننا كنا نستمع على شريط الصوت لى الصوت الأصلي لكنيدي وكانت بورتمان ترحك شفتيها وجسدها بطريقة بدت مصطنعة كثيرا بالإضافة الى أن الفيلم نفسه لم يكن جذابا، لا في طريقة سرده ولا في تسليطه الأضواء على فترة من أكثر الفترات سخونة في التاريخ الأميركي الحديث. أما ايزابيل أوبير فتميزت في فيلم “هي” الكوميدي لبول فيرهوفن، لكن الواضح أن الأداء بالفرنسية لم يكن مما أثار اعجاب المصوتين للأوسكار. أما نيغا في “لوفينغ” فقد اجتهدت كثيرا بالطبع وتفوقت في الدور وكانت في رأيي المنافس الثاني لإيما ستون.
أحسن ممثل
حصل كيسي أفليك على جائزة أفضل ممثل عن فيلم “مانشستر من البحر”وهي المرة الأولى التي يحصل فيها على جائزة أوسكار وقال “أتمنى لو كان لدي كلمات أفضل لأقولها …أنا مذهول فحسب أنني من بين الفائزين.”وتمكن أفليك من الحصول على الأوسكار على الرغم من أن موسم الجوائز شهد تجدد الحديث عن مزاعم تحرش جنسي ضده بدأت في 2010. ونفى أفليك المزاعم التي تم تسويتها خارج المحكمة.وكانت مزاعم مماثلة قد تسببت في استبعاد نات باركر بطل ومخرج الفيلم البديع “مولد امة” من سباق الأوسكار.
داميان تشازيل أصغر مخرج يحصل على جائزة احسن اخراج
وإلى جانب جائزة أحسن ممثل التي فاز بها “مانشستر من البحر” حصل الفيلم أيضا على جائزة أحسن سيناريو مباشر.
التهكم السياسي
من المظاهر الملحوظة هذا العام تحول حفل إعلان جوائز الأوسكار إلى مظاهرة صاخبة مليئة بالتهكم والسخرية من سياسة الرئيس دونالد ترامب العنصرية، خاصة مع وجود عدد كبير من السينمائيين والممثلين المرشحين من الأفارقة الأميركيين (السود) بأفلام متميزة. فقد اتخذ مقدم الحفل الإعلامي والممثل جيمي كيمل من ترامب مادة للسخرية في الحفل وراح يتهكم على اضطراب المشهد السياسي في الولايات المتحدة والعالم منذ وصول ترامب نجم تلفزيون الواقع السابق إلى البيت الأبيض.
وفي وقت لاحق من الحفل بدا كيمل وكأنه يرسل تغريدة إلى الرئيس تقول “يادونالد ترامب الحقيقي. هل أنت مستيقظ؟ ميريل تقول ترسل لك التحية”.. في إشارة إلى النجمة ميريل ستريب التي سبق أن وجهت نقدا عنيفا لسياسة ترامب من فوق خشبة المسرح في حفل جوائز جولدن جلوب خلال يناير الماضي، مما دفع ترامب إلى إطلاق تغريدة غاضبة على تويتر وصفها فيها بأنها “واحدة من أكثر الممثلات المبالغ في تقديرهن في هوليوود”.
وقال كيمل- ساخرا- وهو يقدم ميريل ستريب (التي لم تفز بالجائزة التي رشحت لها) “من أعمالها الأولى متوسطة المستوى في “صائد الغزلان” و”الخروج من أفريقيا” إلى أدائها المخيب في “كريمر ضد كريمر” و”اختيار صوفي” قدمت ميريل ستريت أكثر من 50 فيلما بلا اكتراث على مدار مسيرتها الفنية الباهتة.”وأشار إلى أنها مرشحة للفوز بجائزة الأوسكار للمرة العشرين في حياتها الفنية كأفضل ممثلة عن فيلم “فلورنس فوستر جنكينز” قبل أن يطلب منها أن تقف وينحني لها احتراما وسط تصفيق حاد من جمهور الحاضرين وقوفا.وقال “أقدم لكم جميعا ميريل ستريب المبالغ جدا في تقديرها“.
من ناحية أخرى انتقد الممثل المكسيكي جيل جارسيا بيرنال الذي قدم جائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة خطة ترامب لبناء جدار على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.وقال “بصفتي مكسيكيا ومن أمريكا اللاتينية وكأحد العمال المهاجرين وكإنسان أنا ضد أي شكل من أشكال الجدران التي تهدف إلى الفصل بيننا“.
وارتدت مجموعة من النجوم شريطا صغيرا أزرق اللون على ملابسهم دعما لاتحاد الحريات المدنية الأمريكية الذي يعمل على وقف الحظر الذي فرضه ترامب على سفر مواطني سبع دول تقطنها أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة.
احتجاج فرهادي
من أهم جوائز هذا العام جائزة أحشن فيلم أجنبي التي تنافس عليها خمسة أفلام من السويد والمانيا والدنمارك واستراليا وإيران. وفاز بها عن جدارة واستحقاق الفيلم الإيراني “البائع” للمخرج أصغر فرهادي، وكان هذا الفيلم من أفضل ما رض في مسابقة مهرجان كان السينمائي 2016، وفاز بجائزتين لم تكن من بينهما السعفة الذهبية لأحسن فيلم، وهو ما بدا للبعض مخيبا للآمال. ويتناول الفيلم موضوعا دراميا مركبا يعتبر من زاوية ما، تعليقا على الوضع الاجتماعي العام في إيران اليوم. وهو موضوع يرتبط بمفهوم الثأر والشرف.
وعندما رشح فيلم فرهادي للأوسكار أعلن المخرج الإيراني مقاطعته للحفل بسبب حظر السفر الذي يفرضه ترامب على مواكني ايران وبلدان أخرى في الشرق الأوسط.زفي شكل احتجاجي يذكرنا بما فعله مارلون براندو عام 1973 عندما أرسل فتاة ممن يسمى بالهنود الخمر لإلقاء كلمته أمام حفل الأوسطار، اختار فرهادي إيرانيين أمريكيين أحدهما مهندسة والآخر عالم سابق في إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) لتمثيله في الحفل. وقرأت المهندسة أنوشه أنصاري وهي أول رائدة فضاء بيانا بالنيابة عن فرهادي.ونقلت عن فرهادي قوله “ينبع غيابي من احترام شعب بلدي وشعوب الدول الست الأخرى التي لم يحترمها قانون غير إنساني يحظر دخول المهاجرين إلى الولايات المتحدة. إن تقسيم العالم إلى ‘نحن‘ و‘أعدائنا‘ يخلق الخوف ويمثل تبريرا خادعا للعدوان والحرب.”لكن فرهادي لم يصل في احتجاجه بالطبع إلى رفض الجائزة كما فعل براندو.
جدير بالكر أن هذه هي المرة الثانية التي يفوز فيلم لفرهادي بالأوسكار فد سبق أن فاز فيلمه “انفصال” عام 2011 بالجائزة نفسها.
وفاز فيلم “زوتوبيا” بجائزة أفضل فيلم رسوم متحركة. وحقق الفيلم الذي أنتجته شركة ديزني نجاحا كبيرا في شباك التذاكر وحصد إيرادات تربو على مليار دولار في جميع أنحاء العالم.
وفاز الفيلم السوري “الخوذ البيضاء“ بجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير. وتعرف منظمة الدفاع المدني السورية باسم (الخوذ البيضاء) وتعمل في مناطق تسيطر عليها المعارضة في سوريا. ويقدم الفيلم لمحة عن الحياة اليومية للمتطوعين في الخدمة.
أما جائزة أحسن فيلم تسجيلي طويل فذهبت إلى الخماسية التليفزيونية البديعة “جيه أوه سمبسون: صنع في أميركا”.