شريف عرفة.. “الكنز” لا يَليقُ بك

استحدث قاموس المصطلحات السينمائية مصطلح “فيلم العيد” الذي يُعرض في موسمي الفطر والأضحى، والذي ينتظره الجمهور، ويتفرغ صُنّاعه فترة طويلة لإنتاج عمل ضخم وممُيز؛ ولكن في السنوات الأخيرة تعرّضَ الجمهور إلى الإحباط جراء متابعته لأعمال مخُيبة للآمال ومخالفة للتوقعات في هذا الموسم؛ وبدلاً من أن يتلقى المشاهد عمل يختلف عما يملأ دور العرض طوال السنة، تلقى أعمالاً تمتليء بالعنف والدماء والعشوائيات، مع حرص المنتجين على الإبقاء على ثنائي الراقصة والبلطجي -كتيمة محفوظة في معظم الأعمال- لتصير “أفلام الأعياد” هي تلك الخفيفة إنتاجًا وجودة.

بمشاهدة التريللر/ الفيديو الدعائي لفيلم “الكنز”، تأكد جمهور السينما أن المخرج شريف عرفة يخوض موسم العيد هذا العام بأحدث أفلامه، ليستبشر جمهوره خيرًا، بعد أن عاصر اعماله الشهيرة منذ “الأقزام قادمون” و”اللعب مع الكبار”، مرورًا بأفلام “طيور الظلام” و”المنسي” و”الإرهاب والكباب”، إلى “الجزيرة” بجزئيه. ولكن جاء فيلم “الكنز” محُمّلاً بخيبات الأمل غير المتوقعة، حيث تولى عرفة الرؤية السينمائية لقصة عبد الرحيم كمال، إلى جانب الإخراج السينمائي، مما يُحمّله مسئولية الفيلم بكافة عناصره.

يدور الفيلم في ثلاثة خطوط درامية، تحمل كل منها حكاية في زمن مختلف، ولا تعتمد على الحقائق التاريخية  المتعارف عليها في المصادر الموثقة -والتي نوه عنها تتر المقدمة- وتفتح أبوابها حكاية تدور في الأقصر عام 1975، تبدأ بعودة حسن بشر الكتاتني/ أحمد حاتم من إحدى الدول الأوروبية، حيث يدرس علم المصريات بناء على وصية والده اللواء بشر الكتاتني/ محمد سعد الذي تم اغتياله عن طريق تفجير سيارته، لينجو حسن الصغير ويتولى عمه مصطفي الكتاتني/هيثم زكي عملية تهريبه خارج البلاد في المشاهد الأولى من الفيلم؛ يقرر حسن بيع منزل العائلة بغرض العودة إلى أوروبا؛ ويواجه مفاجأة يحملها له رئيس الخدم النوبي قادم/ محمد السني، والمتمثلة في بعض المخطوطات القديمة والنادرة، والتي من شأنها المساعدة في تفتُح الحقائق أمام عينه. عند هذه النقطة -وفي أثناء قراءة حسن للمخطوطات- يطلب قادم منه مشاهدة شرائط أفلام مسجلة لوالده قبيل وفاته، ليبدأ الخط الدرامي الرئيس في التشعب لعدة خيوط أخرى، لتتوازى القصص مختلفة الأزمنة.

تنقسم الخطوط الدرامية إلى رئيسية تدور حول حسن بشر وفيديو والده الذي يحكى من خلاله حكاية تدور في أربعينيات القرن الماضي عن اللواء المجتهد في عمله وكيفية اغتياله؛ وخط ثان من خلال قراءة حسن للبرديات الفرعونية عن تاريخ حكم الملكة حتشبسوت/هند صبري، والخط الذي يروي قصة علي الزئبق/ محمد رمضان.

تتشابك الخطوط المتعددة، والتي لا يتحكم السيناريو في التوازن الزمنى بينها، لتجد أن إحدى القصص تأخذ مساحة من الوقت كافية لأن ينسى المُشاهد الحكايات الأخرى، ومن ثم يعود لإبراز ماتناساه، مما يدل على افتقاد السيناريو لحبكة تلك الخطوط بإحكام، والتي تعد المشاهدين في البداية أنها محكمة، وتدور حول الآباء والأبناء في ظل ظروف الحكم القاسية، التي تحُتِم على الحكام الانصياع إلى الكهنة في سبيل الطغيان والسلطة، على عكس الأبناء الرافضين لذلك.

حتشبسوت: تقوم هند صبري بدور الملكة، بأداء مفتعل وغريب بالنسبة لها، من خلال تقلدها دور الانثي التي تواجه التعنت الذكوري فيتم اجبارها على الزواج من شققها غير الشرعي تحتمس الثاني/ رمزي لينر ليكون الواجهة التي تتحكم حتشبسوت في مصائرها، إلى جانب الأداء الإسلامي لكهنة المعبد، والذي يظهر من خلال الأدعية والصلوات، فتجد الكاهن أني/عبد العزيز مخيون يدعو للحاكم بلفظ “اللهم” على عكس الكهنة الآخرين، الذين يتحدثون بلهجة محلية تمُاثل لهجات المناطق العشوائية؛ أما عن الكاهن الأكبر/ محي إسماعيل فيؤدى دورًا مسرحيًا متفوهًا ببعض الجمل غير المنطقية -والتي يُطلق عليها جمل حوارية مبهمة- كي تُضفي عليه بعض الغموض غير المُقنع؛ تتشابك شخصيات العامة مع الملوك من خلال المهندس سمنوت/هاني عادل الذي تُعطيه الملكة قطعة هائلة من الأرض لبناء معابد لها، فقط لتحقيق حلمه بعد أن وقعت في حبه من النظرة الأولى عبر حوار ركيك لا يكفي لأن تتعلق الملكة بأحد العوام بمثل هذه السرعة.

علي الزئبق: تدور القصة في فترة حكم المماليك، حيث تؤدي فاطمة/ سوسن بدر دور والدة علي الشاب اليافع القوي الذي يحاول الوصول إلى قائد الشرطة للثأر منه، ليقتطع السيناريو هذا الجزء الهزيل من ملحمة الزئبق، متناسيًا أن الرجل قد عانى في نضال مرير للقضاء على الظلم الواقع على أهل القاهرة؛ بينما يقع في حب زينب/روبى ابنة الكلبي، فيما يطغى على حواره السجع والقافية ممزوجًا بشخصية رمضان المعروفة وقفشات ونكات أدواره السابقة. لم تحصل روبي على مساحة الأداء المناسب لموهبتها، بل بدت خجولة بعض الشئ وتبتلع انفعالها أغلب الأوقات.

فترة بشر الكتاتني: لا نعلم لماذا اعتقد الجمهور أن تغير ما سيطرأ على محمد سعد وإمكانية تخليه عن “اللمبي” الذي يعيش بداخله؟ استطاع سعد أداء دور لواء الشرطة القاس الذي أمر بحبس شقيقه الأصغر، اللواء المجتهد الذي تسعى لاغتياله جماعة الإخوان، ويحقق مع السادات شابًا في أحد مشاهد الفيلم، لكن السؤال لماذا حاول الممثل الذي أدى دور السادات تقليد لكنته الشهيرة بهذا الابتذال؟ ولماذا يتم سجنه كمعتقلل سياسي في الزنزانة ذاتها مع مدمن محبوس في قضة تعاطي؟ ولماذا ينضم إليهما الرجل ذو الأوجه المتعددة الشيخ على الله/عبد العزيز مخيون أيضًا؟.

يجب الإشارة إلى أحد أهم نقاط التقصير في عمل مُكلّفِ إلى هذا الحد، الملابس والاكسسوارات لا تليق بأن يرتديها فراعين يمتلكون من الذوق الرفيع أقصاه؛ بالإضافة إلى عدة مشاهد اكشن رخيصة وبطيئة الحركة، حيث  تتولى عصى من الكرتون المقوى دور البطولة في أدوات القتال؛ فضلاً عن تصميم الرقصات المرتبكة -التي تؤديها حفنة من غير الخبيرات في الرقص الإيقاعي- ربما خفف من وطئها مونولوج أحمد أمين، الذي رسم ضحكة وسط ما فعلته الراقصات في قصة اللواء بشر، وأداء محمد رمضان القتالي الذي يلجأ إلى التعلق بعروق المباني الخشبية في حركة صبيانية، ومن ثم ينصرف الحراس راغبي القبض عليه وكأن لا حيلة لهم فلا يستطيعون الامساك به!

أمر أخير يجب التساؤل عنه.. لماذا لجأ صناع الفيلم للاستعانة بالشحات مبروك في دور عمر مساعد راس الغول والد علي في هذه السن، الشحات مبروك ليه!

Visited 44 times, 1 visit(s) today