سمير فريد عن جوائز فينيسيا: محكمون صغار لفنانين كبار !

أعلنت، مساء أمس الأول، جوائز مهرجان فينسيا السينمائى الدولى 72، وجاءت الجوائز الثمانى متكاملة، ولكن فى إهدار القيمة الفنية، وأثبت أعضاء اللجنة أنهم محكمون صغار لفنانين كبار، وذلك بتجاهل التحف التى شهدتها المسابقة، وتجاهل الأداء الرفيع لبعض من عظماء الممثلين والممثلات.

فاز الفيلم الفنزويلى «من هناك» إخراج لورينزو فيجاس بالأسد الذهبى لأحسن فيلم، والفيلم الأرجنتينى «الجماعة» إخراج بابلو ترابيرو بالأسد الفضى لأحسن إخراج، والفيلم الأمريكى التشكيلى «غير المألوف» إخراج شارلى كوفمان ودوكى جونسون بجائزة لجنة التحكيم الكبرى، والفيلم التركى «نزوة» إخراج إيمين ألبير بجائزة لجنة التحكيم الخاصة.

وفاز الفيلم الفرنسى «الفراء الأبيض» إخراج وسيناريو كرستيان فينسنت بجائزة أحسن سيناريو وأحسن ممثل (فابريك لو شينى)، والفيلم الإيطالى «من أجل حبك» إخراج جوزيبى م. جودينو بجائزة أحسن ممثلة (فاليريا جولينو)، والفيلم الأمريكى «وحوش بلا هوية» إخراج كارى فوكوناجا بجائزة مارشيليو ماسترويانى لأحسن ممثل أو ممثلة من الشباب (إبراهام آتا).

تجاهل التحف

ذكرنا فى رسالة المهرجان أمس الأول قبل إعلان الجوائز أن قرارات لجنة التحكيم ربما تأتى مخالفة لكل التوقعات، وهذا ما حدث بالفعل، ولكن ليس إلى درجة التجاهل التام لكل التحف التى شهدتها المسابقة، وهى بالترتيب الفيلم البولندى «11 دقيقة» إخراج ييرجيسكو ليموفسكى، والفيلم الروسى «فرانكوفونيا» إخراج ألكسندر سوكوروف، والفيلم الإيطالى «الانتظار» إخراج بييرو ماسينا، والفيلم الإسرائيلى «آخر أيام رابين» إخراج آموس جيتاى. وقد اعتبرنا الفيلم الأرجنتينى «الجماعة» الذى فاز بجائزة أحسن إخراج الفيلم الخامس فى قائمة أحسن خمسة أفلام، ولكن إخراج الفيلم لا يثبت لمجرد المقارنة مع إخراج فيلم «11 دقيقة».

شهدت المسابقة عرض 21 فيلماً، وصدر أمس الأول مع إعلان قرارات لجنة التحكيم الإحصاء الشامل لاستفتاءات النقاد (عشرة من إيطاليا وعشرة من خارج إيطاليا)، وجاء ترتيب الفيلم الفائز بالأسد الذهبى رقم 17، والفيلم الفائز بالأسد الفضى رقم 10، والفيلم الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة رقم 15، والفيلم الفائز بجائزة أحسن سيناريو وأحسن ممثل رقم 8، والفيلم الفائز بجائزة مارشيليو ماسترويانى رقم 11.

والفيلم الوحيد الذى فاز وجاء فى المرتبة الرابعة فى الإحصاء الشامل للنقاد الفيلم الأمريكى «غير المألوف». وعدم تقدير كاتب هذه السطور للفيلم يرجع إلى أنه فيلم تشكيلى تجسيدى، أى يرسم الشخصيات والأحداث على نحو واقعى بحيث يفقد جوهر لغة الأفلام التشكيلية (التحريك) التى تقوم على تجاوز الواقع وإطلاق الخيال من غير حدود. وليس هناك تبرير درامى لاستخدام لغة تلك الأفلام، أو لماذا لا يروى قصته كفيلم روائى يقوم بتمثيله ممثلون وممثلات.

جوائز جغرافية

كل الأفلام الفائزة فى مهرجان فينسيا 2015 من أفلام السينما السائدة التى تنتج كل يوم فى كل بلاد الدنيا. ولا يؤخذ على أى مسابقة أن تعرض الجيد من هذه الأفلام، ولكن يؤخذ على أى لجنة تحكيم أن تفوز بالجوائز على حساب الأفلام التى تعبر عن رؤى فكرية عميقة بأساليب خاصة مميزة، فهذا إهدار للقيمة الفنية.

جاءت الجوائز «جغرافية»، وليست فنية: جائزتان للسينما الأمريكية، وجائزتان للسينما الفرنسية، وجائزتان لسينما أمريكا اللاتينية، وجائزة للسينما الإيطالية التى كان من الصعب أن تشترك بأربعة أفلام ولا تفوز فى مهرجان إيطاليا الكبير، وجائزة للسينما الآسيوية ممثلة فى الفيلم التركى الذى كان من المستحيل أن يفوز لولا وجود المخرج التركى نورى بلجى سيلان ضمن أعضاء لجنة التحكيم. أو بصياغة أخرى ثلاث جوائز للسينما الأوروبية، وأربعة لسينما الأمريكيتين، وجائزة لسينما آسيا. وقد جاء الفيلم الصينى التسجيلى «الوحش الأسطورى» إخراج زاو ليانج فى المرتبة الأولى فى الاستفتاء الشامل للنقاد، وكان الأولى أن يفوز من الإنتاج الآسيوى.

عام أمريكا اللاتينية

عندما أعلن عن اختيار المخرج المكسيكى ألفونسو كوارون لرئاسة لجنة تحكيم المهرجان، لم يكن من المتصور أن يؤدى ذلك إلى فوز سينما أمريكا اللاتينية بالأسدين الذهبى والفضى إلا إذا كانا أفضل فيلمين.

وعندما جاء فى مقدمة باولو باراتا رئيس مؤسسة البينالى التى تنظم المهرجان فى كتالوج دورة 2015 إن هذا العام هو «عام أمريكا اللاتينية»، لم يكن من المتصور أن يعنى ذلك أن تفوز بالأسدين!

وقد عبر كوارون الذى جاء من المكسيك ويعمل فى هوليوود، بفوز هذين الفيلمين، عن تصوره لسينما أمريكا اللاتينية، إذ يعتبرا من السينما الهوليوودية، ولا يمثلان خصوصية سينما أمريكا اللاتينية المرتبطة بتاريخها وثقافتها.

والفيلم الفائز بالأسد الذهبى أول فيلم روائى طويل لمخرجه لورينزو فيجاس الذى ولد عام 1967 فى فنزويلا، وتخرج فى كلية الطب عام 1994، وعاش فى نيويورك منذ عام 1995 حيث درس السينما فى «الورش» التى تنظمها جامعة نيويورك، ثم عاد إلى بلاده وعمل فى إخراج الأفلام التسجيلية للتليفزيون، وأخرج فيلماً روائياً قصيراً واحداً عام 2004. وتدور أحداث الفيلم عن رجل مثلى فى منتصف العمر يطارد الشباب فى شوارع العاصمة الفنزويلية كراكاس، ويمكن أن يدور فى أى مكان أو زمان، وبأسلوب واقعى أقرب إلى السطحية، ومن دون أى تميز. أما فيلم الأسد الفضى فيدور أثناء حكم الديكتاتورية العسكرية فى الأرجنتين فى ثمانينيات القرن الميلادى الماضى، ولكنه يفتقد إلى التحليل السياسى، ويتمحور حول رجل مختل يستخدم ابنه لاعب الكرة النجم فى ارتكاب سلسلة جرائم خطف أبناء الأثرياء وطلب فدية للإفراج عنهم!

لا عزاء لفن التمثيل

فاليريا جولينو من أهم الممثلات فى السينما الإيطالية المعاصرة، ولكن أداءها فى فيلم «من أجل حبك» لا يتفوق بأى مقياس على أداء جولييت بينوش فى فيلم «الانتظار» حيث قدمت درساً بليغاً فى فن التمثيل. وكذلك لا يتفوق أداء فابريكلوشينى فى «الفراء الأبيض» على أداء لويس دو دى لانكوسانج فى «فرانكوفونيا». لقد مثل دور مدير متحف اللوفر أثناء الاحتلال النازى لفرنسا، وكان عليه أن يتعاون مع الضابط النازى المسؤول عن المتحف. وانظر إليه يقدم بدوره درساً فى فن التمثيل حيث يرحب بالضابط العدو ويتعاون معه من أجل إنقاذ المتحف، ولكن نظراته إليه وحدها كانت تحمل كل الكراهية والاحتقار.

والصبى إبراهام آتا فى «وحوش بلا هوية» يعبر عن محنة الصبية الذين يجندون فى الحروب، ولكنه لا يمثل دوراً يستحق عليه الفوز بجائزة مارشيلو ماسترويانى، وكان الأولى فوز الممثلة الجديدة ليو دى لاجى التى استطاعت أن تثبت أمام أداء جولييت بينوش فى «الانتظار». ومع قرارات هذه اللجنة لا عزاء لفن التمثيل، وكل فنون السينما، ولا عزاء لمهرجان فينيسيا.

Visited 28 times, 1 visit(s) today