“زنزانة” فيلم عن “الجوكر” الذي يحكم العالم العربي
في فيلمه الروائي الطويل الأول “زنزانة”،بعد الفيلم القصير “الدخيل” يصور المخرج الإماراتي “ماجد الأنصاري” العلاقة المباشرة بين السلطة والفرد المقهور القابع في زنزانة الوطن العربي.
الفيلم كله يدور في زنزانة كئيبة مظلمة إلا من ضوء شمس يتسلل بصعوبة من شباك محاط بالحديد،بين ظابط سادي تظهر علي وجهه علامات إختلال نفسي قام بدوره علي سليمان وبين صالح بكريمدمن كحول متعافي في زمالة المدمنين المجهولين، سترسم هذه التفصيلة لاحقا خط النهاية.
في الزنزانة الممثلون فلسطينيون، سعوديون، إماراتيون، كل يتكلم بلهجته، كرمزية واضحة لزنزانة الوطن العربي المعتمة، الفيلم سيناريو لين سكاي وروكوس سكاي وهما زوجان يعملان في الكتابة والإخراج ويسكنان في أتلانتا ، ومن إنتاج رامي ياسين.
هذا النوع من الأفلام يسمي container film ، فهو يدور في موقع تصوير واحد هو “الزنزانة” التي نفذها مصمم برليني متخصص.
أنسي الحاج: السلطة هي القتل
يهبط الضابط “دبان” من السماء علي قسم الشرطة ، في بلد غير معلوم .. تظهر في بداية الفيلم عبارة تشير إلي أنه سجن في بقعة ما في الوطن العربي الذي تتشابه أقدار مواطنيه بالضرورة، يحتل ” دبان” مكان الضابط “عثمان” الذي يقوم بدوره عبد الله الشحي، ويقتله بدم بارد وبعنف فجّ.
دور الضابط دبان فريد علي الشاشة العربية شخصية شبيهة بجوكر باتمان، بالوجه المضحك السادي وبنظرات شيطانية وقفازات سوداء، تليق بقاتل متسلسل وحركات بهلوانية برع بها سليمان. يقول دبان لطلال إن مصير كل منهما يتعلق بالآخر، يريد دبان منه أن يستسلم له تماما، لخطة ما يدبرها في رأسه.
في أحد أكثر المشاهد مرحا في الفيلم، يرقص دبان مع الشرطية “عايدة” في مشهد بديع علي أنغام الراديو، تماما مثلما ترقص السلطة علي جثث ضحاياها.
الترقب والتوتر الممتع اذا جاز التعبير هو ما يصاحب المشاهد طوال الفيلم ، فلا يمكن التنبؤ بأفعال هذا المختل الذي يملك السلطة والسلاح، وفي المقابل يقاوم المواطن المقهور بيدين عاريتين، يدور في زنزانته يصرخ ولكن ترددات صوته أقل من تردادات الصوت المسموع.
“طلال” أو صالح بكري، مواطن يشبه بطل رواية المحاكمة لكافكا وجد نفسه متهما بجريمة لا يعلمها.. لا يعلم سوي أنه سيذهب للمحكمة بعد يومين بينما يقبع أمامه ضابط مختل يسلي نفسه بإذلاله وتحطيمه نفسيا، لا لشئ سوي للمتعة.
يلجأ دبان إلي إبتزاز طلال بشتي الطرق الممكنة، يبتزه بالتلويح بقتل الشرطية أو إيذاء زوجته السابقة “وفاء” التي قامت بدورها الممثلة السعودية “عهد كامل”.
ما يميز الفيلم عن الأفلام التي تناولت العلاقة بين السلطة والمواطنين، أنه لم يضفي أبعادا مثالية علي المواطن، بل علي العكس، فالمواطن مدمن سابق، دمر حياة زوجته وابنه.
المصورالفرنسي كولين ليفيك، أحد عناصر الفيلم القوية نقل احساس “طلال” بالاختناق والعجز لرئتي المشاهد.. صنبور المياه الذي يقطّر ببطء وهي وسيلة متبعة لتحطيم أعصاب المساجين وإصابتهم بالجنون والتركيزالموتِر علي عقرب الساعات، واللقطات المقربة علي وجهي دبان وطلال كأنه لم يعد سواهما في العالم.
“المجرمون ليسوا دائما خلف القضبان”
بقدر السادية والألم والتوتر الممتع جاءت النهاية، التي لن نكشفها هنا، حالمة ربما إنتصارا لا يحدث في الواقع للمواطن المقهور.
الفيلم ولا شك يحرّك الماء الآسن في السينما الخليجية ويدفع بها نحو العالمية.