“رقصة الواقع” سيرة ذاتية وخيال مُجسد من الواقع

رقصة الواقع The Dance of Reality فيلم  ناطق بالإسبانية من إنتاج عام 2013وهو من نوعية  السيرة الذاتية وهي هنا خاصة بكاتب ومخرج الفيلم  أليخاندرو خودوروفسكي.

 ما يميز الفيلم هو دمج السيرة الذاتية  بالخيال (الفانتازيا) وهنا الخيال ليس لمجرد الخيال  فبعض الأحداث و الشخصيات التي تبدوا خياليه بمواقفها واحياناً بمظهرها هي تُمثل انعكاس للواقع  بالنسبة للكاتب بمدلول  نفسي وفلسفي بمعنى انه  يريد  تغير شكل الواقع  في سيرته  الذاتية  الى خيال بمفهومة من خلال الأحداث وشكل الشخصيات , ففي اللوحة الدعائية، وهي من المشهد الاخير بالفيلم تقف بعض الشخصيات من الفيلم وهي التي  تُمثل رؤيه وفلسفة  المخرج من الواقع  وتقف خلفها شخصيات غير ظاهرة الوجه هي التي تُمثل الواقع بشكل تعبيري كالشخصيات التي تسير في الفيلم مرتديه أقنعة فالرقصة في اسم الفيلم  لها  معنى مجازي  تعكس فلسفته للواقع من خلال الخيال الذي اراده لسيرتة الذاتية وهذا الاسلوب  جعل الفيلم مختلفا وخاصا جدا .

مُعاناة نفسية للجميع 

يُعبر أليخاندرو في النصف الأول من الفيلم عن مرحلة طفولته المتخبطة وعلاقته بأبية وامه، في العائلة اليهوديةذات الأصول الأوكرانية المهاجرة لتشيلي موقع أحداث الفيلم،وهنا معنى التعبير مبني على مزج الواقع وهو السيرة الذاتية بالخيال، وهو هنا له بعد نفسي وفلسفي  داخل إطار درامي، وتعكس الألوان  المستخدمة  في بعض المشاهد  البعد الدرامي والنفسي واحيانا أخرى تعكس الرؤية الخيالية.

في النصف الاول من الفيلم تؤثر جوانب  شخصيه الاب خايمي من انتمائه السياسي ومعتقده الديني وفكره الجنسي على ابنه وزوجته فشخصية الاب المنتمي  للشيوعية والمتأثر بستالين بالإضافة لقوته وقسوته التي تظهر في معاملته للعامة ولزوجته وبشكل خاص لابنه فهو يريده  بصوره معينه ويضعه في عده  اختبارات للوصول لهذه الصورة التي بمخيلته ليصبح شخصيه قوية. وهو يعامل زوجته معاملة سيئة غيرادميه بجانب إيحاءاتهالجسدية واللفظية الجنسية الفجة.

أما الأم  فهي  الحالمة التي تتحدث في كامل حوارها بالفيلم بالغناء بشكل اوبرالي بطريقة ساحرة وخيالية متماشية مع افكارها ومعتقداتها الروحانية، وهنا تظهر  فلسفه المخرج للشخصية انها واقعيه كأم ولكن بفكره هو ورؤيته الخيالية للشخصية،  فهي مع حبها لابنها وزوجها على الرغم من معاملته السيئة لها فهي الزوجة المقهورة  التي لا تعرف كيف تدافع عن نفسها او عن ابنها فيظهر أليخاندرو خودوروفسكي في الفيلم وهو في سنه الحالي بجانب نفسه وهو طفل في الفيلم  في لحظات مهمه نفسية ومعنوية فهو لم يجد احدا يقف بجانبه في تلك اللحظات فقرر ان يقف هو بجانب نفسه.  

 في احد المشاهد  عند ذهابه للبحر لكي  يُخرج  غضبه الداخلي عندما وصف بالشاذ برمي الأحجار في البحر تظهر له ملكه الكؤوس وتنهاه عن فعل ذلك ليجد البحر قد القى بكميات كبيرة من سمك السردين على الشاطئ وتأتي كميات كبيرة من طيور النورس  لتأكلها ثم يأتي الناس يهاجمون الطيور لأخذ السمك ويظهر أليخاندرو خودوروفسكي وهو في سنه الحالي مع نفسة وهو صغير ويدور حوار نفسي:   

شعرت بالحيرة هل عليَ أن أتعذب بغم السردين أم أسعد لبهجة النوارس؟   

الكفة مالت لصالح غم السردين عندما رأيت النوارس تحرم من وليمتها..

في ذلك العالم الذي أشعر بأني غريب فيه  كل شيء كان مترابطًا.. نسيج من المعاناة والإبتهاج .  

و ي مشهد  وقوفه مع اليخاندرو وهو صغير يحاول الانتحار من فوق الصخور على البحر ومحاولة منعه  من خلال الحوار النفسي ايضا مع استخدام  اللونين الازرق والابيض وزاويه الكاميرا لاندماجهم مع السماء كأنهم طيور محلقه  بأرواحهم.

ربط الأجزاء الخيالية بالواقع من خلال تسلسل الاحداث تمت بشكل سلس ومعبر وجيد وايضا التعبير النفسي الظاهروغير الظاهر داخل أليخاندرو الطفل واخراجه من خلال أليخاندرو  وهو في سنه الحالي .

سلام داخلي   

الجزء الثاني من الفيلم  يصور رحلة خايمي التي تتبدد بها افكاره السياسية والدينية و تُحول  شخصيته ويرى خلالها ما يغير تفكيره  بالتدريج فهي في بدايتها عكس نهايتها.  

 يذهب خايمي لقتل الرئيس التشيلي كارلوس إيبانيز لإنه يراه ديكتاتورا لتظهر ازدواجية خايمي فأفعاله  افعال  ديكتاتور وفي نفس الوقت يكره كارلوس إيبانيز الديكتاتور. وكان الهدف من اغتياله تمهيد في النصف الاول من الفيلم وفجر لحظه القيام بقتلة بعد اصابة خايمي بالطاعون وكان على وشك الموت فأحس  بما يعاني به المجموعة المصابة  بالطاعون المهملين والمنبوذين حتى الماء لا يقدرون على الحصول عليه فذهب اليهم بالماء وتمت العدوى. وهنا كان للألوان دور فملابس المصابين بالطاعون والشمسيات التي يحملونها ولون الارض التي كانوا يقفون عليها امام البحر وملابس خايمي جميعها في لون واحد فهي بشكل رمزي، لون الموت فالمصابون بالطاعون اموات لا محاله بطبيعة الحال في وقتها، وايضا خايمي توفي  كتفكير واعتقادات بشكل مبدئي عندما بدل ملابسه مع عامل الاسطبل وقام  بدفنه ووضع له شاربا وكأن تلك البذلة لابد لها من الشارب فهو  شارب الديكتاتورية مثل ستالين و كارلوس إيبانيز. ومن بعدها بدأ عقله الباطن بالتحرك نحو وعيه فيحدث نفسة عند نومه ليقول عن كارلوس إن جرائمه ليست نتيجة نفس آثمة بل بسبب كرمه المغمور ليستيقظ ويعنف نفسه فهو مازال يقاوم افكاره وعند محاوله اغتياله كارلوس تصب يده بالشلل.

يأتي بعد ذلك بشكل متزامن من خلال تتابع الأحداث تعامل الام مع اليخاندرو دون وجود الاب فاليخاندرو يواجه بعض المشاكل فتقوم والدته بحلها بأسلوب به سلام روحي ونفسي وبشكل ساحر وخيالي تركت تأثيراً واضحاً على شخصية أليخاندرو، ومن ثم  يتوقف ظهور أليخاندرو وهو في عمره الحالي لحظة ليرى ان والدته تقف بجانبه وهو طفل.

 ومن خلال تلك الاحداث تمر الايام على خايمي ليظهر بلحية وبشعر طويل يشبه المسيح وعلم تشيلي  مطلي على ذراعيه وبِحاله يرثى لها، وفي هذا المشهد يتضح انه مع مرور الزمن قد فقد الذاكرة ثم عادت اليه وكأنه ولد من جديد  ولكن مازالت  يده مشلولة.

 يقوده القدر نحو مواقف واحداث تقوم بشكل تفسي بتطهيره  فيذهب بالصدفة للعمل نجار يقوم بمساعدتة  في محنتة ويتعلم منه دروسا انسانيه من خلال الدين ثم يذهب معه الى الكنيسة للتبرع لها بكراسي قاموا بصنعها ويحضر مراسم دينيه ويشارك بها بصدق روحاني كأنه تطهير لروحه من الحاده، وبعد ذلك يقع خايمي في يد  جماعة نازية موالية للرئيس كارلوس إيبانيز ويتم القبض عليه وتعذيبه  بقسوة وعنف وكأنه تطهير لشخصيتة العنيفة القاسية. وبعد معاناته يتم تهريبه الى بلدته بعد تنازل الرئيس عن الحكم ويعود لمنزله وللمرة الثانية تعالجه زوجته بشكل نفسي و هذه المرة من شلل يده عن طريق تخليصة وبشكل نهائي من افكاره السابقة ليظهر بعد ذلك بملابس غير التي اعتادها، وهو يحتضن زوجته بشكل رومانسي ومعهما اليخاندرو ليحل السلام الداخلي لجميع الشخصيات المتخبطة التي تعاني ويُستكمل تكوين شخصية   اليخاندرو بشكل جديد.

ينهي  أليخاندرو خودوروفسكي الفيلم بمشهد يظهر به وهو في سنة الحالي وفي نهايتة يقف خلف الشخصية التي ترتدي الهيكل العظمي باللون الأبيض والأسود التي ترمز للموت امام  اليخاندرو وهو صغير بملابس رجل الإطفاء حين حلم بالموت وبجانبه شخصيات الفيلم باللون الأبيض والأسو، ويقف من خلفهم الشخصيات الرمزية  فالرمزيه بالنسبه له تُكمل رؤيته.

Visited 109 times, 1 visit(s) today