رحلة مخرج المتاعب الإيراني جعفر بناهى
ترجمة: ممدوح شلبى
بعد سنوات فى عمل الأفلام القصيرة والعمل كمساعد للمخرج الإيرانى عباس كياروستامى، بدأ جعفر بناهى اخراج الافلام. وقد حقق فيلمه “البالون الأبيض” 1995 نجاحا نقديا وحضورا فى المهرجانات الدولية، فقد حصل الفيلم على جائزة الكاميرا الذهبية من مهرجان كان 1995، ومنذئذ صار بناهى واحدا من أهم أسماء السينما الإيرانية والعالم.
وحصل فى عام 1997 على جائزة الفهد الذهبى من مهرجان لوكارنو السينمائى بسويسرا عن فيلمه “المرآة”، كما حصل فى عام 2000 على جائزة الأسد الذهبى من مهرجان فينيسا السينمائى عن فيلمه “الدائرة”، كما حصل على جائزة الدب الفضى لأحسن مخرج من مهرجان برلين السينمائى 2006 عن فيلمه “تسلل”.
وبعد سنوات طويلة من الصراع مع الحكومة الايرانية فيما يتعلق بمضمون أفلامه- وكان قد سبق للحكومة اعتقاله مرات عديدة لمدد قصيرة– أعتقل بناهى فى مارس 2010 كما اعتقلت زوجته وابنته، مع اعتقال 15 صديقا له، وكانت التهمة تورطه فى التحريض على نظام الحكم الايرانى. وعلى الرغم من الالتماسات التى وقع عليها سينمائيو العالم ومنظمات حقوق الانسان، فقد تم الحكم على بناهى فى ديسمبر 2010 بالسجن لمدة 6 سنوات وايقافه لمدة عشرين عاما عن اخراج الأفلام وكتابة السيناريوهات السينمائية والمنع أيضا عن إجراء أى حوارات صحفية سواء للإعلام الإيرانى أو العالمى، كما منع من مغادرة البلاد.
وكرد فعل استهزائى اخرج بناهى فيلما تسجيليا بكاميرا الموبايل وقد اسماه “هذا ليس فيلما” تم تهريبه فى فلاشه تم تخبأتها داخل تورتة من الحلوى، فوصل الى مهرجان كان عام 2011 وعرض كنوع من التضامن السينمائى الدولى مع المخرج الايرانى.
مرحلة الطفولة
وُلد جعفر بناهى فى 11 يونيو عام 1960 فى ميانيه بايران، وهى منطقة اذربيجانية تقع خارج طهران، وقد اعتبر بناهى ان اسرته تنتمى الى الطبقة العاملة، وتربى مع أربع شقيقات وشقيقين، وكان والده يعمل فى مهنة طلاء المنازل.
تتحدث عائلته الاذربيجانية فى المنزل والفارسية مع الآخرين، وعندما كان بناهى فى العاشرة من عمره كتب أول كتبه وهو عن ولد صغير يغش فى الامتحان لكنه يشعر بالذنب ثم يتم افتضاح امره، وحصلت هذه القصة على الجائزة الاولى فى مسابقة المكتبة.
بدأ عشقه للسينما فى سن الحادية عشرة عندما كانت شقيقاته تدفعن له النقود ليذهب الى سينما الحى ليشاهد الافلام ثم يعود اليهن ليحكى ويمثل لهن مشاهد كل فيلم، فشقيقاته كان مُحرم عليهن الذهاب الى السينما، وكان جعفر بناهى نفسه محروما الا انه كان يتخفى من والده الذى كان هو ايضا من عُشاق السينما. يقول بناهى ان والده قال له هذه الاقلام ليست جيدة لمثلك) لكن بناهى كان يريد أن يرى ما هو ليس جيدا بالنسبة له، وفى احد الايام ضبطه والده فى السينما فتعرض بناهى لعقاب شديد من جانب والده.
لكن هذا العقاب لم يردعه عن الذهاب الى السينما، فقد اعتاد ان يذهب الى دور السينما التى لا يذهب اليها والده، ثم بدأ يرتاد معهد التأهيل المهنى للاطفال والمراهقين، وكان هذا المعهد يعرض الأفلام الأجنبية كما شاهد أفلام المخرج الإيرانى عباس كياروستامى فى هذا المعهد أيضا، وكان كياروستامى واحدا من مؤسسى هذا المعهد فى عام 1969، وشاهد بناهى فيلم “سارقو السيارات” لفيتوريو دى سيكا، ويقول بناهى إنه عندما شاهد هذا الفيلم للمرة الأولى قال لنفسه إن هذا الفيلم لا يخدعنى.
من فيلم “الدائرة”
وفى هذه الأثناء بدأ جعفر بناهى تجاربه فى التصوير وعمل الأفلام القصيرة بكاميرا من مقاس (سوبر 8 مم)، كما مثل فى أحد هذه الأفلام، كما اعتاد أن يساعد مدير مكتبة المعهد فى تشغيل البرنامج الذى يعلم رواد المعهد من الاطفال كيف يُشغلون الكاميرا السينمائية.
وعندما كان فى الثانية عشر من العمر، كان يتعين على بناهى أن يعمل بعد خروجه من المدرسة لكى يوفر الأموال حتى يذهب لمشاهدة الافلام السينمائية التي يحبها، ويبدو أن الفقر الذى عاشه فى طفولته ساعده على تضمين رؤى انسانية فى أفلامه عندما صار مخرجا.
مرحلة الشباب
وعندما بلغ عشرين عاما، التحق جعفر بناهى بالخدمة العسكرية وشارك فى الحرب العراقية– الإيرانية كمصور حربى من عام 1980 إلى عام 1982، لكن فى عام 1981 وقع في أسر المتمردين الأكراد الذين كانوا يحاربون القوات الايرانية، وقد استمر بناهى فى الاسر لمدة 76 يوما.
أخرج جعفر بناهى فيلما تسجيليا عن تجربته فى الحرب بعد أن أنهى خدمته العسكرية، وتصادف ان التليفزيون الايرانى عرض هذا الفيلم.
والتحق بناهى بكلية التليفزيون والسينما فى ايران حيث درس الاخراج السينمائى وتأثر بمخرجى السينما العالميين مثل ألفريد هيتشكوك وهوارد هوكس ولوى بونويل وجان لوك جودار، واثناء الدراسة أيضا تعرف على المخرج بارفيز شهبازى واصبحا صديقين، كما تعرف على مدير التصوير فارزاد جودت الذى صور جميع افلام بناهى الاولى، واثناء الدراسة أيضا دخل مركز بندر عباس– الواقع على شاطئ الخليج العربى حيث اخرج اول افلامه التسجيلية، كما بدأ العمل كمساعد مخرج فى افلام استاذه فى الكلية فبل ان يتخرج فى عام 1988.
وقد اخرج جعفر بناهى عدة افلام تسجيلية للقناة الثانية فى تليفزيون الجمهورية الاسلامية الإيرانية، وكان أول افلامه القصيرة بعنوان “الرؤوس الجريحة” وهو فيلم تسجيلى عن الطقوس التى يقوم بها سكان المنطقة الاذربيجانية فى شمال ايران فيما يتعلق بجرح رؤوسهم صباحا، فالفيلم يوثق لذلك الطقس الخاص بتأبين الامام الشيعى الثالث “الامام الحسين”، حيث يضرب الناس رؤوسهم بالسكاكين حتى تنزف منها الدماء، وتوجب على جعفر بناهى ان يُصور هذا الفيلم فى السر. وقد مُنع هذا الفيلم من العرض لعدة سنوات.
وفى عام 1988 صور جعفر بناهى الفيلم القصير “النظرة الثانية” وهو فيلم تسجيلى يصور مرحلة تصوير الفيلم السينمائى “جولنار” للمخرج كمبوزيا باتروفى.
ويركز هذا الفيلم على صانع عرائس الماريونات لفيلم كمبوزيا باتروفى وعلاقته بعرائسه ، ولم يتم عرض هذا الفيلم الا فى عام 1993.
وفى عام 1990 عمل جعفر بناهى كمساعد مخرج فى فيلم “السمكة” للمخرج كمبوزيا باتروفى، وفى عام 1992 اخرج بناهى أول أفلامه الروائية “الصديق” الذى يستلهم فيلم “المال والممر” وهو أول األام عباس كياروستامى، وفى نفس العام اخرج بناهى ثانى افلامه الروائية القصيرة “الامتحان الاخير”.
فى هذين الفيلمين استخدم بناهى ممثلين عير محترفين، وهما على عزيز الله ومهدى شهابى، وقد حصل بناهى فى هذا العام على جائزة أحسن فيلم وأحسن سيناريو وأحسن تصوير وأحسن مونتاج من مهرجان التليفزيون الإيرانى.
من فيلم “تسلل”
ثم حاول بناهى أن يقلد لوى بانويل عندما كان صغيرا حيث اتصل وقتها بالمخرج جان ابيشتين يطلب منه العمل معه فى السينما، وقد ترك جعفر بناهى رسالة على “الانسر ماشين” لعباس كياروستامى، ذكر فيها انه يحب افلامه ويلتمس اى يحصل على اى وظيفة فى فيلمه القادم، وقد استجاب كياروستامى لبناهى وعينه مساعدا للاخراج فى فيلمه “خلال اشجار الزيتون”، ولقد شاهد كياروستامى عددا من افلام جعفر بناهى القصيرة، وقال عنه فى عام 1995 ان بناهى يتمتع بموهبة فائقة واعدة وسوف يكون واحدا من مخرجى ايران المستقبلين.
فيلم البالون الأبيض
اخرج جعفر بناهى فيلم البالون الأبيض عام 1995، وهو من انتاج القناة الثانية بالتليفزيون الايرانى وشركة فردوس السينمائية ومؤسسة فارابى السينمائية. العنوان الاول للفيلم كان “سنة جديدة سعيدة” وقد طور بناهى القصة الاصلية مع بارفيز شهباز وحاول ان يحصل على تمويل من القناة الاولى الايرانية باعتبار ان مشروعه عبارة عن فيلم قصير، لكن طلبه رُفض، عندئذ عرض بناهى المعالجة السينمائية على عباس كياروستامى اثناء اخراجه لفيلم “خلال اشجار الزيتون” وقام كياروستامى بتشجيع بناهى ووافق ايضا ان يكتب السيناريو.
وقد كتب كياروسنامى السيناريو لبناهى فى سيارة اثناء قيامهما بالتجوال، وفد كان بناهى يسجل حديث كياروستامى على شريط تسجيل ثم كتبه بعد ذلك على الألة الكاتبة، وقد ساعد كياروستامى ايضا فى تسهيل تمويل الفيلم من القناة الثانية بالتليفزيون الايرانى، وتوجب على بناهى ان يسافر الى جميع انحاء ايران لكى يتضمن فيلمه شخصيات من جميع الاصول الاثنية الايرانية .
ووجد بناهى الممثلة الرئيسية عايدة محمدخانى فى اول مدرسة زارها وقرر فورا ان يختارها لتمثيل دور راضية، لكن بناهى اضطر الى اختبار نحو 2600 صبى لكى يختار الممثل الذى يصلح لدور (على) شقيق راضية، وأخيرا وقع اختياره على محسن كليفى، لقد وظف بناهى ممثلين غير محترفين للادوار المساعدة فى فيلمه، ويشمل ذلك بائع سمك حقيقى وجده بناهى فى سوق راشت، واختار ايضا طالب جامعى لكى يجسد شخصية الجندى، كما استعان ايضا بممثلة محترفة هى أنا بوركوسكا لتقوم بدور إمرأة امريكية.
ونرى فى الفيلم أن راضية – تلك الفتاه التى تتمتع بارادة قوية وتعيش فى طهران – تريد أن تشترى سمكة ذهبية لجلب الحظ استعدادا لاحتفالية السنة الجديدة لكن راضية تكافح من اجل توفير مبلغ 500 طومان (العملة الايرانية) وهو المبلغ اللازم لشراء السمكة.
لقد حاول بناهى التقرب من عايدة وذلك لكى يمنحها الثقة فى نفسها، فعلى سبيل المثال ، ولكى يجعلها تبكى فى اللقطة ، فقد جعلها تنظر اليه وهو يقف خلف الكاميرا ثم بكى فساعدها ذلك على البكاء.
لقد بدأ تصوير الفيلم فى بداية ابريل عام 1994 فى كاشان واستمر التصوير حتى بداية يونيو، ولقد قال بناهى انه اراد عمل فيلم روائى ليثبت لنفسه انه قادرا على الاخراج السينمائى وانه قادرا على انهاء الفيلم بنجاح ويحصل على اداء تمثيلى جيد من الممثلين وقال ايضا، (لقد صورنا فيلما تكلف اقل من دولار فى الوقت الذى تتكلف فيه الافلام عادة ملايين الدولارات ، هذا ما حاولت أن أحققه).
إن الأفلام التى تتناول الأطفال عادة ما تتساهل معها اجهزة الرقابة الايرانية وتتغاضى عن الآراء السياسية ، ولقد تم عرض فيلم البالونة البيضاء فى دور السينما الخاصة بالاطفال، ونتيجة لذلك لم يحقق هذا الفيلم سوى 130 الف تذكرة .
وفى المقابل نال الفيلم اربعة جوائز فى ايران، من بينها جائزة مهرجان اصفهان لاقلام الاطفال والمراهقين، وكذلك مهرجان فجر، وبعد عدة سنوات تقرر ان يتم عرض هذا الفيلم سنويا فى قناة كانون الثانية بمناسبة بدء العام الجديد، اما خارج ايران فقد نال فيلم البالونة البيضاء استحسانا نقديا عالميا ، كما فاز بجائزة (الكاميرا دور) من مهرجان كان لعام 1995.
من فيلم “البالون الأبيض”
كما حصل الفيلم على الجائزة الذهبية لحاكم طوكيو كأحسن فيلم وحصل ايضا على التنين البرونزى كأحسن فيلم اطفال فى مهرجان طوكيو لعام 1995 ، كما حصل على جائزة لجنة التحكيم فى مهرجان ساو باولو لعام 1995 ، وحصل ايضا على احسن فيلم من مهرجان “سينفيست سادبرى”.
اُختير هذا الفيلم رسميا لكى يمثل ايران فى جوائز الاكاديمية كأحسن فيلم اجنبى ، لكن الحكومة الايرانية طالبت بسحب الفيلم كنتيجة لتدهور العلاقات الامريكية– الايرانية، لكن الاكاديمية رفضت سحب الفيلم، لكنه– على ايه حال– لم يترشح للجائزة، ولقد منعت الحكومة الايرانية جعفر بناهى من السفر الى مهرجان صاندنس، ومنعته ايضا من اجراء حوار تليفونى مع صحفى امريكى كنوع من الترويج للفيلم.
فيلم المرآة
اخرج بناهى ثانى افلامه الروائية وهو فيلم “المرآة”، وكان من المقرر ان يقوم باخراج فيلم “الصفصافة والريح: الذى كتب له السيناريو عباس كياروستامى، لكن جعفر بناهى اصر على اخراج عمل خاص به بدلا من ذلك.
لقد استلهم بناهى موضوع الفيلم اثناء حضوره مهرجان بوسان فى كوريا الجنوبية، فقد شاهد طفلة تجلس على مقعد فى حديقة تبحلق فى السماء، وقال بناهى انه شاهد هذا الامر مرات عدة من قبل فى ايران لكنه لم يوله اهتماما.
وقال بناهى “اخترت صبية ووضعتها فى موقف حيث يتوجب عليها ان تتصرف بمفردها، إن كل من تقابله الصبية فى رحلتها يبدو كما لو أنه يرتدى قناعا او يلعب دورا، لكننى أردت أن ألقى هذه الاقنعة بعيدا”، لقد قامت مينا محمدخانى ببطولة الفيلم، وهى شقيقة عايدة محمدخانى، انها فى الفيلم تجسد شخصية صبية اسمها باهاران وفى نفس الوقت تجسد شخصيتها ايضا.
حصل الفيلم على جائزة الفهد الذهبى من مهرجان لوكارنو السينمائى، كما حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة احسن مخرج من مهرجان سنغافورة 1998، وعلى التيوليب الذهبية من مهرجان اسطنبول 1998، وحصل ايضا على جائزة فيربيشى وبلورة ايزنشتين الذهبية وجائزة نقدية من مهرجان ريجا 1998، كما حصل من مهرجان الارشيف الملكى ببلجيكا على جائزة زمن بانويل الذهبي.
فيلم الدائرة
وفى عام 2000 اخرج بناهى فيلم “الدائرة”، وهو من انتاجه بالاشتراك مع شركة ميكادو لوميير، وعلى الرغم من ان بناهى اقر بانه ليس مخرجا سياسيا، فان ثالث افلامه الروائية كان شديد الاختلاف عن فيلميه السابقين الذين يتعاملان مع عالم الطفولة، أما فيلمه الدائرة فقد كان فيلما نقديا يتعرض لطريقة معاملة النساء فى ظل النظام الايرانى الاسلامى.
ويقول بناهى انه بدأ مشواره السينمائى مع افلام الاطفال، وعندما كان يفعل ذلك فانه لم يتعرض لاى مصاعب مع الرقابة، ولكن بمجرد ان بدأ يقدم افلاما روائية ، فقد ظهرت المشاكل دفعة واحدة، ويقول، “لقد عملت فى افلامى الاولى مع الاطفال لكننى بدأت افكر فى المحظرات التى سيتوجب على البنات ان تواجهنها عندما يكبرن”.
ويستطرد بناهى، “ولكى استطيع تجسيد هذه المحظرات، فقد ذهبت الى الطبقة الاجتماعية التى تظهر فيها هذه المحظرات، إنهن يعشن فى أماكن مهمشة، وهذا جعل الفكرة تخرج بصورة اكثر قوة”.
لقد توجب على بناهى ان ينتطر عاما كاملا حتى يستطيع أن يحصل على موافقة السلطات على تصوير الفيلم، إن فيلم الدائرة تم سحبه بأمر السلطات الايرانية من المشاركة فى مهرجان فجر السينمائى بدعوى أنه يزدرى النساء المسلمات، كما مُنع الفيلم من العرض فى ايران.
لقد استغرق تصوير الفيلم نحو 53 يوما، وكالعادة فقد استخدم بناهى ممثلين غير محترفين باستثناء فاطمة نجفى وفريشته صدر عُرافى.
لقد عثر بناهى على ممثلة الدور الرئيسى نرجس ماميزادة فى احد الايام فى حديقة ، فعرض عليها الدور على الفور، يبدأ الفيلم بلقطة طويلة بكاميرا محمولة تدوم ثلاث دقائق، وقد اعاد بناهى تصويرها ثلاث عشرة مرة حتى يرضى عنها، لقد بناهى قدم حياة البطلات الاربع للفيلم بطريقة تصوير مختلفة لكل منهن.
وطريقة التصوير الأولى اختص بها المرأة المفكرة حيث استخدم الكاميرا المحمولة، وللمرأة الثانية استخدم كاميرا مثبتة على شاريو متحرك، والمرأة الثالثة فقد اظهر الليل والعتمة خارج المشهد وكان يستخدم اللقطات المكبرة، أما المرأة الاخيرة فقد كانت اقلهن تفائلا لذلك فقد استخدم معها لقطات ثابتة كما استخدم شريط صوت باقل قدر ممكن.
فاز بناهى بجائزة الاسد الذهبى – الجائزة الكبرى – من مهرجان فينيسيا السينمائى عن فيلم الدائرة، كما فاز ايضا بجائزة الفيبريسى، وجائزة اليونيسيف، كما حصل على تنويه خاص، كما حصل على جائزة (ترازاتى) وجائزة نقاد السينما الايطاليين لاحسن ممثلة فى مهرجان فينسيا، لقد واصل الفيلم نجاحه النقدى فحصل على جائزة (الفيبريسى) باعتباره احسن افلام العام من مهرجان سان سيبستيان السينمائى، كما ظهر هذا الفيلم ضمن اهم عشرة قوائم نقدية على مستوى العالم، وحصل على جائزة مهرجان مونتيفيدو السينمائى الدولى، وجائزة حرية التعبير من المركز القومى للنقد السينمائى.
فيلم الذهب البندقى
اخرج بناهى فيلم “الذهب البندقى” فى عام 2003 وهو من انتاجه، ويتناول الفيلم حياه رجل يعمل فى توصيل طلبات البيتزا للبيوت، ويفشل هذا الرجل فى محاولة لسرقة محل مجوهرات، ويتناول الفيلم الاحداث التى قادته الى الجريمة.
تعتمد قصة الفيلم على وقائع حقيقية سمعها بناهى لاول مرة من عباس كياروستامى عندما كانا متوقفين فى زحمة مرورية اثناء توجه كياروستامى الى احد معارض صوره الفوتوغرافية.
لقد تأثر بناهى كثيرا بالقصة ووافق كياروستامى ان يكتب السيناريو ليخرجه بناهى، ولقد ترشح هذا الفيلم لقسم (نظرة خاصة) فى مهرجان كان السينمائى، حيث فاز بجائزة لجنة التحكيم ، كما حصل على الجائزة الذهبية فى مهرجان شيكاغو السينمائى، ولقد مُنع هذا الفيلم من العرض فى ايران مثل فيلم الدائرة.
فيلم تسلل
اخرج بناهى فيلم “تسلل” فى عام 2006، وهو عن مجموعة من البنات الايرانيات اللاتى يتشبهن بالاولاد لكى يستطعن دخول استاد ازادى لمشاهدة مبارة كرة قدم بين ايران والبحرين.
وقد تم تصوير معظم الفيلم اثناء مبارة حقيقية، ان النساء فى ايران اصبحن ممنوعات من مشاهدة مباريات كرة القدم فى الملاعب منذ قيام الثورة الاسلامية فى عام 1979 باعتبار ان الشتائم والصيحات من المسائل الشائعة، كما ان اللاعبين يرتدون ملابس قصيرة وهو ما يعتبره النظام الاسلامى عورة، وتجدر الاشارة الى الرئيس محمود احمدين جاد– رئيس ايران– حاول تغيير هذا القانون لكن مجلس العلماء رفض.
وقال بناهى انه استخدم مبارة كرة القدم كنوع من الرمز للتتعبير عما تلاقيه النساء من تمييز وباشكال متعددة ، وان فيلمه يتمحور حول هذه القضية ، ويقول بناهى ان فيلمه محاولة للتغيير فى المجتمع الايرانى.
الفيلم يستوحى واقعة حقيقية حدثت قبل عدة اعوام ، فقد مُنعت اخته والبالغة اثنى عشر عاما من دخول استاد كرة القدم لكنها استطاعت ان تحتال وتمكنت من الدخول.
وكان بناهى يعرف ان فيلمه سيثير المشاكل، ولذلك فقد تقدم بسيناريو مزيف الى السلطات الايرانية عن بعض الولاد الذين يذهبون لمشاهدة مبارة لكرة القدم وذلك لكى يحصل على الموافقة على تصوير الفيلم.
من فيلم “الذهب البندقي”
وقبل ان يبدأ بناهى فى تصوير الفيلم فوجئ بان وزارة الارشاد– المسؤولة عن تراخيص التصوير – تقول انهم لن يمنحوه تصريح التصوير الا اذا اعاد مونتاج افلامه السابقة.
وحتى لا تضيع على بناهى فرصة تصوير الفيلم اثناء كأس العالم لكرة القدم ، فقد تجاهل قرار وزراة الارشاد وبدأ فى تصوير الفيلم، وكالعادة ، فقد وظف بناهى ممثلين غير محترفين، كما استعان بمجموعة من بنات الجامعة فى الادوار الرئيسة وكان قد تعرف عليهن من خلال اصدقائه وعرف عنهن انهن يعشقن كرة القدم.
تم تصوير الفيلم فى 39 يوما ولكى يستطيع ان يتحرك بناهى دون أن يلاحظه أحد من جماهير ستاد كرة القدم، فقد استخدم كاميرا ديجيتال أول الأمر لانها أصغر حجما ولا تلفت الانظار اليها كذلك فقد قدم بناهى مساعد المخرج باعتباره مخرج الفيلم حتى لا يلفت نظر وزارة الارشاد والقوى المحافظة فى النظام الايرانى.
لكن وقبل أن ينتهى تصوير الفيلم بايام قليلة فان مقالا صحفيا تحدث عن عملية تصوير الفيلم وذكر المقال أن بناهى هو مخرج الفيلم، وبناءا عليه فقد حاولت وزارة الارشاد والقوى المحافظة ان يوقفوا الفيلم وان يُصادروا اللقطات التى تم تصويرها، وعلى أية حال، فان مجموعة اللقطات التى تحدث فى اتوبيس كانت هى اللقطات الباقية على اكتمال الفيلم، وبذلك فقد تمكن بناهى من اكمال الفيلم.
كان العرض الاول للفيلم فى مسابقة مهرجان برلين السينمائى عام 2006 حيث حصل بناهى على الدب الفضى– جائزة لجنة التحكيم الكبرى – وقد مُنع فيلم “تسلل” من العرض فى ايران مثل فيلميه السابقين الدائرة والذهب البندقى، وكان بناهى قد خطط لعرض الفيلم فى جميع انحاء ايران ، كما كان من المتوقع ان يحقق الفيلم نجاحا كبيرا غير مسبوق.
وبعد يومين من قرار منع الفيلم، أصبحت نسخة دى فى دى مقرصنة متوفرة فى جميع انحاء ايران، وقال بناهى ان فيلمه تسلل تمت مشاهدته فى ايران على نطاق واسع، وبعد ظهور الفيلم بهذه الطريقة فان مجموعة نسوية معارضة تسمى نفسها بنات النقاب الابيض بدأت تظهر فى مباريات كرة القدم حاملات لوحات مكتوب عليها (نحن لا نريد أن نكون تسلل) .
كتبت شرطة توزيع الفيلم فى امريكا – شركة افلام سونى، خطابا الى وزارة الارشاد الايرانية تلتمس منهم السماح بعرض الفيلم لاسبوع واحد فى ايران حتى يستطيعوا بدء حملة لترشيح الفيلم لجائزة الاوسكار لأحسن فيلم أجنبى لكن السلطات الايرانية رفضت هذا الالتماس.