حول شخصية نفيسة فى فيلم “بداية ونهاية”

بعد مشاهدة فيلم بداية ونهاية للمخرج صلاح أبو سيف مرات عدة، ورغم أن جميع أبطال الفيلم أدوا أدوارهم ببراعة إلا أن ما كان يثير الاهتمام أكثر فى كل مرة هو شخصية نفيسة التي جسدتها ببراعة سناء جميل.

وقد ساعد على ذلك المخرج المبدع صلاح أبو سيف الذى قام باختيار الممثلة التى تقترب فى شكلها من وصف نفيسة فى رواية نجيب محفوظ.

نفيسة الفتاة البائسة يتيمة الأب، فقيرة الجمال والمال والتى تقوم بحياكة الملابس بقروش قليلة لا تمتلك فى الحياة أى شىء تستند عليه سوى الأمل فى فجر يوم جديد لا يطلع أبداً، تبحث عن الحب والزواج الذى تأخر بالنسبة لفتاة فى مثل عمرها ولذلك فإن ضعفها وعدم ثقتها فى نفسها جعلها تنخدع بمعسول الكلام من الفتى المستهترابن البقال الذى استغل نقطة ضعفها ثم تخللى عنها.

وفى لقطة بديعة نشاهد نفيسة تعاتب الرجل المستهتر (صلاح منصور) وهو يجرى من أمامها قائلاً إن كل ما حدث كان بإرادتها. نرى سناء جميل فى لقطة بديعة وهى تدارى الجزء الصغير جداً المكشوف من ثوبها المقفول حتى رقبتها وكأنها تشعر أن جسدها أصبح مكشوفاً لكل من حولها.

لقد شعرت كم أصبحت رخيصة وتقرر حينها بدلاً أن تخبر إخوتها وخاصة أخيها البلطجى (فريد شوقى) حتى يثأروا لشرفها. إلا أنها تبحث عن أنوثتها ببيع نفسها فتركب مع سائق تاكسى من نفس المنطقة لتمارس الرذيلة لأول مرة مدفوعة الأجر.

ونجد سناء جميل تترجم كل أحاسيس نفيسة عندما يلقى اليها السائق فقط (نصف ريال) على الأرض فتنحنى لتحصل عليه بنظرة بائسة حزينة ومنكسرة أبدعتها سناء جميل وأصبحت شهادة ميلاد افنانة مبدعة.

إن فقر نفيسة وغياب الجمال عنها كانا من أسباب عدم زواجها. والآن فقد فقدت عذريتها أيضاً. إذن فقد ضاع كل أمل لديها فى الزواج، ولكنالأنثى في داخلها لا تزال تبحث عن الحب فتقرر أن تنال أرخص أنواع الحب وهو حب الجسد بلا روح.

فى بداية انزلاقها فى الخطيئة كانت تبحث عن المال أيضاً لتساعد أسرتها ولكن بعدما تخرج الشقيق الأصغر حسنين (عمر الشريف) فى الكلية الحربية وعمل أخوها الأوسط حسين (كمال حسين) مدرساً، فقد انتعشت حياة الأسرة قليلاً واتقت من البدروم للعيش فى شقة أكثر رفاهية قليلاً، ظلت نفيسة منزلقة فى الخطيئة وذلك لأن هدفها لم يكن فقط المال ولكن إرضاء أنوثتها بجانب المال.

لقد ظلت تساعد أقرب أشقائها إلى قلبها (حسنين) وتعطيه أغلب المال الذى تحصل عليه ليشعر أنه ليس أقل من أصدقائه وذلك رغم أنه الجميع أنانية ونكران للجميل.

إن نفيسة شخصية مظلومة منذ نشأتها. وقد انزلقت إلى الرذيلة دون إرادتها بل دفعتها ظروف حياتها إلى ذلك فهى ليست شخصية منحلة الأخلاق وإنما هى أضطرت إلى ذلك. فعندما يتم أبلاغ أخيها (حسنين) بوجود أخته فى قسم البوليس ضمن فتيات الليل يصدم صدمة كبيرة ليس حزناً على أخته ولكن خوفاً فقط على مركزه الوظيفى وصورته فى وسط مجتمع المظاهر.

لقد نصب لأخته المحكمة وحكم عليها بالموت وأنانيته لم تعطه الفرصة ليفكر لماذا فعلت أخته ذلك.. لماذا انزلقت إلى الرذيلة، وهل يمكن أن يأخذ بيدها وينقذها؟

لقد حكم على أخته بالموت دون دفاع وتمادياً فى أنانيته لم يفكر فى أن ينتقم لشرفه بيده ولكن تمنى أن تقتل هي نفسها ليعفى نفسه من أية مسئولية تجاهها.

وأثناء استعداد نفيسة لتلقى بنفسها فى النيل لتوارى عارها تسارعت الذكريات داخل رأسه وشعر كم تحبه أخته وكم ضحت من أجله وفى النهاية ها هو يحكم عليها بالموت.

يصرخ منادياً نفيسة بأعلى صوته حتى لا تلقى بنفسها فى النيل ولكن بعد فوات الأوان، ويتصور أمه وهى تسأله أين أخته ولا يستطيع أن يبرر لها ضعفه وجبنه. وحتى بعد أن ينتشلها المارة من النيل يتنكر لها خوفاً من الفضيحة.

وفى النهاية يلقى بنفسه فى المكان الذى شاهد مقتل أخته فى النيل متوهماً أنها الشجاعة رغم أنها قمة الجبن والضعف حيث أنه خاف من مواجهة الواقع.

ولكن هل تعد نفيسة نموذجاً يحتذى به الفتيات فى مثل ظروفها وهل ذلك مبرراً لكل فتاة أن تفعل مثلها؟ فذلك ما يجيب عليه الفيلم فى النهاية.

كان لابد أن تكون نهاية نفيسة مأساوية حتى لا تتعامل أى فتاة مع الحياة بضعف وقلة حيلة نفيسة ولكن لابد أن تكون أكثر صلابة فى وسط مجتمع لا يرحم.

Visited 208 times, 1 visit(s) today