حكايات وطرائف من كواليس السينما
يروي الممثل الأمريكي الراحل إيلي والاش عن تجربته في العمل مع المخرج الإيطالي سيرجيو ليوني في فيلم “الطيب والشرس والقبيحThe Good, the Bad and the Uglyالذي قام فيه بدور القبيح، فيقول إن ليوني لم يكن يعير اهتماما كبيرا لما يمكن أن يتعرض له الممثلون من مخاطر بل كان يستغرق في التفكير في فيلمه بحيث ينسى كل ما حوله من البديهيات، ومنها ضرورة توفير السلامة للممثلين.
ويقول والاش إنه كاد أن يسقط من فوق ظهر الحصان عندما كان يصور مشهدا يقتضي أن تقيد يداه خلفه ثم يتم لف حبل المشنقة حول عنقه.. وهو المشهد الذي تكرر في الفيلم وكان ينتهي كل مرة بتدخل البطل الغامض الذي قام بدوره كلينت إيستوود باطلاق النار حتى يقطع الحبل ويفلت صاحبنا من الموت. وذات مرة تم بالفعل قطع الحبل بطريقة ما كما كانوا يفعلون، لكن الحصان أخذ يجري بعيدا وإيلي مقيد اليدين لا يمكنه عمل أي شيء وابتعد الحصان بسرعة كبيرة لمسافة ألفي متر وكاد صاحبنا أن يقع من على ظهر الحصان ويصاب بإصابات خطيرة.
ويقول إنه تعرض أيضا للموت عندما كانوا يقومون بتصوير المشهد الذي يفلت ويداه مقيدتان بالقيود الحديدية ويلجأ لوضعها على شريط السكة الحديدية لكي يقطعها القطار القادم.. ويأتي القطار فعلا وهو رابض بجوار القضبان ينتظر أن يمر القطار فوق قيوده الحديدية فيقطعها، ولكنهم لم يعرفوا أن القطار يتحرك الى الخارج بنحو قدم كامل وكاد بالتالي أن يصطدم برأس إيلي والاش فيقضي عليه لولا أنه أبعد رأسه في اللحظة الأخيرة لينجو بمعجزة من الموت!
ويروي كلينت إيستوود عن تجربته في العمل مع ليوني في ثلاثة من أفلامه (ثلاثية الدولارات كما تعرف) فيقول إن ليوني لم يكن يعرف كلمة واحدة من اللغة الإنجليزية وأن الحوار معه كان يتم عن طريق مترجم، وكان يستعين بالكثير من الممثلين الإسبان (كان التصوير يجري في اسبانيا) والايطاليين ومن هولندا وغيرها.
وكان كل منهم يمثل بلغته أمام الآخر، ولم يكن الممثل الذي يعمل أمامه يفهم بالتالي ما يقوله له كلينت كما لم يكن كلينت يفهمه، لكنهم كانوا يتعاملون حسب الحوار المطلوب مع بعض الارتجال بالطبع. ويضحك إيستوود عندما يتذكر أن المساعدين وبعض الممثلين الثانويين (الكومبارس) كانوا يتركون جهاز الراديو مسموعا بحيث يستمعون إلى الأغاني وهم يضحكون ويلعبون الورق قرب مكان تصوير المشهد، دون أن يكلف ليوني نفسه بأن ينهرهم.
وكان المخرج الإيطالي الكبير الراحل يعتمد بالطبع، على الدوبلاج، باستخدام أصوات أخرى لممثلين تخصصوا في القيام بأدوار أبطال معينين فقد كان هناك من تخصص من الإيطاليين في القيام بدور كلينت ايستوود، وهكذا. ومعروف أن الأفلام الأمريكية تتم دبلجة حواراتها إلى الإيطالية والأمر نفسه في ألمانيا وفرنسا.
وهناك الكثير الذي يروى عن تطرف المخرج الأمريكي الراحل سام بكنباه وتصرفاته المجنونة أثناء التصوير، فقد كان معروفا بادمانه الخمر، وكان يذهب الى مواقع التصوير مخمورا، ولم يكن من شدة استغراقه في التعايش مع الفيلم كأنه في حالة حلم، يدرك أنه أعاد تصوير المشهد بما فيه الكفاية، أي عشرات المرات.. ويروي مساعده أنه كان ينبهه إلى ضرورة التوقف هنا. وذات مرة أعادة تصوير مشهد ما في فيلم “أعد إلي رأس ألفريدو جارثيا” مرات عدة ثم اقتنع أخيرا بأن الاعادة الأخيرة هي الأفضل وأنه سيتوقف الآن.
ويروي الرجل كيف أنه انتهى من تصوير الفيلم تماما وحمل جميع التقنيين معداتهم ووضعوها في السيارات والشاحنات وبدأوا في تشغيل محركاتها، وكان باكنباه لايزال جالسا يفكر في اللقطة الأخيرة التي انتهى تصويرها. وعندما سار مبتعدا عن موقع التصوير مع مساعده أخذ يقول له إن أول ما سيفعله صباح اليوم التالي أن يصور هذه اللقطة مع الممثل نفسه، ناسيا أن تصوير الفيلم انتهى ولم يعد هناك المزيد!
وروى كثيرون ممن عملوا مع سام باكنباه أنه كان شديد العصبية وكان يتشاجر أحيانا بشكل مكشوف مع الممثلين، ويصيح في وجوههم ويهدد بوقف العمل في الفيلم. وقد اكتسب سمعة لدى شركات الانتاج بأنه مخرج كثير المشاكل، كما لم يكن يعرف قيمة الوقت أبدا، فقد كان من النوع الذي ينشد الكمال دون أن يصل إليه أبدا بالطبع.
وعندما بدأ العمل في مونتاج فيلمه الشهير “كلاب القش” Straw Dogs (1972) وكان يقوم بالمونتاج مونتير انجليزي (الفيلم كله صور في اسكتلندا) أخذ يطالب المونتير بأشياء لا يمكنه القيام بها فاتصل المونتير بشركة الانتاج في هوليوود يشكو باكنباه ويقول لهم إنه مخرج جاهل لا يعرف ماذا يريد وإنه سيدمر الفيلم. وقد قام المنتج المنفذ للفيلم الذي كان موجودا في لندن، عندما علم بذلك، باستبعاد المونتير على الفور لأنه لم يكن ممكنا أن يستمر التعاون بينه وبين باكنباه.
ويروى الناقد الأمريكي الراحل روجر إيبرت أن السؤال الأول الذي وجه إلى باكنباه في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد العرض الخاص لفيلم “العصبة المتوحشة لفيلم The Wild Bunch وحضره نحو 350 صحفيا، جاء من سيدة قالت بكل بساطة وبشكل يعبر عن الاستنكار: لماذا صنع هذا الفيلم أصلا؟
وقد أصبح الفيلم بعد سنوات طويلة من ظهوره عام 1969 من أهم أعمال السينما الأمريكية وواحدا من أفضل أفلام الويسترن.