تداعيات “شارلي إيبدو”: كوميديا سوداء وأفلام محتملة!

متابعة الأحداث الساخنة، المبتسرة، خلال الأسبوع الفائت، بوضوحها الظاهر، وأعماقها الخفية، توحى بأنها ستغدو مادة ثرية لأفلام بالغة التنوع، روائية وتسجيلية، بوليسية وعاطفية وتراجيدية وكوميدية، ذلك ان ما جرى فى العاصمة الفرنسية، أقرب للمعالجة السينمائية، مجرد وقائع، مهمة وناقصة، وشخصيات أقرب للأشباح، لا نراها بقدر ما نستشعر أفعالها، غموض، أكاذيب تفضحها حقائق، علاقات مبهمة، صراعات فكرية وبدنية.. كلها، عناصر تحتاج لكاتب سيناريو متمكن، يجدل منها، على الورق، ما يتيح للمخرج الموهوب، تحقيق عمل له شأنه. السينما، وهذه إحدى ميزاتها، تستكمل، فى الكثير من الأحيان، الجوانب التى تم التستر عليها، مثلما حدث فى جريمة اغتيال “كيندى”، حيث كشف المخرج أوليفر ستون فى فيلمه “J.F.K” دوافع قتل الرئيس الأمريكى وكيفية التنفيذ المعقدة.. وثمة “لقد شاهدت اغتيال المهدى بن بركة” للمخرج سيرج ليبيرون، الذى يدين الشرطة الفرنسية المتواطئة مع الجنرال أوفقير. كذلك الحال بالنسبة لشارل ديجول، الذى تعرض لعدة محاولات اغتيال، تحولت إلى أعمال سينمائية، ومنها “يوم ابن آوى” لفريد زينمان.. جدير بالذكر أن ديجول ــ واقعيا ــ علق على إحدى المحاولات الخائبة لقتله من قبل عدة رجال هربوا قبل القبض عليه، تعليقا ساخرا، عن الهاربين وحراسه، بقوله “كلاهما فشل فى مهمته”. جملة شارل ديجول الصادقة، الطريفة، وردت إلى الذهن، بمناسبة تلك المفارقة الواسعة بين حالة الرضا الكئيبة لنائب وزير الداخلية الفرنسى، عقب انتهاء الأحداث الدامية الأخيرة، حين قدم آيات الامتنان لقوات الشرطة، والجيش، والنخبة، التى نجحت، باقتدار، فى مسعاها. هنا، ينتمى الموقف إلى “الكوميديا السوداء”.. شاهدنا، على الشاشة الصغيرة، عدة طائرات هليكوبتر، سيارات مصفحة، جحافل من عساكر وجنود، ضخام الجثث، مدججيم بالأسلحة، نعلم تماما أن هذا الحشد ضد رجلين، ومجرم ثالث فى مكان آخر، فماذا كانت النتيجة: قتل الثلاثة بدلا من القبض عليهم، ومصرع أربع ضحايا من الرهائن فى أحد المطاعم.. هكذا: ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما بالداخل.. ومع هذا، بدلا من العقاب على الفشل، تقدم لهم التحايا. أظن أن أحد صناع السينما، سيلفت نظره تراجيديا العسكرى المغدور، أحمد مرابط، المسلم، الذى لقى حتفه على يد صومالى أو مالى مهووس، يتوهم أنه يدافع عن الدين.. إنه يائس أيضا، شأنه شأن ضحيته، أحمد مريات. لم نشهد الرهينة التى وقعت فى يد الأخوين سعيد وشريف كواشى، ولم نعرف حتى اسمه. من هو، من أين جاء وما هى وجهته، كيف عاش ساعات مع آسريه، وفيما كان يفكر، ولماذا لم يقتل.. كلها أسئلة سيجيب عليها أحد الأفلام. طوال أربعة أيام بلياليها، انهمرت علينا التعليقات والتحليلات، بعضها انفعالى، والأخرى عقلانية، وثمة من أشار، ربما على استحياء، أن دولا، أو قوى دولية، أرادت مزيدا من تدخل فرنسا ضد “داعش” و”النصرة”، فساعدت، على نحو ما، فى هذه اللعبة الدامية.. فهل هذا صحيح، ربما سنرى الإجابة على الشاشة الكبيرة. “فتش عن المرأة”.. هى موجودة فى هذه الحكاية، لكنها غامضة، يحيط بها ضباب كثيف، اسمها له رنين، يوحى بعدة أمور “حياة بومدين”. قد لا يحتاج المرء لمن يؤكد له أنها جزائرية، حقيقتها المبهمة أضخم من صورها القليلة، المتداولة، المتناقضة: مرة بغطاء رأس ونقاب لا يظهر إلا عينين واسعتين، جريئتين، رأسها مستندة إلى صدغ “كلوبالى”، الأسمر، محتجز رهائن المطعم.. لكن صورتها هذه، بنظرائها الجريئة، لا علاقة لها بصورتها على بطاقة هويتها. فى الأخيرة، تتسم بالعذوبة والرقة، حالمة، وديعة، لا تصدق أنها من الممكن أن تقتل الشرطية التى لقيت حتفها برصاصة مجهولة المصدر.. إذا كانت هى القاتلة فكيف ــ فى بلد يتمتع بأجهزة أمن لا تخر الماء ــ أن تصبح فص ملح وداب، ويقال إنه ذاب ما بين تركيا وسوريا، وإذا كانت متواطئة، فلماذا؟ قد نجد الإجابة فى عالم الأطياف، فإذا كان صاحب الفيلم المحتمل، من مدرسة المخرج الكبير، حسن الإمام، فبالتأكيد، سيرجع الأمر إلى الحب المدمر ــ وقانا الله من شره ــ وربما سيجعلها، بعد هروبها، تعمل فى أحد ملاهى اسطنبول.. أما إذا كانت من أبناء يوسف شاهين، مثل خالد يوسف، فربما سيوحى أنها تريد الثأر من مستعمرى بلادها الذين أذاقوا شعبها ألوانا شتى من العذاب.. أما أبناء كمال الشيخ، فسيفسرون الأمر على أنها تعرضت لغسيل مخ، جعلها تقتنع أن إزهاق الأرواح.. حلال.

Visited 25 times, 1 visit(s) today