الفيلم السوري “المرأة العنكبوت”: عودة أفلام الدرجة العاشرة
رغم التفاؤل الذي ساد طيلة العام الفائت بمستقبل السينما السورية مع عودة القطاع الخاص للإنتاج السينمائي بفيلمين روائيين طويلين هما “بوط كعب عالي” (سيناريو وإخراج نضال عبيد، إنتاج جودي مطر) و”البحث عن جولييت” (سيناريو وإخراج زهير قنوع، إنتاج ويب ورلد وصورة فيلمز)، إلا أن ركوداً ثقيلاً سرعان ما أرخى بظلاله على الوسط السينمائي والفني عموماً مع تفشي فايروس كورونا وتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.
المُدهش أنه وسط هذه الظروف انطلق في مدينة طرطوس مطلع العام الجاري تصوير فيلم روائي طويل هو “المرأة العنكبوت” من تأليف محمد تركماني وإخراج محمد قسوم الذي سبق وأنجز فيلمين روائيين قصيرين لم يُعرضا هما “القاتل والمقتول” و”صرخة جسد” وذلك بعد تخرّجه من مدرسة “دراما أكاديمي” الخاصة لتعليم فنون التمثيل والإخراج، وهي واحدة من مدارس كثيرة انتشرت كالنار في الهشيم خلال العقد المنصرم وأصبحت بأغلبها الأعم باباً للاسترزاق والسبوبة خاصة مع افتقارها لأدنى المقومات الخبرات العلمية من مدرّسين وقاعدة تقنية لائقة، بل إن محمد قسوم نفسه سرعان ما أسس بعد تخرجه مدرسة “أكتور أكاديمي” لاستنساخ هذه التجربة واستقطاب الهواة الباحثين عن فرصة للظهور في الشاشة الكبيرة أو الصغيرة!
وقد انتشر تريلر الفيلم الرسمي عبر صفحة المخرج على فيسبوك قبل أيام، وهومن بطولة مجموعة من ممثلي الأدوار الثانوية في الدراما التلفزيونية مع حضور لضيفة الشرف أمية ملص، فأثار استياءً واضحاً نظراً لرداءة المستوى الفني واكتظاظه بالإيحاءات الجنسية
وجاء في ملخص الفيلم “أن أحداثه تدور حول امرأة تشبه العنكبوت تهدم كل خيوط بيتها التي نسجتها لتصبح مصلحتها الشخصية ونزواتها متفوقة على كل ما بنته في حياتها سواء أكان في علاقتها مع ابنتها أو ابنها أو مجتمعها الذي تكون نتيجته في نهاية المطاف انهدام المجتمع الأسري بالكامل. وفي النهاية نكتشف أن المرأة العنكبوت قد وقعت ضحية الاستغلال المادي من زوجها وعشيقها وعشيق ابنتها الذي أراد استغلالها من خلال مالها”.
والحقيقة أن المرء يُحَار في تصنيف هذا الفيلم فلا هو فيلم مستقل ولا هو فيلم تلفزيوني بل إنه في أحسن الأحوال يراوح بين فيلم الهواة والفيلم التجاري الهزيل من أفلام الدرجة العاشرة ويذّكرنا بالأفلام التي أنتجتها شركة الغانم للسينما خلال الثمانينيات في محاولة لتقليد أسوأ ما أنتجته سينما المقاولات في مصر حيث تتسيّد القضايا والمواضيع “الجنسية” باعتبارها مَدخَلاً ومبرراً لحشو الفيلم بمشاهد السيقان والمسابح والبكيني ومحاولات الاغتصاب.
وهذه الموجة التي ظنناها قد انطفأت مع انطفاء صناعة السينما السورية مطلع التسعينيات نُفاجأ اليوم بأن المخرج محمد قسوم يستلهم روحها في فيلمه الجديد هذا مع انتكاسة على الصعيد الفني والجمالي حيث تغيب أدنى محاولات الاشتغال البصري لصالح اللقطات الضيّقة والوجوه التي تكاد تقفز من الكادر والأداء المُبالغ به إلى حدِّ السخرية حيث يتوالى صراخ الممثلين بأعلى صوتهم بينما يغمض بعضهم الآخر أعينهم ويفتحونها أو يغمزون بها طيلة الوقت في استحضار لنمط أداء أكل عليه الدهر وشرب ولا يزال أبطال الفيلم يعتقدون أن هذا الأسلوب البراني، وهو أسهل ما يمكن للممثل فعله، وسيلة التعبير عن مكنونات الشخصية وتركيبتها النفسية! هذا عدى عن تلاشي مفهوم التكوين السينمائي حيث تظهر الشخصيات ووراءها جدران المنازل التي تدور فيها أحداث الفيلم مع غياب أيّة لقطة خارجية، ربما بسبب عدم استصدار تصاريح التصوير مما دفع صنَّاع الفيلم للاكتفاء بالمشاهد الداخلية!
هذا إلى جانب الخلطة اللونية المتنافرة والموسيقى الملحمية التي تكاد لا تنقطع، وإن كنا نؤمن بأنه لا يمكن بحال من الأحوال الكتابة عن فيلم دون مشاهدته إلا أن إدراكنا بإنعدام فرص العرض لمثل هكذا فيلم دفعنا إلى كتابة هذا الانطباع خاصة بعد أن نشر مخرج الفيلم منشوراً ينتقد عبره نتاج الدراما التلفزيونية السورية لموسم 2020 ملقياً اللوم على كتَّاب السيناريوهات الرديئة.
ونحن بدورنا ندعو المخرج، إن كان يتحلّى بالموضوعية، للنظر إلى فيلمه هذا بالعين التي نظر بها إلى مسلسلات الموسم الفائت التي ينتقدها علّه يدرك الفجوات الواسعة والمؤسفة التي يزخر بها فيلمه ولعلّه يسعى لتداركها في مشاريعه السينمائية المقبلة والكثيرة حسبما يُعلِن، أما وإنّ صحّت نيّة إدارة جامعة دمشق بعرض الفيلم على مدرج الجامعة حسبما صرّح مخرجه فلننظر بتأمل إلى أيّ درك وصل المسؤولون عن النشاطات الفنية والثقافية في هذا الصرح العريق.