السينما المستقلة كاميرا الأحلام الضائعة

موهوبون وليسوا موهومون، رفضوا أن تتكسر أمواج أحلامهم على شواطىء آليات السوق المحكومة بالعلاقات والمصالح والتنازلات، فحملوا كاميراتهم الصغيرة على أكتافهم وكأنها مدافع يصوبونها فى تحد بوجه الجزار وبائع الكبده والكهربائى والسباك، الذين مع كل الإحترام لمهنهم الأصلية، تركوها ليسيطروا على عالم السينما المصرية بأموال لحوم البقر والإتجار فى العملة وما خفى كان اعظم، وراحوا يصيغون القواعد والأصول لكل من سولت له نفسه الإشتغال بالسينما مهما بلغ من الدرجة العلمية والدراسية المتخصصة.

ربما أول تلك القواعد هو أن يقبل بأن يقذف الحذاء بوجهه من المنتج الزفر أثناء التصوير وأن يسب بألعن وأقذع الألفاظ وأن يقبل الإهانه وهو يبتسم (والحدق يفهم).

أوأن يعمل قوادا لفخامة المنتج رأس الجاموسه (عفوا) رأس المال إن لزم الأمر وأن يضع كرامته فى الثلاجة أو ما تبقى منها مهما حدث..كل هذا من أجل أنه وفى النهاية فقط يظهر إسمه على تيتر فيلم ركيك مفكك محشو بالخلطة التى نعرفها جميعا المكونه من شيء من الجنس والهلس والرقص وإفيهات رخيصة وإسقاطات سمجه والتى ترضى أذواق الصيع والمغفلين والمغيبين والمكبوتين أيضا من رواد السينما فيدفعون ثمن التذكره، ومن أجل عيون هؤلاء الذين دفعوا الملايين  تشترى القنوات الفضائية تلك الأفلام فيحصد المنتج الزفر مزيدا من الملايين ولا يبقى للمخرج سوى العار ولا نتذكر له شيئا محترما وربما حتى لا نتذكر إسمه بل ترتبط صورته فى أذهاننا دوما كما فى إحدى اللقطات فى الفيلم الفلته العبقرى (بوحه) لرامى إمام بعد أن داس الجميع على وجهه بالأحذية وبقى فقط علامة النعل جليه واضحه بطول الوجه.

وأمام كل تجار السينما رفع أولئك الموهوبين شعارا واحدا فى وجههم وهو كلمة واحدة مكونه من حرفين متتاليين فى أبجديتنا العربية وهما (ط ، ظ).

(طظ) فى أخرق منع أحدهم من دراسة السينما فى معهد السينما بحكم موقعه فى مكان ربما لم يوضع فيه إلا قليلا الرجل المناسب فى المكان المناسب وهو يستحقها عن جدارة وظن ذلك نفسه خالدا فيها، وهو عبد للجليل القدير المعز المذل الذى يمهل ولا يهمل، طظ فى آليات سوق عفن وأد أحلام وطموحات الكثيرين، طظ فى منتج أحمق ظن أن ماله أخلده فنصب من نفسه إلها من آلهة السينما يحي هذا ويميت ذاك ، قالوها صريحة واضحة (طظ فيكم لا قيمة لكم) لن تمنعونا عن ممارسة هوايتنا ولن تقتلوا إبداعنا سنعمل وننتج ونبدع والعوض على الله فهو لا يضيع أجر من أحسن عملا وحتما سيأتى يوما يعتدل فيه الميزان المقلوب ويأخذ كل ذى حق حقه فمن إستحق النجاح فله النجاح ومن إستحق النسيان فإلى مزبلة التاريخ سيذهب.

بلا قيود

وفى عالم (سينما طظ) لا قيود ولا حواجز ولا حتى رقابة (إن أرادوا) إلا رقابة أنفسهم على أنفسه،واحترامهم لفنهم ولذواتهم، فإن أرادوها إباحية لكانت إباحية ونشروها ووجهوها ولا رقيب عليهم أو سلطان لكنهم لم يفعلوها ولن يفعلوها لأنهم ليسوا كذلك ولأنهم هربوا من جحيم الإسفاف فلن يكونوا مسفين فى عالمهم ولن يتشبهوا بمن هربوا من وجوههم العكره فراحوا يصيغون بكاميراتهم تابلوهات معظمها غاية فى العذوبة وبعضها غاية فى الضعف وإن كان ضعف أضعفهم لهو أقوى بكثير من كل إسفافات سينما المقاولات الجديدة المقنعة.

مرور الكرام

وربما كان مرورهم على الرقابة هذا بأفلامهم مجرد تقليد متبع ليتمكنوا فقط من عرضها جماهيريا (بدون مقابل مادى) فى قصور الثقافة والمراكز الثقافية والجمعيات الأهليه ليقام عليها الندوات والنقاشات فيحصدون غنيمة نجاحهم الحقيقية من نظرات الإعجاب فى أعين من شاهدوا أفلامهم وتطرب أرواحهم لأصوات التصفيق الحاد فتعود لأنفسهم الطاقة ليتأكدوا أن وجودهم ليس عبثا وان لفنهم قيمة.

ولكن مرورهم على الرقابة هذا، وهو إختياري،لم يمنع البعض منهم من التحرر من بعض القيود المفروضة فراح البعض بحرية يتخطى الحدود ليتحدثون عن مواضيع شائكة كانت وستظل من المحظورات فى سينما السوق.

موضوعات شائكة

فنرى نيفين شلبى تتحدث عن الإلحاد وعلاقة العبد بالرب وعن فكرة الإله الصنم الذى صنعناه وعبدناه بمنتهى الحرية فى فيلمها (التمثال) رغم كل المآخذ التى نلاحظها على الفيلم لكنها فكرة شائكة لم تتناولها سينما الكبار -الكبار سنا ومالا- وحتى وإن تناولتها فقد كان ذلك على إستحياء يندى له الجبين خجلا كما رأيناه فى فيلم علاء محجوب (الرقص مع الشيطان) بطولة نور الشريف.

وبعضهم تجاوز فى ألفاظ حوار أفلامه ما تحجبه الرقابة عن سمع جمهور سينما السوق فراحوا يستخدمون كل الألفاظ الممنوعة رقابيا والمألوفة جماهيريا بين أوساط العامة بلا تردد كما سمعنا فى فيلم هانى فوزى (موعد غرامى) ربما فقط تمردا على الحال المائل الذى يرونه والتناقض الغريب فى مواقف الرقابة على المصنفات الفنية التى قد تمنع لفظا يصنف على أنه سوقى أو ذو إيحاء جنسي (أحيانا) خاصة مع السينمائيين الذين يخطون خطواتهم الأولى فى عالم سينما السوق، ولا تمنع رقصة ساخنة مثيرة للغاية لدينا فى فيلم (شارع الهرم)؟ أو مشهد سحاق فى (حين ميسرة) أو حوارا يحلل الشذوذ الجنسي بمنطقية وعقلانية وتأكيدا على أن الله لم يحرم الجنس بين المثليين لحاتم رشيد فى (عمارة يعقوبيان) وغيرهم!

 إنفجار

ولكن حتى تلك اللحظة لم أر فى (سينما طظ) جنسا صريحا ولكنى أيضا أتوقع أن يحدث يوما ما ونرى إنفجارا فى كافة تعبيراتهم بلا حدود ولا قيود وحتى ولا ضوابط أخلاقية وربما نرى منهم ألف (علياء المهدى) أمام وخلف كاميراتهم الديجيتال.

الأمل

وإن كانت جرأة هؤلاء قبيل وبعيد ثوة يناير قد فاقت المعتاد فالمؤكد أنهم الآن وبعد تداعيات تلك الثورة سيقتلون كل بذرة خوف من أنفسهم وسيطلقون العنان لجرأتهم التى لن يستطع أحد أن يتصدى لها او يمنعها.

فإن كان أعظم منجزات تلك الثورة حقا هو إنتزاع الخوف وإلى الأبد من نفوس كافة المصريين فبالطبع ستكون المرآة التى سيتجلى فيها عدم الخوف هذا هم آل سينما طظ.

وإن كان البعض قلقون على مستقبل الفن عموما والسينما خصوصا ويرون أن الثورة قد أطاحت بمبارك لتصنع قسرا من هو أشر من مبارك ، وإن كان البعض يرون أن البعبع القادم هم الإخوان والسلفيون فليعلم الجميع أن الفزاعة التى ستقلق راحة أى بعبع جديد ستكون هى سينما طظ فقط.

فإن كبر البعبع الذى تخشونه وتمكن من إجبار السينما على إرتداء الإسدال هذا إن كان البعبع رحيما بالسينما وأبقاها حيه ولم يقتلها ، فالمؤكد أن لن يستطيع ابدا السيطرة على السينما المستقلة التى لا تهدف إلى الربح المادى ولا تعتمد أصلا فى صناعتها على المال فجميعهم أمام وخلف الكاميرات يعملون بروح الهواه بلا مقابل مادى ويعملون أيضا بدأب وإتقان بروح المحترفين والمقاتلين وضعوا أعينهم مكان عدسات الكاميرات ووضعوا أرواحهم مكان شرائط أفلامها.

وهم يروجون فنهم بلا مقابل فما أيسر توزيع أفلامهم لمختلف دول العالم وكافة اللغات بلا موزع يتحكم فيهم عبر أثير الإنترنت وما اكثر مواقع الإنترنت التى ترحب بإستضافتهم وإستضافة أفلامهم التى ستصلك إلى منزلك وأنت جالسا مكانك بدون أن تدفع مليما واحدا او تكلف نفسك عبء الذهاب إلى السينما وحجز التذكرة .

إدعموهم

إدعموا سينما طظ بكل ما أؤتيتم من قوة فالأمل الوحيد لإنقاذ الصنعةفيهم فقط.وسوف تثبت لكم الأيام صدق هذا الكلام، وربما يأتى على كل تجار سوق السينما الحاليين وقتا يجلسون فيه فى منازلهم بلا عمل ووقتها ربما تفاجأون بهم وقد إتجهوا إلى عالم سينما طظ وقد فعلها بعضهم الآن بعد أن اعطاهم السوق ظهره دون ذكر لأسمائهم الكريمة.

وإن كبر البعبع الذى تخشونه وفعل ما تخشونه فتأكدوا أن شرارة الثورة القادمة وقادتها سيكونون هم رعيل سينما طظ ومع أفلام طظ لنا وقفات قادمة بإذن الله.

Visited 48 times, 1 visit(s) today