“الإبن السيء”.. سردية بصرية لتاريخ سورية قبل البعث وبعده!
نهى سويد
إنَّ التزامَ الحيادِ هو التحدّي الأكبرُ والأكثرُ إيلامًا بالنسبةِ لي في قراءةِ فيلمٍ سينمائيٍّ وثائقيٍّ كنتُ جزءًا من تاريخٍ اسْتعرَضَه، وشاهدةً على بعضِ مآسِيه. أكتبُ وذاكرتي تأخذُني لعمقِ الحدث، لا كي أتخيّلَه وحسب، وإنّما لأعيشَ وجعَ الخذلان، وأدرِكَ حجمَ الخسارةِ مِن جديد.
يصحَبُنا الفيلمُ السوريُّ الابن السيِّئ “The Bad son” لمُخرجِهِ غطفان غنُّوم برحلةٍ عبر الذَّاكرة؛ من استقلالِ سوريا عن الانتدابِ الفرنسيِّ مرورًا بانقلابِ حزب البعث على حكومةِ الجمهوريّة السوريّة، ثمّ استحواذ حافظ الأسد على السّلطة بالقوّة وبتصفياتِ زملاءِ السِّلاح، واعتقالِ رفاقِ الحزب، ليبدأ بعدَها فصلًا جديدًا من تاريخ سوريا يقومُ على مبدأ احتكارِ السّلطةِ وتوريثِها للأبناء، وصولًا إلى الانقلابِ الدُّستوري واستلامِ الأسد الابن للحُكم، وما استجرَّ هذا من أحداثٍ كارثيّةٍ كانتْ ذروتُها ثورةُ 2011. نسجَ غنّوم حكايتَهُ بين تلكَ الحكاياتِ بفرادةٍ وتميُّزٍ، كمواطنٍ سوريٍّ لديه أحلامٌ حُرِمَ من تحقيقِها.
يُجسِّد الفيلمُ بفهمٍ عميقٍ حكايةَ وطنٍ بتاريخٍ أسودَ مليءٍ بالفجائع، ويروي لنا الحقائقَ مسبوكةً بعدّةِ تقنيّاتٍ سرديّةٍ تُثري فكرَ المُشاهِد، وتعزِّزُ مِن تواصلِه مع مفاصلِ الأحداث، كذلك تؤثِّر فيه فتزيدُ من تعاطفِه، دافعةً إيّاه للتأمُّل فيجدُ نفسَه أمامَ روايةٍ آسرةٍ رغمَ دمويّتِها.
يستحضرُ غنُّوم أهمَّ المفاصلِ التاريخيّةِ في حياةِ السوريِّين، كلُّ مفصلٍ يُلفِتُ انتباهَك لتفصيلٍ آخَرَ، قصَّةٌ تتكشّفُ ببطءٍ؛ لم تكنْ جريمةً واحدةً، بل قصَّة عدّةِ جرائمَ مترابطةٍ ومنسوجةٍ كشبكةِ العنكبوت.
انطلقَ الفيلمُ مِن الحاضرِ القريب، بمَشَاهدَ رشيقةٍ عن غزوِ روسيا لأوكرانيا، ثمَّ انتقلَ لحفلِ زفافِ مخرجُه غطفان غنُّوم وكاتبتُه وفاء عاملي.
وفاء هي ابنةُ الثّائر الأهوازيِّ جابر أحمد، الشخصيّة السياسيّة البارزة حيثُ شاركَ في الثَّورة الإيرانيّة التي أسقطتْ نظامَ الشَّاه، وشهدَ على أحداثِها. عرضَ غنّوم سلسلةً من الصُّورِ الأرشيفيّة والمقاطعِ الفيلميّةِ لجابر ورفاقِه توضِّحُ مشاركتَهَم بإنجاحِ الثَّورةِ الإيرانيّةِ، وتوثِّقُ بعدَها ما تلقّوه مِن النظامِ الإيرانيِّ الجديدِ برئاسةِ آيةِ الله الخمينيِّ؛ ملاحقاتٌ واعتقالاتٌ وتهميشٌ وإقصاءٌ أطاحَ بأحلامِ اليسارِ الإيرانيِّ.
هكذا بذكاءٍ مهَّدَ المخرجُ من خلال تلك المَشاهِد لدخولِ روسيا وإيران إلى سوريا ودعمِهِما نظامَ الأسد ضدَّ شعبِه، في إسقاطٍ شفَّافٍ على أنّ عائلةَ الطُّغيان واحدةٌ.
عبر بنيةٍ سرديّةٍ بصريّةٍ متماسكةٍ يرافقُها التعليقُ الصَّوتيُّ الشيِّقُ والمؤثِّرُ لممثِّلِ الدُّوبلاجِ الهولنديُّ دينيس فان لون “Dennis van Loon”، جعلَ غطفان غنُّوم كلَّ صورةٍ أرشيفيّةٍ تنبضُ بالحياة، وكلَّ فيديو صامتٍ يضجُّ بالجمال، إنّها صورُ سوريا بعد الاستقلال، سوريا الدَّولة المدنيَّة قبل تحويلِها إلى معسكرٍ واحدٍ وحزبٍ أوحدَ يتَّشِحُ بلونِ البعث.
بنزاهةِ المتيقِّنِ وببلاغةٍ سينمائيّةٍ، عرَّى غطفان غنّوم نظامَ البعثِ وجَلَدَهُ فنّيًا، عندما نَقَلَنا لمرحلةٍ هامَّةٍ في تاريخ سوريا وهي لحظةُ تصفيةِ حافظ الأسد، وزير الدِّفاعِ آنذاك، لرفاقِهِ المشاركين معه بالانقلاب، واستحواذِه المطلَقِ على السُّلطة، مستخدمًا مجموعةَ أفلامٍ أرشيفيّةٍ تُظهِرُ بوضوحٍ كيفَ استطاعَ حافظُ الأسد بناءَ إمبراطوريّته الدِّيكتاتوريّة، تلك السُّلطةُ التي سخَّرتْ مُقدَّراتِ سوريا واستغلَّتْ كلَّ تفصيلٍ اقتصاديٍّ واجتماعيٍّ وسياسيٍّ ودوليٍّ لخدمةِ مصالِحِها وثباتِها في الحُكمِ حتّى ولو أَزْهَقَتْ من أجل ذلك آلافَ الأرواح.
توقَّفَ غنُّوم في هذا السياقِ عندَ عدَّةِ محطَّاتٍ مفصليَّةٍ من تاريخِ سوريا السياسيِّ في تلك المرحلةِ وأضاءَ على بعضِ الحركاتِ الاحتجاجيَّةِ التي عارَضَتِ السُّلطةَ في مسيرتِها لإحكامِ قَبضَتِها على مفاصلِ الحياةِ العامَّةِ فيها، فتناولَ أحداثَ مدينةِ حماة ثمانينيَّاتِ القرنِ الماضي، وأحداثَ مدينةِ القامشلي 2004 مبيِّنًا محاولاتِ فئاتٍ عريضةٍ من السوريِّينَ للخروجِ مِن واقعٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ غيرِ طبيعيٍّ بدأ يُفرَضُ عليهم بالقوّة.
إلّا أنَّ غنُّوم أغفَلَ في هذا الاستعراضِ مَشهدًا سياسيًّا هامًّا في تاريخِ نضالِ السوريِّين ضدَّ هذا السُّلوكِ السُّلطويِّ، وهو عديدُ محاولاتِ قوى اليسارِ السوريِّ، ولا سيَّما رابطةُ العملِ وحزبُ العملِ الشيوعيِّ والكثيرُ من الكوادر السياسيَّةِ اليساريَّةِ الهامَّةِ من مختلفِ الانتماءاتِ والأحزابِ، التي تعرَّضتْ إلى الكثيرِ مِن حَملاتِ الاعتقالِ المُمَنهَجَةِ والتَّعذيبِ والسَّجنِ لفتراتٍ زمنيّةٍ طويلةٍ احتجاجًا ونضالًا ورفضًا لواقعٍ سياسيٍّ ومسارٍ سلطويٍّ أسَّسَ لحكمِ الجمهوريّةِ كمزرعةٍ خاصَّةٍ، ولا سيَّما أنَّ معظمَ كوادرِ وأعضاءِ تلكَ الأحزابِ والحركاتِ السياسيَّةِ كانتْ من أقلّــيّاتِ المجتمعِ السوريِّ التي تسلَّحَ بها النِّظامُ وادّعى أمامَ العالَمِ حمايتَها مِن الإرهابِ الإسلاميِّ المتطرِّف بعد 2011.
في لحظةٍ عصيبةٍ مِن تاريخِ سوريا وُلِدَ غطفان غنُّوم – الابن السيِّئ – كما يصفُ نفسَه، ما يستدعي سؤالًا هنا عن سببِ هذا الوَصف!؟
هل تَحَمّلَتْ أسرةُ غنُّوم وأهلُوه أعباءَ مسيرتِهِ الحياتيَّةِ الخاصَّةِ ولا سيَّما التعليميَّة والمهنيَّة المربَكتَين وقلقَهَم الدَّائمَ على مصيرِه ـ كما وصلَنا عبر الفيلم – هو السَّببُ المباشرُ لهذا الوصف؟ لربّما نستطيعُ الاجتهادَ في التَّحليلِ لنقولَ: إنّ أنظمةَ الحكمِ السيِّئةَ والقائدَ السيِّئَ يخلِقُ ظروفًا استثنائيَّةً سيِّئةً تتسبَّبُ بتعاسةِ مواطنيها وتذهبُ بهم إلى أقصى حدودِ السُّوءِ والتردِّي على الصُّعُدِ كافّةً، فالقائدُ السيِّئُ يعكس سُوءَه على كلِّ الدَّولةِ والمجتمعِ وأفرادِه، فهذا الابنُ السيِّئُ – غنُّوم كما يصفُ نفسَه – مِنْ ذاكَ الابنِ السيِّئِ الذي وَرِثَ الدَّولةَ عن أبيهِ السيِّئِ.
يتحرَّكُ غنّوم بمشاهدِهِ بين الماضي والحاضر، بين الواقِع والذَّاكرة، يبدأُ بسردِ حكايتِه الخاصَّةِ بالتَّوازي معَ الحكايةِ السُّوريَّة، وينسجُ بين الحكايتَين بحبكةٍ شيِّقَةٍ مكَّنَتْهُ مِنْ جَذْبِ انتباهِ المُشاهِدِ وزادتْ مِنْ تعاطُفِهِ، فشكَّلَ تطوُّرُ أحداثِ سيرتِهِ الذاتيَّةِ ونموُّها المتسارِعُ العنصرَ الدراميَّ المحوريَّ في بنيةِ الفيلم.
يكشفُ المخرجُ مِن خلالِ مَعركتِهِ الشّخصيّةِ مع السُّلطَةِ تفاصيلَ حياةٍ محفوفةٍ بالمخاطرِ ومليئةٍ بالتحدّيات، بدأتْ تأثيراتُها السَّلبيَّةُ من تاريخِ فصلِه التَّعسُّفيِّ مِنَ المعهدِ العالي للفنونِ المسرحيَّة، إلى رفْضِ وزارةِ التعليمِ تعديلَ شهادتِه بعد أنْ أكملَ دراستَه في مولدوفا، ثمّ تتالى المَنْعُ بعدَ الآخَرِ إلى أنْ بدأتْ مرحلةٌ جديدةٌ مِن حياتِه وحياةِ السوريِّينَ عامَ 2011، لنتعرّفَ هنا على غطفان الثّائِر ابن حيِّ (بابا عمرو) في مدينةِ حِمص قلبِ الثَّورةِ السوريّةِ.
قدَّمَ كلٌّ مِنَ المُخرِجِ وكاتبةِ السِّيناريو وفاء عاملي، إحاطةً وافيةً بسياقِ وتفاصيلِ وتَسلسلِ أحداثِ ثورةِ السُّوريِّينَ عامَ 2011، فأعادَ الفيلمُ صياغةَ هذهِ الفترةِ بجماليّاتِها وقُبْحِها، وبمَشهَديَّةٍ فنّيةٍ تتجاوزُ مهمَّةَ التَّوثيقِ لتدعوَ المتلقِّي إلى التَّأمُّلِ والتَّحليل.
وَثّقَ الفيلمُ بكلِّ حِرصٍ بشاعةَ السُّلطةِ الأمنيَّةِ، وأضاءَ على العُنفِ الذي مُورِسَ ضدَّ المعتَقَلِين بموضوعيَّةٍ تَصدِمُ المُشاهِدَ، كما صوَّرَ المُخرِجُ شهاداتٍ مباشرةً مع سفراءَ وصحفيِّينَ سوريِّينَ وأجانبَ عاصَروا عَهدَ حُكمِ حافظِ الأسد، فأغنتْ هذهِ اللِّقاءاتُ المحتوى الفكريَّ للفيلم، وزادتْ من مصداقيَّتِه.
وبالقَدْرِ نفسِهِ مِن المصداقيّةِ تناولَ الفيلمُ تأثيرَ العُنفِ على الإنسان، إذْ لا يمكنُ للمتلقِّي أنْ ينسَى المشهَدَ الذي ظهَرَ فيه خالد الحمد – جارُ المُخرِج – الملقَّبُ بأبي صقار وهو يلتهمُ كبدَ عنصرٍ شبِّيحٍ في نظام الأسد انتقامًا لمقتلِ ابنِه، المَشهدُ الذي يتطلَّبُ جهدًا مؤلِمًا لاستيعابِه، والذي أحدثَ تحوّلاتٍ جذريَّةً في فَهْمِ سياقِ الثّورةِ عند الكثيرِين مِنَ السوريِّين وعند المجتمعِ الغربيِّ على حدٍّ سواء. فغيابُ العدالةِ وتكريسُ العُنفِ يوّلدُ عُنفًا مضادًّا بالتَّأكيد، ووحشيّةُ البشرِ وشراستُهُم أشدُّ فَتْكًا من وحشيَّةِ الحروب، وبالتالي إمكانيَّةُ القَتْلِ بأبشعِ الطُّرُقِ تُصبحُ متوفِّرةً.
إنّ الرَّبطَ بين سيرةِ ومعاناةِ المناضِل والكاتِبِ الأهوازيِّ جابر أحمد، الرَّجلِ المحكومِ غيابيًّا بالإعدامِ في إيران وسيرةِ غطفان غنّوم، إضاءةٌ لافتةٌ من كاتبةِ العَمل ابنةِ (الأهواز) وفاء عاملي، وكأنّها تقولُ لنا: إنّ التيّاراتِ الأصوليَّةَ سرَقَتِ الثَّورةَ مِن كلَيهما، ففي إيران حَكَمَ نظامُ الملالي، وفي سوريا تصدَّرَ الإسلامُ السياسيُّ والجهاتُ المتطرِّفةُ المشهدَ العام.
تكمُنُ جماليّةُ اللُّغةِ البصريَّةِ للفيلم بتنوُّعِ تقنيّاتِهِ التي جمَعَتْ بين الصُّوَرِ والأفلامِ الأرشيفيَّة، وبين إعادةِ تمثيلِ بعضِ المشاهِدِ بتقنيّةِ التّحريك (رسوم متحرِّكة) وبين ما وثّقَهُ المخرجُ بكاميرتِه من لقطاتٍ مؤثِّرةٍ ومقاطع فيديو ومقابلاتٍ، ثمّ يأتي المونتاجُ البطلُ الحقيقيُّ للفيلم والذي أبرزَ بوضوحٍ براعةَ المخرِجِ في تطويعِ تلكَ التقنيّاتِ المتنوّعةِ مع بعضِها بعضًا على اختلافِ أدواتِها حيثُ تركتْ كلُّ تقنيّةٍ أثرَهَا الموضوعيَّ وتأثيرَها الذاتيَّ مساهِمَةً في صياغةِ موضوعِ الفيلم وسردِهِ الفِكريِّ والبَصريِّ، والصَّامتِ، وأتتْ مسبوكةً برؤيةٍ فنّيةٍ تشدُّ المُشاهِدَ، وتثيرُ اهتمامَه دون أنْ تمسَّ بأخلاقيّاتِ توثيقِ ونقْلِ الحقيقة.
في مشهدٍ مؤثِّرٍ لرفاقِ طفولةِ غطفان غنُّوم وهم يَرقصونَ في حفلٍ صغيرٍ على وقعِ أنغامِ أغنيةٍ سوريَّةٍ، يفاجِئُنا غطفان بإحدى تقنيّاتِه البصريّةِ بين (سكيتشات) من أعمالِه المسرحيّة، وبين سلسلةٍ من الصُّوَر ومقاطع الفيديو التي تُظهِرُ طريقةَ قتْلِ كلِّ واحدٍ منهم، جميعُهم ماتوا، شبابٌ مدنيّونَ ذنبُهُم أنَّهم حلموا ببلدٍ تسودُه العدالة، وكأنَّه أرادَ أنْ يقولَ للعالَم بأنَّ هؤلاء الحالمين هم الوجهُ الحقيقيُّ لسوريا وثورَتِها.
عمدَ المخرجُ إلى تأطيرِ بعضِ اللَّقطات، متقصّدًا أنْ يضَعَ المتفرِّجَ وجهًا لوجِهٍ مع بشاعَةِ الحَدَثِ، لنرى مَشاهِدَ الدِّماء، ووجوهًا وأجسادًا مشوَّهَةً، وأطفالًا يُنتشَلونَ من تحت الركام، ودمارًا وخرابًا، وقصفًا همجيًّا، وموتًا محدِقًا. يبدو أنّ إظهارَ الحَجمِ الحقيقيِّ من المعاناة الإنسانيّةِ التي تفوقُ التَّصوُّرَ ضرورةٌ حتّى وإنْ كانتْ مؤذِيةً للرَّائي، فمِنْ غير المُجدي سردُ القصَّةِ دونَها، إنَّ التاريخَ الحقيقيَّ يكمنُ هنا، وفي هذه التّفاصيل.
شكَّلتِ الموسيقى التّصويريّةُ للموسيقيِّ الأوكرانيِّ بوريس سيفاستيانوف “Boris Sevastyanov” عنصرًا آخَرَ داعمًا للسَّردِ، فكانتْ حلَقَةَ الوصلِ بين مَشاهِدِ الفيلم، وجِسْرَ العبورِ بين موضوعاتِه المتنوِّعة وتقنيّاتِه السَّرديّة والبَصريَّةِ المتعدِّدة، فنجَحتْ بوضعِ المتفرِّجِ في مناخِ الفيلم، وإثارةِ مشاعِرِه دونَ الإفراطِ في شَحنِها، فكانتْ موسيقى متَّزِنةً ملتزمةً للحيادِ، كما لعبتْ دورًا في دفعِ السَّردِ للأمامِ والارتقاءِ ببعضِ المَشاهِد. فاستحقّتْ بالفعلِ ترشيحَها كأفضلِ موسيقى تصويريّةٍ في مهرجانِWorld Class Film Awards” “.
من الواضحِ أنّ فيلم (الابن السيِّئ) موجَّهٌ للجمهورِ الغربيِّ بشكلٍ خاصّ، عدا عن كونِه فيلمًا ناطقًا باللّغة الإنجليزيّة، جاءَ تقسيمُه موضوعيًّا إلى عدّة فصولٍ، فحمَلَ كلُّ فصلٍ منه عنوانًا لفيلمٍ عالميٍّ مثل (القيامة الآن، الديكتاتور العظيم، أوغادٌ مجهولون، العرّاب، صائدُ الغزلان، الجريمةُ والعقاب، ذهبَ مَع الريح…).
تتقاطعُ المضامينُ الفكريّةُ لتلك الأفلامِ مع مضامينِ فصولِ فيلمِ الابن السيِّئ، فيما نظنُّ أنَّ هذه المقاربةَ رسالةٌ من صانِعِه للعالَم أجمَع مفادُها: لسنا كسوريِّينَ استثناءً قِيَميًّا، فلكُم كوارِثُكُم السياسيِّة والإنسانيِّة وفتراتُ سقوطِكُم في الخرابِ الأخلاقيِّ أيضًا، فكما نعيشُ كارثتَنا الآنَ، سبقَ وعشتُم تجاربَ بمنتهى البشاعةِ إلى أنْ استقامَتْ أحوالُ دُوَلِكُم وأصبَحَتْ مستقرَّةً، فلا تَنظُرُوا إلَينا باستغرابٍ ولا تُطلِقوا أحكامَكَم وتصنيفاتِكُم علينا بالنَّظرِ إلى مشهدٍ لَحظيٍّ في تاريخٍ طويل.
فيلمُ الابن السيِّئ فيلمٌ وثائقيٌّ تاريخيٌّ ذو خصوصيَّةٍ سرديّةٍ، يُعَدُّ وثيقةً بصريّةً هامّةً ستبقى حيَّةً في أذهانِ السوريِّين، وسيذكُرُه العالَمُ كثيرًا كلَّما تحدَّثَ عن شعبٍ ذُبِحَ تحتَ مِقصلةِ حاكِمِهِ وأمامَ أنظارِ العالَمِ كُلِّهِ.
تستمرُّ مشاركةُ الفيلم بالمهرجاناتِ السينمائيَّةِ الدّوليّة، وقد حَصَدَ أربعَ جوائزَ كانتْ آخرُها جائزةَ أفضلِ فيلمٍ صادِمٍ في مهرجانِ قلبِ أوروبّا السينمائيِّ وهو مرشَّحٌ حتّى الآنَ لأربعِ جوائزَ أخرى مِن بينِها جائزةُ جلوب لأفضلِ مُخرجٍ في World Class Film Awards” “.