“إيقاعات كازابلانكا”.. الفيلم المغربي في مسابقة كان
بقلم: جيسيكا كيانغ
ترجمة: رشا كمال
“عليك بتغيير هذا الوضع، طالما لم تختره من الاساس” هذه المقولة هي التي يبني حولها المخرج المغربي نبيل عيوش فيلمه “إيقاعات كازبلانكا”Casablanca Beats لموسيقى الشارع، أو الهيب- هوب، بأسلوب غير مترابط ولكن مفعم بالدفء.
هذا الفيلم هو ثالث عمل من إخراجه يعرض في مهرجان كان، وأول مشاركة له في المسابقة الرسمية. والفيلم قد يمثل نداء استغاثة لأي مجموعة شبابية من النشطاء في أي مكان حول العالم، ولكن هنا تقع الأحداث تحديدا في حجرة الموسيقى في مركز فنون الدار البيضاء، وفيها نرى التكاتف والمشاحنات بين مجموعة من المراهقين المحليين من خلال موسيقى الهيب-هوب، والتي تمنح فيلم عيوش الاحساس بوقع التمرد على الحياة الحقيقية النابع من اللحظة الآنية، لإثبات فكرة أن الموسيقى قادرة على خلق وبناء حراك ثوري.
هذا النوع من الأفلام يعد احتفاء واعتراضا في الوقت نفسه، من خلال الاستعانة بمرتادي مركز الفنون لتأدية أدوارهم الحقيقية في الحياة، أي شخصيات خيالية مستوحاة من شخوصهم الحقيقية. ولا ينقل عيوش حكاية منطقة سيدي مؤمن الشهيرة في مدينة الدار البيضاء، التي يعرفها جيدا بحكم إقامته الطويلة في المدينة فحسب، بل يعمل أيضا على إحداث تغيير داخل هذا المجتمع، حيث أعد وجهز لتصوير هذا الفيلم لمدة استغرقت عامين، فنرى دعم المخرج الواضح لهذا النوع من المؤسسات التعليمية، ومعلمين مثل أنس بسبوسي، وهو ايضاً كان مغني راب ثم اتجه إلى التدريس.
لذا فإن “ايقاعات كازابلانكا” Casablanca beats واستخدامه ممثلين غير محترفين، واماكن حقيقية للتصوير، يعتبر خليطا مُسليا من الأسلوب الوثائقي والروائي معاً، وينعكس هذا في جماليات الصورة الحيوية التي ينقلها كل من مديري التصوير فيرجيني سورديج، وأمين مسعدي. ولكن المحاولات الاخرى للمخرج للمزج بين الأسلوب والعناصر النمطية لم تكن جيدة.
على سبيل المثال أسلوب سينما الحقيقة بهدف التعليق الاجتماعي، لم يتماشى مع القالب الروائي التقليدي لحكايات المعلم المُلهم، وصولاً للحظات الأخيرة في الفيلم، حين تقف مجموعة متنوعة من المراهقين المغاربة من مغنيي الراب على أسطح أحد المباني، لغناء مقطوعة قصيرة مثل قصيدة «أيها القائد! يا قائدي» من فيلم “جمعية الشعراء الموتى” Dead poet society.
تبدأ أحداث الفيلم بوصول أنس معلم موسيقى الهيب-هوب الجديد إلى مدينة الدار البيضاء. نحن لا نعلم عن حياته الماضية سوى القليل، من خلال مناقشة دارت بين أحد الطلاب الذي ضرب مثالا قديما أن من لا يفلح في حياته يتجه إلى التدريس، إشارة إلى فشل أنس في حياته الموسيقية.
ويتم تأسيس وبناء رد الفعل القاسي من أنس على هذا بسرعة وبإحكام، فهو يقوم أولاً برسم جدارية على أحد حوائط الفصل الدراسي لمشاكسة ربة عمله الجديد، المسؤولة عن المركز الفني، ذات العيون المرهقة، والتي يقع على عاتقها مهمة لا تنال الشكر عليها، لتعاملها مع أولياء الأمور الغاضبين من سوء المكان، واعتباره مرتعا لإفساد أخلاق بناتهم.
ثانيا: اللامبالاة التي أبداها عند استماعه للمحاولات الأولى من طلابه في كتابة أغاني الراب وتحليلها بالتفصيل وبدون رحمة، كما لو كان أحد الحكام المزعجين في برامج المواهب الغنائية.
تبادل الطلاب النظرات المقلقة فيما بينهم، ثم حاولوا بعد ذلك بذل قصارى جهدهم، لكي ينالوا اعجاب معلمهم الجديد، وينجح البعض منهم في ذلك، خاصة الفتاتان اللتان تكونان ثنائياً غنائياً لأغاني الراب النسوية، وهي واحدة من افضل اغاني الفيلم وأكثرهن تألقا، حتى ولو كنا نأمل تطويرها الى أغنية كاملة بدلا من الاكتفاء بمقطع منها فقط.
ويتخلل المقاطع المصورة بأسلوب وثائقي للفصل الدراسي، وجلسات تسجيل الاغاني، والاداءات المرتجلة، خطوط درامية تتتبع الحياة العائلية للطلاب، بدلا من استغلالها لكشف المزيد عن الشخصية الجذابة للمعلم بلا جذور، وترك شخصيته غير مكتملة، فنرى لقطات عديدة له وهو يصادق ويعطف على احد الكلاب الضالة.
وبالطبع هناك الكثير من القطع الموسيقية الرائعة طوال الفيلم، والمؤلفين الموسيقيين الأصلين هما مايك وفابيان كورتزر، بالإضافة إلى مقاطع موسيقية قصيرة مثل المقاطع التي يمكن استخراجها من اغاني افلام بوليوود الباذخة.
هناك إحساس واضح بوصول الفيلم لغاياته المنشودة، فقد تمكن عيوش بالفعل من تشكيل وإتمام السرد أثناء التصوير.
ورغم ان هذا الأسلوب في العمل يمنحه عفوية وتلقائية، ولكن يأخذ منه في المقابل تطور منحنى مشاعر الشخصيات، واللحظات الدرامية القوية. ويحتوي الفيلم على العديد من الخيوط الضعيفة لقصص صغيرة، تقع تعقيداتها وذروتها خارج الشاشة، مثل حكاية الفتاة التي يتبرأ منها شقيقها لرغبتها في الأداء أمام الجمهور، أو تلك التي منعها والداها من حضور الدروس، قبل أن تتمكن من التسلل، ويلقى والداها موعظة اخلاقية على مسؤولي المعهد البؤساء.
وهناك أحد الشباب الذي استحق لقب الإمام بسبب تعبيراته المتزمتة لزميلاته في الفصل فيما يتعلق بالآداب الدينية.
وهناك حكاية أخرى عن النيل منه في التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، عندما يتجرأ ويقول إن المسيحيين ليسوا سيئين لهذه الدرجة.
قلة الاهتمام بتعميق هذه الخطوط الدرامية في أدت إلى تسطيح التنوع الداخلي للمسائل المتعلقة بإبداء الرأي، والقيود الدينية، والتصرفات داخل المجموعة، من أجل منح انطباع عن التضامن والمصلحة المشتركة.
ربما يكون الأمر عفويا عند خلق حالة غنائية لكورال موسيقى الهيب هوب، لأن هذا النوع تحديداً من الموسيقى يعتبر وسيطا للتعبير الإبداعي الفردي، أي لصوت فردي يتغنى بالحقيقة، ولكن تصعب المجادلة هنا عندما تكون النتيجة النهائية مليئة بنشاط وحيوية شبابية لا تقاوم.
عن مجلة فارايتي الأمريكية بتاريخ 15 يوليو 2021