إشكالية ترجمة أسماء الأفلام الأجنبية إلى العربية
النقد السينمائي ليس فقط تحليل للفيلم أو قراءة له، بل اجتهاد في ترجمة الكثير من الكلمات التي ترد فيه – أتحدث هنا عن الفيلم الأجنبي- الذي يستلزم معرفة ما باللغات الأجنبية، ومعرفة باللغة العربية التي يكتب بها الناقد.
أول ما يستحق اهتمام الناقد ويتعين عليه الاجتهاد فيه هو ترجمة اسم الفيلم نفسه وليس الاستسهال والكسل والاكتفاء بكتابة الاسم باللغة الانجليزية فقط أو الفرنسية، بل إنني ذهلت ممن يكتبون اسماء الأفلام بالحروف الأجنبية في عناوين مقالاتهم، ويستنكفون ترجمة الاسم أو بذل أي جهد في التوصل الى الاسم قياسا الى المعنى المقصود منه، وقد نشأنا وتعلمنا أن فيلم فيلليني “لادولشي فيتا” هو “الحياة الحلوة”، وأن فيلم لورنس أوف أرابيا هو “لورنس العرب” (وليس لورنس العربية أي الجزيرة العربية كما يقول العنوان الانجليزي حرفيا) وهكذا.
والاجتهاد في الترجمة حتى لو اختلفت ترجمات النقاد يساهم في اثراء اللغة والنقد السينمائي، ويرسخ فكرة اننا نتوجه لقاريء عربي قد لا يفهم ما يكتبه البعض أحيانا سواء الذين يتركون اسم الفيلم باللغة الانجليزية (مثل فيلم The Day The Fish came Out) او الذين يصل بهم الأمر الى كتابة الحروف الأجنبية بالعربية كأن يكتبون مثل اسم الفيلم على هذه الشاكلة “ذي داي ذي فيش كيم أوت” وهي قمة المهزلة بالطبع. سيجادب البعض بأن ترجمة اسم الفيلم تجعل من الصعب على القاريء أن يتعرف على الفيلم المقصود خاصة عندما تتعدد الترجمات. وأقول: هنا يجب أن يضع الناقد اسم الفيلم بلغته الأصلية أمام الترجمة داخل المتن وليس في العنوان والا بدت الصفحة التي نكتب فيها مثل صفحة “فرانكو آراب” هزلية ليس من الممكن التعامل معها بجدية. والفيلم الأجنبي أيضا ليس مثل الأغنية الأجنبية التي تكتب كلماتها عادة بلغتها الأصلية وتفقد معناها وايقاعها اذا ترجمناها.
وهناك ترجمات عربية لأسماء الأفلام الأجنبية لابة بل وملهمة كأن يترجم أحدهم مثلا فيلم “ران” Ran لكيروساوا بمعنى “قبض الريح”.. أي أن الترجمة هنا للمعنى، وليست لحرفية الكلمة أو العنوان، أو يترجم ناقد آخر اسم فيلم Lunga vita alla signora الإيطالي للمخرج إيرمانو أولمي (بالانجليزية Long Live the Lady).. “حياة مديدة للسيدة العجوز” ولا يترجمه كما في العنوان الأجنبي “تعيش السيدة طويلا” أو “فلتعش السيدة حياة طويلة”.. ولا حتى “حياة مديدة للسيدة” لأن السيدة التي نشاهدها في هذا الفيلم البديع ليست مثل اي سيدة أخرى، ولا هي فقط ارستقراطية بل عجوز عاشت بالفعل طويلا جدتا، وهي في الفيلم رمز مخيف وليست مجرد شخصية طببيعية. وينبغي مشاهدة الفيلم أولا ليدرك القاريء ما أعنيه. فمن شاهد الفيلم ليس كمن لم يشاهده بالقطع، فبعد المشاهدة يتضح أكثر المعنى المقصود من العنوان وبالتالي يمكن الاجتهاد في العثور على ترجمة عربية مناسبة لاسم الفيلم ليس شرطا أن تكون مخلصة للعنوان الأصلي.
الانجليز على سبيل المثال ترجموا اسم الفيلم الصيني الشهير للمخرج جانغ أو جانج ييمو (وليس زانج- بحرف الزين- كما يكتبه معظم النقاد) Raise the Red Lantern أي “إرفع المصباح الأحمر” في حين أن الترجمة العربية الأفضل طبقا لما نشاهده في الفيلم نفسه “إرفعوا المصابيح الحمراء” (وليس المصباح فهم في الحقيقة يرفعون مصابيح عدة على باب إقامة الزوجة الرابعة عندما يكون الزوج الاقطاعي في طريقه لقضاء الليلة معها.
أجيال من نقاد السينما وهواة السينما والمولعين بها بل وأساتذتها أصلا يعرفون عن ظهر قلب أن فيلم سكورسيزي الشهير هو “الإغوااء الأخير للمسيح” وليس “آخر إغراء للمسيح” The Last Teptation of Jesus Christ كما أنه ليس “إغواء يسوع المسيح الأخير”، وربما لو قلنا ذلك لاتجه فكر الكثيرين الى أننا نتكلم عن فيلم آخر. وكما قلت، فمن المفيد دائما وضع اسم الفيلم الاصلي باللغة الأجنبية الى جوار الترجمة وذلك عند المرة الاولى التي يرد فيها إسم الفيلم داخل متن المقال وليس في عنوان المقال أبدا فنحن لا نكتب لغات مخلطة أومختلطة (مثل الدستور المختلط الذي جعله بعض الحمقى فارغا من كل محتوى!!) بل نكتب ترجمة عربية لاسم الفيلم نريد للعالم العربي بأسره أن يتبناها وأن يعرفها الجميع. “الحياة الحلوة” La dolce Vita– عنوان فيلم فيلليني الشهير، مقصود بها في الفيلم وفي التعبير الإيطالي اللغوي حياة اللهو والسهر والليل والعبث وليس الحياة الحلوة بمعنى الحياة الجميلة.. وهناك فيلم إيطالي آخر شهير باسم “الحياة جميلة” للمخرج الممثل روبرتو بنيني والاسم بالايطالية هو La vita è bella وترجموه الانجليز إلى الانجليزية Life is Beautiful.
أرجو أن أكون قد أوصلت الفكرة.