“19 ب”.. حبكة مفككة وحلول ساذجة

محمد كمال

يعتبر فيلم “19 ب”  للمخرج أحمد عبدالله أكثر الأفلام التي رصدت حالة كبيرة داخل فعاليات الدورة 44 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ليس فقط لأسباب فنية متعلقة بمستوى الفيلم نفسه بل بسبب الجدل الذي سبق العرض الأول للفيلم ونفاذ تذاكر بعد فتح شباك التذاكر بأقل من 10 دقائق وما تردد حول قيام الشركة المنتجة بحجز قاعة الأوركسترا بالمسرح الكبير كاملة وهو أمر يتعلق بإدارة المهرجان في المقام الأول وليس له علاقة بالمنتج النهائي للعمل على الشاشة فهناك أفلام ليست بالكثيرة نالت ردود فعل بعد عرضها على غرار التحفة البولندية “إيو”  لكن “19 ب” حقق ردود الفعل والجدل قبل العرض ويمكن اعتبار أن هذا هو النجاح الوحيد الذي حققه الفيلم الذي يحمل الرقم 6 في مسيرة مخرجه ومؤلفه، ويشارك في بطولته سيد رجب وناهد السباعي وأحمد خالد صالح.

نتفق أو نختلف لكن هذا لا يمنع أن أحمد عبد الله أحد أهم وأفضل المخرجين المصريين على الساحة حاليا ومنذ بدايته حققت أفلامه نجاحات كبيرة ونال إشادات نقدية عديدة خاصة تجربته الأبرز “ميكروفون” ومن بعدها “ديكور” وأيضا التجريب وجرأة المغامرة في “فرش وغطا” وفي هذا العام يعود لمهرجانه المفضل الذي سبق ونالت أفلامه جوائز مختلفة فيه بفيلمه الجديد “19 ب”.

ينتمي “19 ب” إلى أفلام دراما المكان، فمعظم الأحداث تدور في مكان واحد عقار قديم متهالك يحمل رقم “19 ب” تركه المالكون منذ أعوام ونفس الحال الورثم لم يعودوا يسألوا عنه وهذا العقار عبارة عن فيلا قديمة يقطنها في الوقت الحاضر حارس هذا العقار “سيد رجب” الذي يعيش فيه بمفرده منذ فترة طويلة، ورغم أن المنزل آيل للسقوط إلا أن هذا الحارس يرفض ترك العقار خاصة وان مرتبه يتواجد كل شهر ويقوم بسحبه من ماكينات الصراف الآلي، ورغم حالة التدني الذي وصل إليه المبنى مع سيطرة الفئران التي أصبحت تقطع حتى أسلاك الكهرباء يوميا.

يعيش العجوز في المنزل القديم المتهالك ومعه كلب يدعى “عنتر” ومجموعة من القطط ويتولى هذا الرجل رعايتهم وإطعامهم وتساعده طبيبة جارته لديها ولع وعشق بالحيوانات، ويتمسك العجوز بالبقاء في المنزل رغم رفض ابنته يارا “ناهد السباعي” التي تعيش مع زوجها ويبدو أن العالقة بينهما غير مستقرة، ويسلك الرجل العجوز طقوسا ثابتة يومية مثل إطعام الحيوانات وسماع الموسيقى في الراديو والجلوس مع حارس العقار المجاور.

خلال تلك الطقوس اليومية يراقب الحارس العجوز من شرفة منزله وعن بعد التغييرات التي طرأت على الشارع الذي يقطن فيه من خلال شخصية نصر “أحمد خالد صالح” وهو السايس الذي يسيطر على المنطقة ككل ومعه مجموعة من الأتباع.

أثناء قيام العجوز بمتابعة ما يحدث في الشارع من بعيد وخلال الفترة الأولى من الفيلم يضعنا أحمد عبد الله أمام عالمين بينهما تناقض كبير وهو الأمر الذي أجاده أحمد عبد الله في أفلامه السابقة خاصة، في مسألة الربط بين عوالمه وبشكل العام هذا الربط أو هذه النقطة تحديدا تكون هي المحورية في استمرار قوة الحبكة حتى النهاية، وهذا ا لم يحدث في “19 ب” بعد بداية الفترة الخاصة بالالتقاء التدريجي لعالم حارس العقار مع عالم نصر غرقت الحبكة في مشاهد لا تدعمها ولا تقدم أي جديد سوى تكرار البدايات وهذا أظهر فراغات شاسعة في السيناريو خاصة في الجزء الثاني من الفيلم.

وبرغم نجاح أحمد عبد الله في البداية في رسم التمهيد الخاص بالعالمين لكن إذا قمنا بفصل كل عالم وتحدثنا عنه بشكل منفصل نجد أن دوفاع الشخصيات غير واضحة على سبيل المثال عزلة حارس العقار وتمسكه الشديد بالبقاء في المنزل المتهالك وعلاقته بالحيوانات هل مثلا يجد فيهم بدائل عن البشر لكنه في نفس الوقت يتعامل مع حارس العقار المجاور وأيضا الطبيبة وابنته حتى ماردونا مساعد نصر أي أن العجوز لا يرفض التعامل الإنساني ولا يخشاه،

ونفس الحال شخصية نصر قد يكون عبد الله قدم الحل السهل في تبرير تلك الشخصية بأنه سجين سابق لكن هذا لم يكن كافيا لفهم طبيعته والحال الذي وصل له وأيضا علاقته مع حارس العقار، في معظم الكتب والمراجع المتعلقة بدراسات النقد السينمائي هناك قاعدة بدائية بسيطة وهي تجربة حذف الشخصية من الفيلم وهل تتأثر الأحداث في حالة حذفها؟ وهذا ما يمكن أن نطبقه على شخصية يارا التي كتن يمكن الاستغناء عنها دون أن تتأثر الحبكة، بالتالي أيضا علاقة يارا السابقة بنصر التي ظهرت فجأة وكأنها مقحمة على الأحداث فمن دون أي تمهيد نجد أن هناك معرفة مسبقة بين الثنائي.

بعد التقاء العالمين (حارس العقار والسايس) احتوى الفيلم على مشاهد طويلة ومكررة على غرار البداية احتوت على مساحات كبيرة لم تساهم في تحقيق أي تقدم درامي للحبكة على غرار علاقة العجوز بالحيوانات والمساحة الكبيرة لأصوات الأغنيات في الراديو وكذلك الآذان في الخلفية، كلها أشياء رغم وجودها بشكل مكثف إلا أنها لم تفيد الأحداث أو تؤثر في الأحداث بشئ ملفت.

بعد اقتحام نصر بالقوة عاالم العجوز وفرض السيطرة عليه من خلال استخدام المنزل كمخزن يتم وضع “البضاعة” بوضع اليد ومن بعدها نصيحة المحامي الكبير لحارس العقار بتحقيق الاستفادة الأكبر من المنزل بجملة “مشي حالك وكل عيش” وأصبح الوضع أمام أمرين إما أن يستسلم حارس العقار لمعطيات العالم الجديد أو تأتي النهاية الدموية المأسوية لأحد الطرفين واختار عبد الله أن تكون النهاية تنحاز للأمر الثاني التي جمعت بين جملة “مشي حالك وكل عيش” وكلمة “المأسوية”.

Visited 7 times, 1 visit(s) today