هينر سليم لصحيفة “الحياة”: أفلامي شعارها الانسان أولاً
في صحيفة “الحياة” البيروتية بتاريخ 20 يناير يكتب ابراهيم حاج عبدي عن المخرج العراقي الكردي هينر سليم، ويجري مقابلة معه تتناول علاقته بالسينما وبأفلامه المثيرة للجدل…
من المقال نقتطف الجزء التالي هنا.
لا يعرف هينر سليم أن ينظّر كثيراً في السينما، ولا يزعم أنه كان يرتاد، برفقة والديه، دور السينما في بلدة عقرة في كردستان العراق حيث ولد سنة 1964. فما يتذكره صاحب “فودكا بالليمون” من تلك الطفولة البعيدة، هو لباس أمه الأسود وسط بياض الثلج الذي كان يكلل ذرى جبال كردستان، وبندقية والده الذي كان ثائراً (بيشمركه) ضمن صفوف الثورة الكردية التي قادها الزعيم الراحل الملا مصطفى البارزاني، وهو يستعيد تفاصيل تلك السنوات في كتاب له بعنوان “بندقية والدي”.
أصدر سليم هذا الكتاب بالفرنسية، وترجم الى لغات عدة ليس بينها، وللمفارقة، لا العربية ولا الكردية، وهو يروي فيه ذكريات عن تلك السنوات القاسية؛ سنوات الحرمان والتنقل والقلق الدائم، ويتحدث عن قصص العشق الأولى، الخائبة، وعن اكتشافه للمرة الأولى جهازاً اسمه التلفزيون كان يخاطبه بلغة عربية يصعب عليه فهمها، فتساءل الفتى آنذاك وحيرة بريئة تلف أعماق الطفولة: لماذا لا يتحدث هذا الجهاز الكردية أيضا؟! كان السؤال، على عفويته، كبيراً على طفل صغير يتلمس دروب الحياة على وقع الثورات والانتفاضات وقصص الشهداء، ووسط بيئة تعاني الفقر والخيبات… بيئة تغفو وتصحو على الأسى.
لهفة الخلاص
غادر سليم باكراً تضاريس تلك الأرض القلقة التي لم تمنحه سوى اللهفة إلى الخلاص، واستقر في باريس التي يعيش فيها منذ أكثر من ثلاثين عاما، ليحصل لاحقاً على الجنسيةالفرنسية.
ولدى سؤاله عن تلك البدايات الشاقة، وسبب تعلقه بالسينما في منطقة بالكاد تعرف هذا الفن، يرد سليم: “تعلقت بداية بالرسم، واللوحات الملونة التي كانت تزين صفحات كتاب عن الأشعار والقصائد الكلاسيكية الكردية… لا أعلم أي كتاب كان ذاك، ولا كيفج اء إلى بيتنا الخالي من الكتب باستثناء نسخة من القرآن الكريم، ولكني أتذكر، إلى الآن، كيف كنت أتمعن في تلك اللوحات وخطوطها وألوانها وتشكيلاتها وظلالها… وكان ذلك يصلني عبر أنغام الموسيقى الكردية المفعمة بالشجن، وفي المناسبات البهيجة، القليلة على أي حال، كنت أراقب تلك الرقصات والأزياء الفلكلورية الكردية التي تعجب ألوان صاخبة… لعل كل ذلك شكل مزيجاً بصرياً سمعياً في الذاكرة، واكتشفتُ لاحقاً أن السينما هي القادرة على استيعاب كل هذا الثراء”.
ورداً على سؤال حول الأفلام التي شاهدها في تلك المرحلة، أو الفيلم الذي تركت أثيراً قوياً عليه، ينفي سليم أن تكون هناك محطة فاصلة قادته إلى الفن السابع، كما يقول معظم المخرجين لدى الحديث عن البدايات، فعلاقته بالسينما في تلك السنوات “لاتتعدى بضعة أفلام هندية ميلودرامية كنت أشاهدها بالصدفة”، ذلك ان السينما، ليس في منطقة كردستان فحسب، بل في معظم مناطق الشرق الأوسط، كانت مجرد “بدعة غربية” لاتتناسب مع قيم المجتمعات الشرقية وتقاليدها.
غادر الفتى هذا الشرق الأوسط الذي يسمّيه “الشرق الأسود”، إلى فرنسا، حيث “وجدتُ عالماً إنسانياً متسامحاً، يسمح لك أن تعبر عما تريد بمنتهى الحرية”. في هذا المناخالجديد تمكن سليم من أن يثبت نفسه، وأن يحقق نجاحات عبر أفلام عدة، مثل “فودكا بالليمون”، “الكيلومتر صفر”، “دول” وسواها، وصولاً الى فيلمه الأخير “إن متَّ سأقـــتلك” الــذي يجمع فيه، بلغة سينمـــائية ســاخرة، حكايات عن الحب والحنين والانتقام والرحــيل، وعن الفروقات الثقافية بين الشرق والغرب.
ولا يزعم هينر أن ثمة “رسالة سامية” يسعى إلى تجسيدها عبر أفلامه، كما يقول بعض المخرجين، فأنا “لا أعلم ما هو الشرّ وما هو الخير في أفلامي، ولا أعرف ما هي السينما التي تغيّر وجه العالم. كل ما أعرفه هو أنني أعبّر عن نفسي أولاً، وأخاطب البشر أينما كانوا من دون أن أكون وصياً أو واعظاً أو موجهاً… وقد تستغرب إن قلتلك بأنني أتحدث عن التراجيديا الكردية وفصولها الدامية بالاحساس نفسه الذي أتحدث فيه عن طقس أفريقي منسي أو أكلة تايلندية… بهذا المعنى، يمكن القول إنني أبحث عن هموم الإنسان وأحلامه وتطلعاته بعيداً من أي أيديولوجيا. أيديولوجيتي هي الانسان، إن شئت، وبالتالي فإن سينماي هي سينما الانسان”.