هل الرقابة وراء استبعاد فيلم “آخر أيام المدينة” من مهرجان القاهرة؟
هل هى الحقيقة تماما أم أن هناك أشياء أخرى لم يأت بعد أوان إعلانها، أتحدث عن فيلم (آخر أيام المدينة) للمخرج تامر سعيد وبطولة خالد عبدالله الذى كان عنوانا للسينما المصرية فى مهرجان (برلين) فى شهر فبراير الماضى، ومن بعدها شارك فى أكثر من عشرة مهرجانات؟
قبل أن نسأل عن حقيقة أسباب منعه من مهرجان القاهرة السينمائى إليكم أولا قصة كيف شارك فى المهرجان.
كنت أنا حلقة الوصل فى تقديمه للقاهرة، لأن لائحة المهرجان تسمح، فهو لم يشارك رسميا فى التسابق عند عرضه فى برلين بل فى قسم (المنتدى) الذى يعتنى بالتجارب الجديدة، وطبقا للائحة مهرجان القاهرة، فالأمر لا يشكل أى عائق تنظيمى، وجدت ترحيبا من تامر بل تستطيع أن تقول أمنية أن يعرض الفيلم رسميا بالمهرجان، ليراه المصريون، وهو ما وجدت عليه أيضا ترحيبا مماثلا على الجانب الآخر من كل من ماجدة واصف رئيسة المهرجان ويوسف شريف رزق الله المدير الفنى، علاقتى بالمهرجان لا تتجاوز أننى عضو باللجنة الاستشارية العليا، وهى لجنة متطوعة بالعمل، من بين أعضائها يسرا ومريم ناعوم ومحمد حفظى ومنى ذوالفقار والناقد أحمد شوقى وعمرو قورة، كان التخوف الذى أبداه يوسف وهو بالطبع محق، أن الفيلم تردد مشاركته فى مهرجان (قرطاج) ولا يجوز أن يعرض بالقاهرة بعد عشرة أيام من قرطاج، وأكد لى تامر أنه حدث تواصل بالفعل مع مهرجان قرطاج وعدد آخر من المهرجانات العربية ولكنه لو حصل على وعد من القاهرة لن يعرضه بقرطاج أو أى مهرجان عربى آخر، وأنه يشرفه أن يسبق مهرجان القاهرة الجميع فى العرض على المستوى العربى، فهذا هو جمهوره الذى ينتظره.
لست أدرى هل تقدم تامر بالعرض على الرقابة المصرية قبل عرضه فى برلين، أم أنه عرضه هناك بدون علم الرقابة هنا، لقد كان المخرج محمد دياب محترفا فى اللعب مع الرقابة المصرية، بفيلمه (اشتباك) وتقدم بالنسخة قبل عرضه بقسم (نظرة ما) حتى يضمن ألا تبدأ الأسئلة بل والاتهامات التى من الممكن أن تلاحقه لو عرضه مباشرة هناك نظرا لحساسية القضية التى يتناولها الفيلم، ولكن وافقت الرقابة مبدئيا على العرض فى (كان) لأنها بالطبع وبعد الإعلان عن ترحيب (كان)، كان من المستحيل سياسيا إعلان الرفض أو حتى الحذف.
موافقة الرقابة للعرض بالمهرجان حتى لو كانت غير ملزمة من الناحية القانونية للعرض فى الداخل، إلا أنها تمهد الطريق للموافقة على العرض العام، ولو تابعت (اشتباك) فى علاقته الرسمية ستجد أن الدولة وافقت على العرض الجماهيرى على مضض وبعد إضافة لوحة بما معناه أن أحداث الفيلم تدور عقب عزل مرسى عن رئاسة الجمهورية ونزول جماهير تنتمى للإخوان لإيقاف التحول السلمى للسلطة، اعترض دياب على اللوحة بينما حفظى الذى شارك بالإنتاج، تفهم موقف الرقابة ومعنى تعبير تفهم أنه لم يوافق إلا مضطرا لضمان عرض الفيلم، كانت هناك تعليمات سرية تقضى بعدم الترحيب به، وبالفعل لاحظت أن أكثر من دار عرض فى مناطق تعتبر هى الجمهور المستهدف الرئيسى للفيلم لم تقدمه على الشاشة، أى أن أصابع الدولة كانت حاضرة مع (اشتباك) بشكل مباشر أو غير مباشر، فهل هى حاضرة أيضا فى منع عرض (آخر أيام المدينة) بالمهرجان، مما اضطر ماجدة واصف ويوسف شريف رزق الله إلى الاعتذار لتامر عن عدم المشاركة بحجة أنه عرض فى العديد من المهرجانات خارج العالم العربى، لم أشارك أو أعرف تفاصيل الاتفاق بين إدارة المهرجان وتامر سعيد، وهل تمت الموافقة رسميا على بعض المشاركات فى المهرجانات التى سبق للمخرج الارتباط بها، أم أن الأمر لم يكن محسوما بدقة من البداية وترك الباب مواربا لتامر فى العرض وترك أيضا الباب مواربا للمهرجان فى الرفض، ما يتصوره صُناع الفيلم أن الدولة لا ترحب بعرض الفيلم، ووجدت أن يأتى الرفض من المهرجان لأسباب تنظيمية وليست سياسية.
الفيلم وكما سبق أن تناولته هنا فى (المصرى اليوم) انتظر كل هذه السنوات التى وصلت إلى خمس حتى يعرض فى مهرجان (برلين) داخل قسم يعتنى بالتجارب التى تحمل عادة طموحا سينمائيا، معوقات عديدة لعبت دور البطولة فى تعثر التجربة عن الانطلاق لا تخص فقط الفيلم ولكنها تنسحب على صناعة السينما المصرية التى لا ترحب سوى بالإنتاج التقليدى وتتوجس خيفة تجاه كل ما هو مختلف، أو لديه مجرد شروع فى أن يصبح نفسه على الشاشة.
الرهان الصعب أن يتأجل عرض الفيلم- أى فيلم- عن موعده الطبيعى ورغم ذلك تستشعر أنه ولد فى هذه اللحظة وأن سنوات التأجيل كانت هى تحديدا سنوات الاكتمال، حيث يثير بداخلك الكثير من الأسئلة التى تصاحبك قبل وأثناء وبعد المشاهدة.
الفيلم تم تنفيذه قبل الثورة أقصد 25 يناير، وبرغم أن مخرج الفيلم والذى ساهم أيضا فى الكتابة والإنتاج تامر السعيد كان يرصد حالة التمرد فى مصر ضد حكم مبارك، تامر شارك فى الثورة ولكنه لم يشأ أن يضع خط الثورة وإجبار مبارك على التنحى لتصبح هى الذروة للشريط السينمائى، لأنها كانت فى هذه الحالة ستحجب الرؤية عن هدفه العميق، ما يقدمه الفيلم من فساد لم ينته بإزاحة رأس النظام، فلا يزال يعشعش بالمدينة جذور الفساد الذى يحميه سدنة متخصصون فى تسويق أنفسهم فى كل العصور، مدعوما هذه المرة بالبذاءة التى أصبح لها رواد تحميهم الدولة، ربما لأنها تعلم أن لهم دورا ما سيسند إليهم فى اللحظة المناسبة .
القاهرة هى العشق وتحديدا قلب العاصمة (وسط البلد)، خالد عبد الله يؤدى دور المخرج، وهو يلتقط كل شىء، مظاهرات (كفاية) التى لعبت دورا فى طرق الباب وتفضح بصوت عال سيناريو التوريث.
كتبت فى نهاية المقال، الثورة كانت هى الضرورة والحل والحسم، وتوقف الفيلم عن الكلام المباح، ويبقى السؤال هل تسمح الدولة فى ظل حالة نراها جميعا من انحسار مساحات الحرية وإغلاق الأبواب، هل يمنح الفيلم فرصته رقابيا وإذا نفذ من سيف الرقابة هل يستطيع أن يجد دور عرض ترحب به بينما يسيطر على سوق السينما نظام احتكارى يتيح للمنتج أن يصبح هو صاحب دور العرض والموزع، هل يسمحون بعرض فيلم يؤكد حتمية الثورة، بينما عدد منهم فى قلب النظام يناصبون الثورة العداء، وتلك الكلمات من الممكن أن نكررها بعد قرار المهرجان بمنع عرضه، فأنا مع الأسف أشك أن أصابع الدولة حاضرة فى قرار الاستبعاد!