هسبرس: السينما بعيدا عن السياسة.. تفرجوا ثم إحكموا!


نشرت مجلة “هسبريس” الالكترونية المغربية مقالا بقلم سمير بنحطة بتاريخ 25 فبراير يعنوان “السينما بعيدا عن السياسة” يستنكر فيه تلك الأصوات العالية في الإعلام المغربي التي تستنكر الجرأة التي تظهرها بعض الأفلام المغربية في تناول قضايا الحب والجنس، وتطالب بالتشدد…

هنا نص المقال:

هؤلاء الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها كلما بلغهم سماعا، عن عنعنات كثيرات، أن فيلما سينمائيا ما يتضمن لقطات “خادشة للحياء”، الذين تشتط الحمية ببعضهم حد المطالبة بمنع الفيلم، ما كانوا ليفعلوا ذلك لو أتيحت لهم “فرصة” مشاهدة الفيلم”الساخن” من حيث الإيحاءات الغريزية.. “البارد”، برودة القطب المتجمد، من حيث الجمالية والفنية والرسالية.

لا ترهقوا أنفسكم أيها المنتقدون!.. إن الأمر، حقا، لا يستحق كل هذا الصخب الذي يغطي، بسذاجتكم (أو بسوء طويتكم، لا أحد يدري)، على القضية المحورية التي قلما تفكرون فيها: إن الكثير من تلك “الأفلام” لا يجمعها بالسينما إلا الخير والإحسان.

“السينما”، بالمغربي الفصيح، أنتم من يصنعها حين يعلو منكم، ومن أنصاركم، البكاء والنحيب والدعاء بالويل والثبور..فقط.. لأنه قيل لكم سماعا، عن فلان عن فلان، أن الفيلم الرديء، بكل مقاييس السينما والجمال والذوق وهلم جرا، تضمن مشهد قبلة وعناق وترهات من هذا القبيل.

يسكت صوت النقد الرصين، لا أعرف لماذا، عن بيان “أوجه” الركاكة والسخافة والقبح، وتنطلق الأصوات الضاجة بالتنديد.. وكأن الفيلم بيان سياسي صدر من جهة سياسية. كلا أيها العقلاء. إن الفيلم السينمائي منتوج فني قبل كل شيء. وهو حين يسقط بمعيار “الفن” يتلاشى. يصنف، حينئذ، في الخانة القميئة، بمقياس الفن والصناعة والصنعة في السينما، ضمن الأفلام ( التجارية) التي تولد لكي تموت، بله تولد ميتة.

تفرجوا ثم احكموا.. هكذا يقول لكم مبدعو هذا الجنس الفني “الجريء”، الذي يخترق، بزعمه، حصون الطابوهات المنيعة ولا يتحرج من إظهار ما نتواطأ جميعا، نحن المعقدون نفسيا، على دسه في أعماق نفوسنا ونخفيه وراء الأستار الغليظة. ما لكم كيف تحكمون؟ كيف.. وأنتم سمعتم فقط وما رأيتم.

نعم، يخطئ من يخرج من تحت الركام التاريخي العتيق سيف “المنع” المصلت على رقاب الفنانين حين لا يفكرون كما يفكر الناس.. ببساطة، لأن حرية الإبداع خط أحمر.. غير أن مجمل المنتوجات الفنية، التي تثار حولها الزوابع، لا يربطها بالإبداع سوى ذاك الجنس الفني الذي صيغت في قالبه.

والحقيقة أن الفن لا يصلح أن يكون ساحة عراك إيديولوجي. كما لا ينبغي، بالقدر نفسه، أن يصير أداة تصريف لاستيهامات شخصية يتقاطع فيها “التاريخ النفسي” للمبدع بالواقع الحي وما يجري فيه. أقصد أن الفن، بالمعنى الذي أحبذ، ليس أداة تنفيس عن مكبوتات ولا وسيلة تسامي يلفظ عبرها الفنان إحباطه وفشله وصراعه الداخلي.

أعني، بلغة أدق، أن السياق المغربي، اليوم، يفرض على مبدعينا أن يكونوا في قلب الدينامية التي يشهدها المجتمع المغربي صعودا في اتجاه تحقيق التنمية المنشودة والديمقراطية المبتغاة، لا أن يستمرئوا “التنظير” الفارغ، الغائب عن العصر وحقائقه وما يعتمل فيه زاعمين أنهم يزيلون عن واقعنا أصباغ النفاق الاجتماعي والمواربة والمداراة.

ما أحوجنا، أيها المبدعون، إلى سينما مواطنة تفشي معاني الالتحام بالوطن وقيم الوطنية والتضامن وتشيع مبادئ الاحتكام إلى القانون واحترامه وتعلي من شأن العمل الجاد المسؤول الخدوم للبلد وأهله وأجياله القادمة..

ما أحوجنا .. لو أدركتم خطورة وجسامة الأدوار المنوطة بكم في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ مغربنا الحب

Visited 44 times, 1 visit(s) today