موسم مهرجانات السينما الدولية ومهرجان جديد في الجونة

ابتداء من نهاية أغسطس الجاري يبدأ زخم مهرجانات السينما الدولية فيأتي أولا أقدم مهرجان من نوعه في العالم وهو مهرجان فينيسيا السينمائي أو “الموسترا” الذي يعتبر جزءا من بينالي فينيسيا الدولي للفنون ويشمل الرقص والموسيقى والعمارة والفن التشكيلي والمسرح والسينما.

يعتبر مهرجان فينيسيا المهرجان التالي في أهميته بعد مهرجان كان، وقد نجح مديره الفني البرتو باربيرا منذ أن تولى منصبه قبل ست سنوات، في جعله بؤرة لاستقطاب الأفلام الأميركية الجديدة، خاصة الأفلام التي تذهب بعد عروضها العامة في الولايات المتحدة للترشح لجوائز الأوسكار. وأصبح المهرجان بالتالي يستقطب أكثر من غيره، الكثير من منتجي ونجوم السينما الأميركية.

رغم ذلك أصبح مهرجان فينيسيا وغيره من المهرجانات السينمائية يواجهون مشكلة لم يكن لها وجود من قبل. فقد أصبحت شركات الانتاج والتوزيع الأميركية تتردد كثيرا في إرسال بعض أفلامها الجديدة إلى المهرجانات. ويعود السبب إلى الارتفاع الهائل في نسبة الاقبال على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تمتلئ بالكثير من التعليقات السريعة عن الأفلام بمجرد مشاهدتها في عروضها الأولى بالمهرجانات، إلى جانب ما تنشره الكثير من المواقع المنتشرة على شبكة الانترنت من استطلاعات رأي وتصويت على الأفلام، وترى الشركات أن كثرة الآراء الانطباعية السريعة السلبية قد تضر كثيرا بأفلامها في أسواق السينما، فهي من ناحية تؤدي إلى حرق قصص الأفلام، ومن جهة أخرى إلى احجام الكثيرين عن الاقبال عليها.

كان مدير مهرجان فينيسيا ونظيره مدير مهرجان تورنتو الذي يقام بالتقاطع مع المهرجان الأول، يأملان في الحصول على الفيلم الأميركي الجديد “الجاري على الحافة 2049” Blade Runner 2049  للمخرج الكندي دينيس فيلينيف، إلا أن هذا لم يحدث. وقيل إن العمل لايزال جاريا في إعداد موسيقى الفيلم، وإنه لن يصبح جاهزا في موعد اقامة المهرجانين، خاصة وانهما كما أشرت يتقاطعان معا فالأول أي فينيسيا، يقام من 30 أغسطس إلى 9 من سبتمبر. والثاني يقام في الفترة من 7 إلى 17 سبتمبر.

وعادة ما يستقطب مهرجان تورنتو (رغم أنه لا ينظم مسابقة ولا يمنح جوائز شهيرة مثل فينيسيا) الكثير من الأفلام الأميركية الجديدة فالشركات الأميركية تعتبره البوابة الرسمية إلى دائرة التوزيع في أميركا الشمالية، في حين يرغب مهرجان فينيسيا أن يصبح بوابة عبور الفيلم الأميركي الى شبكات التوزيع في أوروبا بعد انتهاء موسم الصيف وبدء الموسم السينمائي الحقيقي في الخريف والشتاء وصولا الى أعياد الميلاد ثم إلى ترشيحات الأوسكار.

زخم المهرجانات يتمثل في أن شهر سبتمبر وحده سيشهد إقامة 13 مهرجانا دوليا كبيرا بالاضافة الى عشرات المهرجانات الأخرى الأقل أهمية معظمها يقام في عدد من المدن الأميركية. من المهرجانات الدولية التي تقام في سبتمبر مهرجان سان سباستيان في اسبانيا، ومهرجان بوسان في كوريا الجنوبية، ومهرجان هلسنكي الدولي في فنلندا، ومهرجان فانكوفر في كندا، ومهرجان كامدن للأفلام الوثائقية في الولايات المتحدة، ومهرجان أولدنبرغ في ألمانيا.

نجيب ساويرس

حول مهرجان الجونة

على الصعيد العربي تنطلق في 22 سبتمبر وتستمر حتى 29 منه، الدورة الأولى من مهرجان الجونة السينمائي الدولي في منتجع الجونة على ساحل البحر الأحمر في مصر.

المهرجان يرعاه ويموله الأخوان نجيب وسميح ساويرس وهما من أكبر رجال الاعمال في مصر ثروة وثراء ونفوذا. ويدير المهرجان انتشال التميمي الذي يتمتع بخبرة جيدة اكتسبها من عمله لسنوات في مهرجان أبو ظبي السينمائي، كما يمتلك شبكة علاقات دولية جيدة بحكم إشرافه على صندوق الدعم  “سند” في أبوظبي، إلى جانب ما يتمتع به من ثقة واحترام من جانب الجميع. لكن انتشال التميمي عراقي، وهو بالتالي أول مدير غير مصري لمهرجان سينمائي يقام في مصر، تفوح منه أيضا “رائحة المال”. ولاشك أن هذه النقطة التي تعد من النقاط شديدة الحساسية لدى الوسط السينمائي والإعلامي في مصر، ويمكن أن تثير الكثير من الزوابع والاحتجاجات والاعتراضات من جانب كثيرين، خاصة في حالة وقوع ما يعتبره هؤلاء أخطاء أو تجاوزات. ففي ظل الأجواء المشحونة في الإعلام المصري وحالة التربص القائمة، أصبح الكثيرون على استعداد لتلقف أي خطأ صغير هنا أو هناك، واستخدامه لتصفية حسابات شخصية، أو تنفيسا عن الشعور بالغيرة والرغبة في التشويش والتشويه، خاصة وأن من يرأس المهرجان عمليا هو المهندس الملياردير المثير للجدل، نجيب ساويرس.

المهرجان حسب المعلومات القليلة المتوفرة سيبدأ صغيرا بما لا يتجاوز ستين فيلما من جميع الأنواع: الطويلة والقصيرة، العربية والأجنبية، التسجيلية والروائية، وسينظم ثلاث مسابقات دولية للأفلام الروائية والتسجيلية والقصيرة كما يعرض عددا من الأفلام خارج المسابقات. وأعلن المهرجان تخصيص 200 الف دولار قيمة الجوائز التي سيمنحها للأفلام الفائزة بما في ذلك مبلغ 20 الف دولار الذي سيحصل عليه أفضل مشروع مقدم لما أطلق عليه “منصة الجونة السينمائية” من بين مشاريع الافلام التي تسعى للحصول على دعم. وهي تجربة تعد اقتباسا على نحو أكثر تواضعا، لتجربة صندوق الدعم “سند” في مهرجان أبو ظبي. والقيمة المالية الكلية للجوائز تتجاوز ما منحه ويمنحه أي مهرجان سينمائي مصري، ويصل المبلغ بالعملة المحلية بسعرها الحالي (بعد التعويم) إلى ما يقرب من أربعة ملايين جنيه.

تساؤلات عن الهدف

ليس معروفا تماما الهدف من مهرجان الجونة وإلى من يتوجه من الجمهور، خاصة وأن الجونة منتجع سياحي صغير لا يقيم فيه عدد كبير من السكان، بل مجموعات من السياح الراغبين في الاستمتاع بالشمس والبحر، وليس مثل مدينة القاهرة التي رغم سكانها العشرين مليون، فشل مهرجانها الدولي “الكبير” خلال أكثر من عشرين عاما في جذب الجمهور إلى قاعات العروض السينمائية.

صحيح أن إقامة المهرجان في منتجع الجونة يكفل الابتعاد عن ضجيج العاصمة وزحام المدن الكبيرة بوجه عام، كما يحاكي مهرجانات أوروبية ناجحة مثل كان وفينيسيا وكارلوفيفاري التي تقام في منتجعات سياحية وليس في مدن كبيرة، إلا أن “الجونة” يفتقد الى ما تتمتع به هذه المهرجانات، فهي ترتكز أولا على وجود صناعة سينمائية ضخمة في البلدان التي تقام فيها، ولكن أساسا، على وجود سوق توزيع كبيرة متعددة الشبكات تكفل أن يجد الفيلم طريقه بعد عرضه في المهرجان الى الشاشات الأوروبية، لذلك فجمهور مهرجان كان الذي يصل إلى نحو سبعين ألف شخص يأتون خصيصا للمهرجان من خارج المدينة وليسوا من سكانها، ومعظمهم من الموزعين والمنتجين والسينمائيين والنقاد والصحفيين والاعلاميين وطلاب الفنون والسينما..الخ وهؤلاء لن تأتي منهم أعداد كبيرة الى الجونة بحكم غياب سوق حقيقية لتوزيع الأفلام الأجنبية غيرالتقليدية في مصر، كما يخشى كثير من الموزعين بمن فيهم العرب، عمليات القرصنة التي تشتهر بها السوق المصرية.

 انتشال التميمي

السؤال التالي هو: هل يمكن أن يتحرر مهرجان الجونة من سطوة التدخل المباشر من قبل أجهزة السلطة، كما يحدث في كل ما يقام في مصر من مهرجانات سينمائية وغير سينمائية بما في ذلك تلك التي لا تنظمها وزارة الثقافة. وعلى سبيل المثال هل ستغض الرقابة الطرف عما يعرض من أفلام في الجونة، أم ستتدخل كعادتها لاستبعاد ما ترى ضرورة استبعاده، أم سيصبح مدير الرقابة وهو شخصية تهيمن على مجمل النشاط السينمائي الرسمي في مصر تقريبا، عضوا بشكل غير رسمي، في التشكيلة المسؤولة عن تنظيم المهرجان؟ أم سيتمكن نجيب ساويرس من مواجهة الضغوط والتدخلات المباشرة ويدعو ويستقبل بحرية تامة من يشاء من السينمائيين بأفلامهم.

أما إذا ما قيل إن الهدف الأساسي من المهرجان هو تنشيط السياحة فهذا يمكن الرد عليه فقط بالجوم بأنه لم يوجد مهرجان واحد أقيم في مصر ساهم في جذب السياح، ولا حتى من السياح المحليين داخل مصر نفسها. فالاهتمام بـ”السياحة السينمائية” معدوم أصلا حتى لو فتحت أبواب قاعات العرض بالمجان.

مهرجانات أكتوبر

يشهد شهر أكتوبر نحو ثلاثين مهرجانا دوليا أولها مهرجان لندن الدولي الذي ينظم دورته الـ61 في الفترة من 4 إلى 15 أكتوبر، وهو مهرجان كبير حافل ينظم ثلاث مسابقات غير معترف بها دوليا كونها تعرض أفلاما بينها سبق عرضه في مهرجانات أخرى، لكنه يشمل عادة سلة كبيرة من أهم ما ظهر في العالم خلال العام ومنها أهم ما عرض في مهرجان تورنتو وكان وفينيسيا وسان سباستيان وبرلين، لكن لديه دائما اكتشافاته الخاصة وأفلام  “العرض الأول”. وتقام مهرجانات أخرى في شيكاغو وروما وفيينا ونيويورك وأديليد (استراليا) وزيورخ (سويسرا)، ومعظمها مهرجانات تعرض عشرات الأفلام دون أن تنظم مسابقات دولية أو تمنح جوائز معترف بها دوليا، أي أنها تقع خارج نظام التصنيف الذي يحدده اتحاد منتجي السينما (الفياف) الذي يضع قواعد معروفة يجب الالتزام بها لكي يصبح المهرجان مصنفا من الفئة الأولى، أهمها أن يلتزم باختيارأفلام لمسابقاته لم يسبق عرضها في مسابقات دولية أخرى أو عروضا عامة خارج بلدها.

ولو كان يوسف وهبي على قيد الحياة لربما قال لنا وهو يغمز بطرف عينه بطريقته المسرحية المميزة: وما الدنيا سوى مهرجانات سينما في سينما!

Visited 20 times, 1 visit(s) today