مهرجان مراكش السينمائي: ارتباط السينما بالفرنكوفونية

-1-

أعلن مهرجان مراكش الدولي للفيلم اختتام فعاليات دورته الثالثة عشرة الممتدة من 29 نوفبر إلى 7 ديسمبر 2013، والتي دشنها بعرض فيلم “رَامْ – لِيلَا” (Ram-Leela) لمنتجه ومخرجه الهندي سانجاي ليلا بانسالي، وهو فيلم يسير عكس توجه المهرجان الذي طالما صَرَّحَ المشرفون عليه بأنه يسعى إلى الاحتفاء بسينما المؤلف عبر العالم عوضا عن السينما التجارية ذات الامتدادات المعروفة!

انطلقت المسابقة الرسمية التي ترأس لجنة تحكيمها المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي بالفيلم الإسباني “الجري وراء الأوهام” للمخرج الشاب Jonás Trueba(خُونَاسْ تْرِيبَا) ابن المنتج والمخرج المعروف فِرْنَانْدُو تْرِيبَا، الذي يناقش – بالأبيض والأسود – نهاية السينما والحب معا؛ والفيلم الإيطالي “تحيا الحرية” للمخرج روبيرتو أندو Roberto Andòالذي يسخر من السياسة وحياة السياسيين.. وبهذا تكون صدفة البرمجة قد أعلنت بنوع من الرثاء السَّاخِر ما سيطبع هذه الدورة.

عرفت المسابقة الرسمية للمهرجان مشاركة خمسة عشر فيلما تمثل تجارب ومدارس سينمائية مختلفة، وهي في الغالب تمثل العمل الأول أو الثاني لأصحابها، وذلك ما دأب المنظمون على تبريره بتحديد هُوِّيَة للمهرجان التي تراهن على اكتشاف أساليب إبداعية جديدة في الفن السابع، وكأن المنتجين والمخرجين المرموقين يتسابقون على المهرجان، فمن المعروف أن السينمائيين الكبار لا يتنافسون على جوائز لا تزال رمزية، ولا قيمة لها على المستوى الاقتصادي والترويجي للفيلم كما هو حاصل بالنسبة لمهرجانات من قيمة “كان” و”ڤينيسيا” و”برلين” و”تورونتو” و”سان سيباستيان”.

-2-

يَدَّعِي المنظمون أن السينما المغربية تحضر في مسابقة هذه الدورة من خلال فيلمين يدخلان ضمن نطاق الإنتاج المشترك هما: “الحمى” لهشام عيوش، و”خونة” للمخرج الأمريكي شين كوليت، وذلك ما يعني، عن قصد، إقصاء أهم الأفلام المغربية التي ذهب أصحابها للمشاركة في مهرجان دبي السينمائي الدولي الذي يحتفي بالسينما العربية، وهذا دليل على أن المصفاة الفرنكوفونية تتطلب المرور عبر موزع أو منتج فرنسي، وهو حال كل الأفلام المشاركة في مهرجان مراكش.. ترى أين نحن من العالمية؟

وعليه، فإن حضور الأفلام العربية، وكذا الإفريقية، يظل هامشيا إن لم نقل شبه غائب خاصة وأن بعض الحاضرين بالمهرجان يرغبون، مثلا، في اكتشاف بعض التجارب الإفريقية كما صرح بذلك المخرج التركي الألماني فاتح أكين Fatih Akin. عموما، تعرف مختلف فقرات هذه الدورة من مهرجان مراكش عرض أزيد من مائة وعشرة أفلام تمثل ثلاثا وعشرين دولة.

-3-

من الفقرات المثيرة للجدل والاحتجاج فقرة “خفقة قلب” التي يريد عبرها المنظمون الاحتفاء بالسينما المغربية من خلال برمجة الأفلام التالية: “خلف الأبواب المغلقة” لمحمد عهد بنسودة، و”كان يا ما كان” لسعيد ك. الناصري، و”سارة” لسعيد الناصري، و”هم الكلاب” لهشام العسري.. وهي أفلام مختلفة في أساليبها، وموضوعاتها، ولا تقدم في مجملها صورة واضحة عن منجزات السينما المغربية التي تُشَكِّلُ، اليوم، بعض تجاربها إشراقة فنية في إفريقيا والعالم العربي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن كل الأفلام التي تمر في هذه الفقرة تخضع للعلاقة مع الفرنسيين أو الدائرين في فلكهم، ولابد أن تقدم مواضيع خاصة، وتنطق بلغة معينة.. أليس من المفروض أن يكون حضور البلد المُنَظِّم قويا حتى يتسنى للزوار اكتشافه من خلال سينماه، وألا يأخذوا صورة مشوهة عنه؟

-4-

يحتفي المهرجان كل سنة، بنجوم السينما ويكرم بعض تجاربها الراسخة (إيطاليا، مصر، إسبانيا،فرنسا…). وقد وقع الاختيار هذه السنة على السينما الإسكندناڤية التي كانت ممثلة بكل من السويد والدانمارك وإيسلندا وفنلندا والنرويج؛ إذ شاهد الجمهور أفلاما متنوعة من توقيع مخرجين ذوي حساسيات مختلفة ينتمون لمدارس وتيارات سينمائية متمايزة من بينهم: كارل تيودور دراير وآكي كوريسماكي وإنغمار برغمان وغيرهم.. أما بخصوص السينمائيين المكرمين فهناك الممثلة الأمريكية شارون ستون والفرنسية جولييت بينوش والمخرج الكوري كور- إيدا هيروكازو، والسينمائي الأرجنتيني فرناندو سولاناس والممثل المغربي محمد خيي الذي لم يكن محظوظا أثناء تكريمه بفضل برمجة فيلم مغربي لم يمثل فيه، ولا علاقة له بأسلوبه الفني، وهو الأمر الذي خلف استياء بالغا لدى المهتمين خاصة وأن الرجل أغنى المشهد السمعي البصري المغربي بعطائه الفني المتميز، ومن حقه أن يتقاسم مع الحاضرين – أثناء هذه اللحظة الرمزية – من النقاد والمهنيين والمعجبين فيلما يُبْرِزُ مستوى قدراته التشخيصية.

الممثلة الفرنسية جوليت بينوش في مهرجان مراكش

-5-

وفي إطار فقرة الماستر كلاس أو دروس السينما كان للجمهور لقاءات مع كل من المخرج وكاتب السيناريو الفرنسي برونو ديمون، والمخرج والمنتج الأمريكي جيمس كراي، والمخرج والمنتج الدانماركي نيكولاس ويندينك ريڤن، والفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبري الذي قال إن السينما تدفع نحو الحلم، وهي ليست مجرد مسدس وسيارة.

تعرف هذه الفقرة إقبالا خاصا – رغم أن المغاربة لم يقدموا فيها دروسا!- من طرف النقاد والأكاديميين والطلبة الذين يهتم المهرجان بإنتاجاتهم من خلال مسابقة “سينما المدارس” التي عرفت تتويج فيلم “بَادْ” للمخرجين الطالبين أيوب لهنود وعلاء أكعبون عن المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش التي تسيطر على أطوار هذه المسابقة من خلال مساهمتها بخمسة أفلام من أصل تسعة!

-6-

تعتبر الأفلام المُقَدَّمَة بواسطة تقنية الوصف السمعي، والتي ينسقها ويشرف على تفاصيلها كل من إلهام أقروط ورشيد الصباحي، من الفقرات ذات الحس الخاص باعتبارها تلتفت إلى عينة خاصة من ضعاف البصر والعميان؛ إذ يأتون من شتى أنحاء البلاد كي يتخيلوا جماليات السينما عبر السمع، وذلك ما يدل على أن للخيال علاقة كبيرة بما هو غير مادي، وما لا نراه.. رغم ذلك تظل هذه الفئة على هامش المهرجان بالنظر إلى أن مؤسسة المهرجان لا تأخذ على عاتقها تنظيم حفلات خاصة بها كما هو حال المحظوظين والمقربين من المهرجانيين الآخرين، ولا يَدْعَى بعضها لحضور حفلات الافتتاح والاختتام والتكريمات.. والحال، أنها في حاجة ماسة إلى فك العزلة عنها ما دام المهرجان قد التفت إليها، ويقوم بحملة سنوية لإجراء عمليات على العيون ببعض مناطق مراكش.

-7-

فاز فيلم “هان كونك جو” للمخرج لي سو جين من كوريا الجنوبية بالنجمة الذهبية (الجائزة الكبرى) للمهرجان؛ وتَقَاسَمَ فيلما “الدمار الأزرق” للمخرج جيريمي سولنيي و”حوض السباحة” للمخرج كارلوس ماتشادو كوينتيلا جائزة لجنة التحكيم؛ وعادت جائزة أحسن دور نسائي للممثلة السويدية أليسيا فيكوندير عن دورها في فيلم “الفندق” للمخرجة ليزا لونگسيت؛ وفاز الممثلان ديديي ميشون وسليمان دازي بجائزة التشخيص الرجالي عن فيلم “الحمى” للمخرج هشام عيوش.

هكذا يختتم المهرجان دورته هاته بمزيد من الانتقادات التي تقر بالضعف البَيِّنِ لأفلام المسابقة الرسمية، وترى بأنه يسير نحو الانغلاق على ذاته خاصة وأن المهنيين لا يجدون مكانا خاصا للتواصل، وكذا تسويق إبداعاتهم، فضلا عن إبعاد كل المنتقدين للمهرجان، وخاصة النقاد الذين تخصهم المهرجانات الكبرى بعروض وامتيازات خاصة. أضف إلى ذلك هيمنة التوجهات الفرنكوفونية التي تُهَمِّشُ اللغة العربية في عقر دارها، وتجعل الفرنسية اللغة الأولى للمهرجان لاسيما وأن كل السندات الخاصة بهتَكُون فيها الأبرز والأوضح، وهنا لابد من استيعاب درس ريجيس دوبري حين أفاد بأنه يمكن للصورة والسينما أن يضطلعا بوظيفةٍ تَخْدُمُ الاستعمار والغزو واقتلاع الثقافات، وذلك ما تقف ضده بعض الأصوات المستقلة التي ترغب في أن تتكفل الأطر المغربية بإدارة المهرجان كي لا يصبح في مهب الفرنكوفونية التي تُسْتَعْمَلُ كغطاء مدني لتثبيت الاستعمار الجديد، وتُسَخِّرُ عرابيها وأدرعها الدعائية لتقويض أسس الثقافة الوطنية.

Visited 37 times, 1 visit(s) today