مهرجان قرطاج السينمائي:: عيد السينما العربية والافريقية
الدورة الـ 25 تجدد العهد والمهرجان يصبح حدثا سنويا
كتبت بعد حضوري الدورة الـ 22 من مهرجان قرطاج السينمائي، أو كما يطلق عليه في تونس “أيام قرطاج السينمائية” عام 2008، أطالب بضررورة أن يتحول المهرجان إلى حدث سنوي، وقلت وقتها إن كل المهرجانات المعروفة في العالم تنظم سنويا، ولم يعد بالإمكان أن ينعزل مهرجان قرطاج عن المتابعة السنوية للأفلام الافريقية والعربية الجديدة. وكان قد جرى العرف منذ تأسيس المهرجان على أن يقام كل سنتين بالتبادل مع مهرجان قرطاج المسرحي تارة، ومع مهرجان دمش السينمائي، الذي توقف، تارة اخرى.
ويبدو أن دعوتي قد لاقت أخيرا صداها المأمول، فقد أعلنت دره بوشوشة المديرة العائدة إلى المهرجان بعد أن غابت دورة 2012 أول دورة تقام من المهرجان بعد الثورة، أن المهرجان سيقام سنويا اعتبارا من دورة هذا العام.
يعتبر مهرجان قرطاج أقدم التظاهرات السينمائية في العالم العربي وافريقيا، فقد أقيمت دورته الأولى عام 1966، وقد تأسس وقت أن كانت سينما العالم الثالث تشهد ازدهارا أو بالأحرى، صحوة، مع تنامي حركات التحرر الوطني وبزوغ السينمات القومية في القارات الثلاث. ويحتفل المهرجان هذا العام بالدورة الـ 25 التي تقام في ظل المتغيرات السياسية التي تمر بها تونس والمنطقة العربية عموما، وهي تغيرات يومية في أرض الواقع لاشك أنها تلقي بظلالها بقوة ليس فقط على الواقع السياسي والاجتماعي، بل وعلى العملية الثقافية، وعلى طبيعة العلاقة بين السينما والدولة، وبين الفيلم العربي وجمهوره أيضا.
فيلم الافتتاح
إختارت إدارة المهرجان أن تفتتح الدورة الجديدة التي تنطلق مساء التاسع والعشرين من نوفمبر وتختتم في السادس من ديسمبر القادم (توزع الجوائز مساء الخامس من ديسمبر)، بالفيلم الفرنسي “تمبكتو” للمخرج الموريتاني عبد الرحمان سيساكو الذي عرض للمرة الأولى في مسابقة مهرجان كان السينمائي في مايو الماضي، وبعد ذلك عرض في عدد من المهرجانات الكبرى في الغرب وفي العالم العربي. والسبب في اختيار الفيلم أنه اساسا، فيلم لمخرج إفريقي معروف سبق أن حصل على جائزة رئيسية في مهرجان قرطاج عن فيلمه الروائي الطويل الاول “في انتظار السعادة”. ويرغب المهرجان في توجيه رسالة إيجابية للسينمايين الأفارقة الذين كانوا يشتكون من قبل من “تهميشهم” في مهرجان قرطاج الذي ينظر إليه البعض منهم باعتباره مهرجانا للسينما العربية رغم أنه كان المهرجان الأول الذي يحمل طابعا افريقيا واضحا وساهم عبر خمسين عاما في اكتشاف الكثير من المواهب السينمائية في افريقيا جنوب الصحراء.
ويتناول فيلم “تمبكتو” موضوع التطرف الإسلامي من خلال تصوير كيف تسيطر إحدى جماعات العنف باسم الإسلام، على المدينة في مالي يروعون السكان، يريدون تغيير عاداتهم وتقاليدهم وإرغامهم على الالتزام بالملابس التي يعتبرونها إسلامية، كما يحظرون الموسيقى والغناء والرقص والسينما، وكيف يواجه السكان هذا القهر بالصمت في البداية ثم بالمواجهة. والفيلم في الحقيقية يطرح مشكلة العصر التي باتت تؤرق كل المجتمعات في الشمال والجنوب، وأما نجاح سيساكو في التعبير عن رؤيته التي تمزج بين السياسة والشعر، فهو موضوع آخر.
لقطة من فيلم “تمبوكتو”
بوشوشة أعلنت أن مهرجان قرطاج لن يعرض فيلما في ختام الدورة الجديدة بسبب ما اعتاد عليه جمهور حفل الختام الذي يكون في العادة مهتما بمعرفة نتائج المسابقات الرسمية والفائزين بالجزائز ثم الانصراف أكثر من اهتمامهم بالبقاء لمشاهدة فيلم الختام.
ملامح البرنامج
إدارة المهرجان وقع اختيارها على خمسين فيلما للعرض في المسابقات الدولية الثلاث للمهرجان: 15 فيلما في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، 19 فيلما في مسابقة الافلام الوثائقية الطويلة، و16 فيلما في مسابقة الأفلام القصيرة.
تشارك 45 دولة في المهرجان، منها 25 دولة من افريقيا والعالم العربي، بينها 9 دول عربية تشارك بعشرة أفلام في المسابقة الرئيسية للأفلام الطويلة.
من مصر يعرض بالمسابقة فيلم “ديكور” للمخرج أحمد عبد الله الذي فاز فيلمه “ميكروفون” بجائزة التانيت الذهبي (الجائزة الكبرى للمهرجان) في دورة 2012 من مهرجان قرطاج، وهو من بطولة خالد أبو النجا وحورية فرغلي وماجد الكدواني، وسبق له أن عرض بمهرجان لندن السينمائي ومهرجان القاهرة (خارج المسابقة). ومن فلسطين يشارك فيلم “عمر” للمخرج هاني ابو أسعد، وبينما الجزائر هي الدولة العربية الوحيدة التي تشارك بفيلمين هما “الوهراني” للمخرج لياس سالم، و”لوبيا حمرا” لناريمان ماري، تقرر الاكتفاء بمشاركة فيلم واحد من تونس في المسابقة هو فيلم “بدون 2” للمخرج جيلاني السعدي. وقد استبعد فيلم “الربيع التونسي” للمخرجة رجاء لعماري (التي سبق أن أخرجت فيلم الدواحة) الذي سيعرض ضمن قسم للعروض الخاصة، نظرا لأنه من انتاج الشركة التي تديرها درة بوشوشة مديرة المهرجان.
ومن أفلام المسابقة أيضا الفيلم فيلم “ذيب” للمخرج الأردني ناجي أبو نوار، وفيلم “هم الكلاب” للمخرج المغربي هشام العسري، والفيلم اللبناني “الوادي” لغسان سلهب، والفيلم العراقي “قبل سقوط الثلج” لهشام زمان، وفيلم “أرواض” الذي يمثل سوريا وهو فيلم كندي من اخراج الزوجين سامر النجاري ودومنيك شيلا صور في تونس.
الأفلام الافريقية في المسابقة من السنغال ونيجيريا وكينيا وبوركينا فاسو وجنوب افريقيا. ويرأس لجنة التحكيم الدولية لأفلام المسابقة الرئيسية للأفلام الروائية الطويلة الممثل الأمريكي داني جلوفر، وتضم اللجنة خمسة أعضاء هم المخرجة التونسية سلمى بكار، والمخرج الجزائري نذير مقناش، والمخرج السويسري ريناتو بيرتا، والمخرج السنغالي موسى توري، والمغنية اللبنانية ريما خشاش، والممثلة المصرية منه شلبي.
مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة تعرض 19 فيلما منها فيلمان من تونس هما “الغورت” لحمزه عوني، و”العودة” لعبد الله يحيى. ومن مصر فيلمان هما “أم غايب” لنادين صليب و”موج” لأحمد نور. ومن سورية “بلدنا الفظيع” لعلي الأتاسي، ومن اليمن “بيت التوت” لساره عشق، ومن السودان “على إيقاع الأنتنوف” لحجوج كوكا، ومن لبنان “أرق” لديالا قشمر، ومن الأردن “حبيبي بيستناني عند البحر” لميس دروزه، ومن فلسطين “المطلوبات الـ 18″ لعامر الشوملي و”المتسللون” لخالد جرار، ومن المغرب “البحر والناس” لدليلة عنداري، ومن الجزائر “الواد.. الواد” لعبد النور زحزاح.
أما لجنة تحكيم مسابقة الافلام الوثائقية فتتكون من الكاتب اللبناني بيار أبي صعب رئيسا، وعضوية كل من الاعلامي رضا بن جلون (المغرب) والمخرجة رجاء العماري (تونس) والمخرج ويليام مباي(السنغال) والمخرجة خديجة سالمي (اليمن).
وتتكون لجنة تحكيم المسابقة الوطنية الأفلام القصيرة التونسية من الممثلة الأردنية صبا مبارك رئيسة للجنة، وتضم كلا من المخرج الجزائري عبد الكريم بهلول، والفرنسية اليس كاروبي.مديرة برنامج الأفلام القصيرة في مهرجان كان.
وينتظر أيضا عرض عدد من الأفلام التونسية الجديدة التي تدور حول الثورة التونسية وتداعياتها، خارج المسابقة الرسمية. وكانت بوشوشة قد اعلنت أن الدورة الـ 25 من مهرجان قرطاج سيتكون “دورة السينمائيين الشباب” بشكل أساسي، وقال المدير الفني للمهرجان اقبال زليله إن المستوى الفني للأفلام سيكون المعيار الأساسي.
ومن المقرر أن يتم تكريم المخرج السينغالي سامبا فيليكس ندياي الذي يعتبر”مؤسس الفيلم الوثائقي الإفريقي”، والمخرج السوري الراحل عمر أميرلاي، والمخرج الفرنسي الراحل موريس بيالا. وسيعرض المهرجان مختارات من أعمالهم.
لقطة من فيلم “الرئيس” لمحسن مخملباف
إلى جانب المسابقات الرئيسية، هناك قسم “سينما العالم” (36 فيلما) الذي يعرض عددا من أهم ما عرض في مهرجانات السينما العالمية خلال العام لكي يطلع عليها الجمهور التونسي وأيضا لفتح المجال أمامها للحصول على فرصة للتوزيع داخل تونس بعد انتهاء المهرجان. ومن هذه الأفلان “نور الشتاء” التركي لنوري بيلج جيلان، و”رجلان في مدينة” لرشيد بوشارب، و”قاعة جيمي” لكن لوتش وغيره. ويخصص قسم لعرض مختارات من أهم الأفلام التونسية (بانوراما السينما التونسية) ويضم 15 فيلما، وقسم “العروض الخاصة بحضور المخرجين أو المنتجين أو الممثلين” وهو قسم يتضارب مع عروض سينما العالم لكنه يضم أفلاما عربية مثل “فتاة المصنع” لمحمد خان، و”قتلها تذكرة الى الجنة” لخدية السلامي من اليمن. ويشمل عرض 13 فيلما منها “الرئيس” لمحسن مخملباف، و”وداعا للغة” لجودار، و”أوديسه عراقية” لسمير جمال الدين، و”فيلومينل لستيفن فريرز”. وفريرز من المخرجين الذين يسلط المهرجان لأضواء عليهم ويعضر له 4 أفلام لكنه اعتذر عن عدم الحضور بعد اضطراره لاجراء عملية جراحية كما قال المهرجان. كما يخصص المهرجان مسابقة للأفلام التونسية القصيرة (12 فيلما).
مشاكل البرمجة
ويحتفي المهرجان بالسينما الرومانية وبالسينما التشيلية، وبأفلام المخرج التونسي الناصر الخمير، وبأفلام عمر أميرالاي، ويخصص قسما غير مفهوم الغرض منه بالضبط تحت عنوان “طرشقات” يعرض 3 أفلام جزائرية وفيلما من كل من فرنسا ولبنان والسنغال. وهكذا تتداخل الأقسام وتتعدد الأفلام والتكريمات في مهرجان يقام على مدار اسبوع واحد فقط وهو زمن قصير بالنسبة لبرمجة كل هذا العدد من التظاهرات والأقسام والأفلام بالاضافة بالطبع الى المؤتمرات والمناقشات والموائد المستديرة التي تبحث مجددا تمويل السينما العربية. وكان من الأجدى في رأيي أن تنحصر الأقسام الفرعية في تسليط الأضواء على السينمات العربية والافريقية ولا تحلق بعيدا الى الرومانية والتشيلية، وتعدد الشخصيات المكرمة والتي تسلط عليها الأضواء في حين أنها لا يجب أن تزيد عن ثلاثة: شخصية محلية وشخصية عربية وشخصية عالمية. لكن هناك طموحا في إقامة دورة “تاريخية”.
* نشر هذا المقال أولا في جريدة “العرب” اليومية التي تصدر في لندن