مقال رئيس التحرير: كلام جرايد!
كان أبي رحمه الله، دائما ما يردد القول بأن ما ينشر في الصحف من أخبار ما هو إلا “كلام جرايد”. وكنت أتوقف طويلا أمام هذا القول، وأحيانا كنت أتساءل بدهشة ما معنى “كلام جرايد”؟ أليس ما ينشر يأتي من جهة ما تتمتع بالمصداقية، وهل يختلف كلام الجرايد عن غيره من الكلام؟ ولماذا لا نقول أيضا “كلام تليفزيون” أو “كلام إذاعات”؟!
المؤكد أن أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة أصبحت تنقل اليوم الكثير عن الصحافة المطبوعة، بل وأحيانا أيضا عن صحافة الانترنت أيضا دون أي مراجعة لما تنشره!
ولاشك أن جزءا من رواج الصحف الشعبية في أي مجتمع يعود إلى الاهتمام بحياة المشاهير الشخصية ونشر فضائحهم.. من أجل أن تبيع، لأنها تعلم أن الجمهور “عايز كده”، أي أنه يشتري هذا النوع من الصحف لكي يتسلى بقراءة ما تنشره عن فضائح المشاهير!
الصحف البريطانية الشعبية مثل جريدة “ذي صن” مثلا، تعيش على هذا النوع من بيع الفضائح التي تتعلق بالشخصيات العامة في المجتمع. وأحيانا يصل العبث من جانبها الى نشر حكايات وقصص “مفبركة”، وهو ما يصل بها الى ساحات القضاء، ويضطرها إلى دفع تعويضات مالية بالملايين.
ولعل من الأمثلة الحية التي حدثت معي مؤخرا، ما نشره عدد من الصحف التي أخذت على ما يبدو، تستنسخ من بعضها البعض نفس الخبر الكاذب الذي يزعم إلغاء المؤتمر الصحفي الذي كان مقررا اقامته في مهرجان الاسماعيلية السينمائي الذي انتهى أخيرا، مع نائبة مدير مهرجان كليرمون فيرون الفرنسي، بسبب موعده الذي كان يتضارب مع موعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في مصر. ورغم أنني تكفلت بالرد على هذا الزعم من فوق خشبة المسرح بطريقة غير مباشرة في حفل الختام عندما أكدت أنه لم يتم إلغاء أو تأجيل أي من أنشطة المهرجان الذي اعمل مديرا له، رغم كل ضغوط الظرف السياسي، إلا أنني عدت لكي أقرأ هذا الكلام الكاذب منشورا بعد انتهاء المهرجان، في الصحف التي يفترض أنها تحترم نفسها كما تحترم قارئها.
ما العمل في هذه الحالة؟ هل نكتفي بالصمت خشية مزيد من الهجمات الموجهة مثلا؟ أم نلجأ مثلا إلى القضاء ونقدم له شريط الفيديو المصور للمؤتمر الذي أدرته بنفسي وقمت بالترجمة الفورية لحديث الضيفة الفرنسية، ويمكننا هنا أن نستعين باستدعاء الشهود الذين حضروا المؤتمر، بل وبشهادة السيدة ناديرا أردجون التي كانت ضيفة مهرجان الاسماعيلية، وكان مهرجانها ضيف شرف المهرجان؟
إذا فعلنا هذا فربما يسارع البعض يتهمنا بالاعتداء على حرية الصحافة والصحفيين، فالحرية أصبحت اليوم – بكل أسف- مرادفا للفوضى والتلفيق والتعدي والتهجم والوقاحة والبلطجة والكذب. لذلك فربما يكفي أن نقول إنه مجرد… “كلام جرايد”!