مفهوم الكتابة السينمائية والعودة إلى الدرجة “صفر”

نستعير من رولان بارت هذا المفهوم لمحاولة قراة الكتابة السينمائية في الفيلم المغربي خلال السنوات الاخيرة التي تميزت بانتاج محترم يسمح للناقد والباحث بطرح فرضيات والخروج باستناجات يمكن اعتمادها لتقييم وتطوير الكتابة السينمائية للفيلم المغربي.



واذا كنا جميعا نتفق على ان الكتابة السينمائية عادة تمر بتلاث مراحل هي كتابة السيناريو ثم الكتابة الاخراجية ثم الكتابة التركيبية أو المونتاج، فسنقتصر في هذه المحاولة على كتابة السيناريو من خلال الأفلام التي خرجت الى العرض الجماهيري أو من خلال المشاريع التي قدمت الى لجان الدعم ولكنها لم تنل القبول ومن تم بقيت في مرحلة الكتابة الاولى  لتي اطلعنا على اهمها.



وقبل الشروع في تناول كتابة السيناريو نريد اولا ان نعرف ما هو مفهوم الكتابة الذي استوحيناه من بارت.



إعتمد بارت في محاولته تصنيف الكتابةعلى ثلاثة مصطلحات إجرائية هي اللغة والأسلوب والكتابة.


 
تعتبر اللغة معطى اجتماعيا مشترك بين الناس، يمنح مستعملها  من معجم مشاع محمل بالمعاني والاستعمال. أما الأسلوب فهو معطى ذاتي ملتصق بالكاتب وبالأنا الحميمية الخاصة، ويشتمل على أسرار الكاتب واحلامه وكوابيسه وعقده وذكرياته وطفولته، في حين يموضع بارت الكتابة بين اللغة والاسلوب باعتبارها وظيفة تربط العلاقة بين الابداع والمجتمع والتاريخ، كما انها مجال لرصد ثورات الوعي وتحليل تجليات الايديولوجيا في خصوصيتها وحريتها.



العلاقة مع اللغة
ان قراءة السيناريو على ضوء هذه المفاهيم الثلاتة يجعلنا نكتشف ان علاقة الكاتب المخرج باللغة، سواء كانت اللغة الفرنسية اواللغة العربية، باعتبار ان اغلب السيناريوهات تكتب باللغة الفرنسية، هي علاقة مأزق لأن السيناريست ليس له القدرة والكفاءة لكي يشتغل ضد اللغة، أي خلق ما يسمى بوضعية الانزياح اللغوي ليخرج اللغة المشاعة بين الناس من سياقها الاعتيادي المألوف في الاستعمال اليومي.



وبهذا تصبح اللغة الواصفة للواقائع والاحداث والأماكن والاشخاص، غارقة في التجويد والتنميق وقاصرة عن بناء التوتر المركزي والصراع الدرامي الحامل لدينامية الحكاية الفيلمية، كما ان لغة الحوار، وهي تحاول أن تعوض هذا الغياب، تصبح صدى للغة الوصفية، وهي تلبس شكلها الشفوي الذي يتحدث به الناس في الحياة العامة مع تناسي المكونات الحوارية الأساسية التي تبني الوعي الحواري التي تتمثل في المدخل والأطروحة والمخارج الخاصة بكل بناء مشهدي على حدة.



 أما من حيث الأسلوب باعتباره لغة الاحشاء والدفقة الغريزية المنبثقة عن ميثولوجيا الأنا لم يتحقق في اغلب ما درسناه إلا نادرا عند حكيم بلعباس مثلا وفوزي بنسعيدي وياسمين قصاري،  حيث نجد نوعا من التقاطع بين أفقية اللغة  المنتزعة من الاعتياد اليومي وعمودية الاسلوب، التي تربط مزاجية الكاتب بلغته، وهو ما اعطى لهذه المجموعة من المخرجين الكتاب صفة الذاتية التي يتصف بها السيناريست المؤلف. وتبقى الكتابة باعتبارها نتيجة لفعل التضامن  الاجتماعي والتاريخي، وعلى ضوء ما قدمناه، نموذجا طموحا بعيد المدى في الكتابات الحالي.


لقطة من فيلم “الراكد” لياسمين قصاري
 

اضافة الى ما سبق هناك بعض الملاحظات العامة التي ساهمت كذلك في مأزق المرحلة الأولى من سيرورة الكتابة السينمائية في الفيلم المغربي أهمها أن معظم السيناريوهات يكتبها مخرجوها، مما يجعلنا نتساءل هل نحن أمام ظاهرة” المخرج المؤلف” باعتبارها ظاهرة فنية وثقافية تفرضها رؤية فلسفية وجمالية، أم انها مجرد نتاج فراغ مهني او انغلاق عائلي، تكمن وراءه خلفيات نرجسية أو مادية.. وكثيرا ما يترتب على هذه الظاهرة الاكتفاء بالاستنساخ التصويري للسيناريو وغياب اي اضافة ابداعية في مرحلة الكتابة الإخراجية.


 
عن السرد
اذا كنا نعرف أن تطوير السرد يتأسس حتما عن طريق بناء الدوال السردية في المادة السينمائية وذلك لخلق اشكال سينمائية باعتبار ان المادة الخاصة بالسينما ليست هي الحدث وانما تعالق الحركات الفضائية -الزمانية المرئية والصوتية فإن البناء العام للسيناريو المغربي لا يشتغل في هذا الأفق المركب، بل غالبا ما نلاحظ معالجة سطحية مفتعلة تنبني في اغلبها على منطق الصدفة والمبالغة.


 
تحتوي المضامين السردية للسيناريو على شخصيات رئيسية او ثانوية بدون ملفات او بملفات ناقصة، وتتحرك كالدمى عبر مجرى واحد يغيب الصراع والتوتر الدرامي، وفي هذه الحالة يلجأ السيناريو الى تعويض النقص بواسطة التسلسل الحواري مما يجعلنا امام مسلسل تلفزيوني يعتمد التعبير اللفظي عوضا عن التعبير السينمائي.
 


هيمنة البنية الخطية وغياب البنيات المركبة أو المتشظية مما يؤدي الى هيمنة  افقية السرد وعدم استغلال المفارقات الزمنية التي تساهم في خلق بناء سردي عميق متعدد الابعاد. واذا كنا نعرف ان البنية  الخطية تناسب الفكر الواقعي، وكل التيارات الواقعية وورثة هذا  الاتجاه الجمالي العام في روسيا او فرنسا او ايطاليا أو في مصر، فان استعمالها في  الكتابة السينمائية المغربية لم يساعد مع الأسف على استلهام بعدها الفكري والجمالي مما أدى الى السقوط في التبسيطية والاستسهال اللاهت وراء الاحداث والحدوتة الفيلمية.
 


بناء على ماسبق يمكن ان نستنتج ان هناك مأزقا للكتابة على مستوى السيناريو، وهو مازق على مستوى الوعي بالكتابة والوعي بالمجتمع والوعي بالتاريخ مرتبط بأزمة الذات الكاتبة التي تملأ اللغة والأسلوب بالزوائد وتحيل الكتابة الى جعجعة واكاذيب وفرقعات لفظية والتهابات حسية تترك المهم والاساسي وتلتقط القشري والعابر اليومي حسب رأي بارت، ولكي تبني الكتابة نفسهاعليها ان تتدثر بالصمت الحيادي الذي يذوت الموضوع ويموضع الذات، لكي تسير نحو حتفها اي نحو درجة الصفر للكتابة.

Visited 88 times, 1 visit(s) today