متى تدخل السينما مناهج الجامعة؟

من الصحافة العربية نحتار هذه الدراسة القيمة الجادة الجديدة للدكتورة سلمىمبارك التي نشرت في جريدة “القاهرة” بتاريخ 3 يناير الجاري…

ما الدراسات السينمائية؟ و ما الفرق بينها و بين دراسة السينما كصناعة و فن ؟ لماذا توجد أهمية لتأسيس أقسام للدراسات السينمائية فى الجامعات المصرية؟ كيف و متى بدأت تلك البرامج فى الدخول الى الجامعة فى دول العالم المختلفة؟ كيف يمكننا أن نستلهم هذه التجارب لتطوير دراسة السينما فى مصر و تطوير الدراسات البينية عموما؟

تبدو الدعوة لادخال السينما فى البرامج الدراسية بالجامعة هى أقرب للثورة. فوجود الصورة المتحركة فى المجال الأكاديمى هو سبب كافي لإثارة الهواجس لارتباط السينما فى الخيال الجمعى “بالتسيلة”. بالرغم من ذلك فان الاهتمام بالدراسات السينمائية يزداد يوما بعد يوم فى الأوساط الأكاديمية حيث تتعدد البرامج الدراسية المخصصة لها فى الغرب و الشرق. تقول مى التلمسانى : “حسمت الجامعات الغربية ومنها الجامعات الكندية التي درست بها أو عملت فيها في العشرين سنة الماضية، قضية التمييز مؤسسيا بين ما يسمى بقسم الدراسات السينمائية (Film Studies) وما يطلق عليه استسهالا قسم السينما (Cinema).” فاذا كانت الأولى معنية باعداد و تأهيل كوادر فنية متخصصة في مجال صناعة السينما بأقسامها من سيناريو و اخراج و مونتاج … الخ. فإن الثانية قد نشأت – تضيف التلمسانى – “كمبحث فكري يستمد من النقد الأدبي والفلسفة وعلم النفس مصادره المعرفية الأولى منذ عشرينيات القرن العشرين.”

ما هى أشكال دراسة السينما فى التعليم العالى بمصر؟


بدأت أول محاولة لتدريس السينما فى 1924 عندما أسس محمود خليل راشد أول معهد عربى للدراسة بالمراسلة و نشر فى 1925 كتابا تعليميا بعنوان “فجر السينما” استخدمه للتدريس من خلال هذا المعهد. أما الدراسة بأكاديمة الفنون فبدأت 1957 ، فكانت أول مؤسسة رسمية توفر تعليما لفنون السينما في الشرق الأوسط و دول القارة الأفريقية. إلى جانب معهد السنيما و هو المعني بتكوين الكوادر الفنية لصناعة السينما، ولدت مؤسسات خاصة تمنح شهادات عليا فى دراستها مثل الجامعة الفرنسية بمصر و الجامعة الأمريكية بالقاهرة، بالإضافة ل “أكاديمية فنون وتكنولوجيا السينما” و المعروفة باسم”أكاديمية رأفت الميهي” و كذلك “المدرسة العربية للسينما و التلفزيون”، التابعة لصندوق التنمية الثقافية.

عن مفهوم الدراسات السينمائية
هذا العدد من المؤسسات المتنوعة تشترك جميعها فى نفس الأهداف و هى تدور فى مجملها حول التكوين الفنى لصناع الفن السابع. لكن يظل مفهوم الدراسات السينمائية شبه غائب عن مؤسساتنا الدراسية و معه الأهداف المغايرة لتلك الدراسات و النتائج التى تتحقق من وجودها.


تسعى برامج الدراسات السينمائية عادة الى تكوين الطالب فى مجال نظريات السينما و جمالياتها و تاريخها، كذلك تكوينه نقديا من حيث القدرة على مقاربة الفيلم من مداخل متنوعة مثل تحليل النص و مداخل الفلسفة وعلوم الاجتماع و الأرشفة و الدراسات الثقافية .. بالاضافة إلى دراسة علاقة السينما بالأدب و الفنون الأخرى. كذلك تقدم دراسة للسينما من منظور الاقتصاد و علوم الادارة .. و كثيرا ما تستكمل هذه الدراسات بمقررات عملية تخصص لتعليم أصول كتابة السيناريو. و يستطيع الطالب الذى يتخرج من تلك البرامج أن يعمل فى مهن متنوعة مرتبطة بالصناعات الثقافية كالبرمجة السينمائية كذلك فى مهن الكتابة السينمائية و النقدية و البحث السينمائي بالاضافة لمهن التعليم و التثقيف السينمائى.

البدايات
بدأت أقسام الدراسات السينمائية التى تعرف اليوم فى أوربا بهذا الاسم و التى أنتجت جيلين على الأقل من الأكاديميين المتخصصين فى العمل منذ النصف الثانى من الستينيات. دخلت السينما الجامعة فى فرنسا بعد ثورة 1968 التى خلخلت نظام التعليم و فتحت مساحات جديدة لدراسة الفنون داخل الجامعة بعد أن كان مكانها الوحيد هو المعاهد الفنية و كليات الفنون الجميلة. تأسست هذه البرامج الدراسية فى خضم بزوغ ما أطلق عليه حركة “النقد الجديد” و هو مجموع التوجهات المجددة للنقد الأدبى التى اقتحمت الحقل الأكاديمى و ارتبطت على وجه الخصوص باسم رولان بارت. امتدت تلك الموجات المجددة إلى النقد السينمائي من خلال سطوة البنيوية و السميولوجيا فى السبعينيات. أما فى ألمانيا فارتبطت حركات التجديد فى الدراسات السينمائية بالنقد الأيديولوجى و تقاليد مدرسة فرانكفورت.

هذه البدايات لم تكن لتصبح بمثل هذه القوة إلا لقيامها على تاريخ سابق بدأ منذ العشرينيات فى أوربا سعى إلى ربط السينما بالثقافة من خلال المشاهدة و التذوق و التعلم. بدأ الأمر مع تيارات التربية الشعبية و هى تيارات كانت تسعى لتعزيز التعليم خارج الهياكل التقليدية للتعليم المؤسسي بهدف تحسين النظام الاجتماعي، و قد اضطلعت فيها السينما بأدوار هامة. لم تكن مصر بعيدة عن تلك الرؤى التنويرية حيث كانت المدارس تنظم رحلات لتلاميذها يذهبون فيها إلى قاعات السينما يشاهدون الأفلام و يكتبون عنها. هذا ما يحكيه لنا عباس محمود العقاد عن طفولته فى مدينة أسوان وعن تأثير السينما على وعيه المبكر. و فى مذكراته يحكى لنا أيضا محمد كريم عن ولعه بالسينما و كيف أنه كان يذهب لتأجير الأفلام وينظم عروضا مجانية فى حديقة منزل عائلته الثرية، للخدم والبوابين و المكوجية ، بل و كان يمنحهم الهدايا لتشجيعهم على حضور تلك العروض.

أما بعد الحرب العالمية الثانية فقد بذل العديد من المثقفين من المؤمنين بدور السينما فى تربية الوعى جهودا فى تعليمها. كان الطريق الأول لذلك هو تنظيم العروض و المشاهدة  والنقاش ، فنشأت فى تلك الفترة حركة نوادى السينما التى شكلت أداة تعليمية غير مباشرة لأجيال من المغرمين بهذا الفن. ففى كل من فرنسا و ألمانيا على سبيل المثال تنامت المبادرات لخلق شبكات ثقافية تلتف حول الفن السابع. تم ذلك فى الأوساط البرجوازية للنخب الفنية الفرنسية و كان الهدف هو تربية جمهور العامة على ثقافة الفيلم و جمالياته. أما فى ألمانيا فقد إنخرطت القوى السياسية القريبة من الحزب الشيوعى فى تنظيم عروض سينمائية كان هدفها التربية السياسية و مناهضة الأفكار الرجعية.

فى تلك السنوات لم تكن مصر ببعيدة عن حركة التفاعل بين السينما و الثقافة. فنشأت ندوة سينمائية كان ينظمها الأب زهران. هكذا حكى عنها يحيى حقى :” كبر علينا أن يعرض الأب زهران ندوة سينمائية ناجحة للخواجات و المتمصرين نندس بينهم كالأيتام الدلاديل .. فقلنا لماذا لا تكون لنا ندوة شعبية و الكلام فيها بالعربى و زيتنا فى دقيقنا؟ .. و أقمنا أول ندوة فى حدائق قصر عابدين و اخترنا لها فيلم “عطيل” الذى فازت به روسيا بجائزة مهرجان كان.” تطورت ندوة الفيلم المختار التى أسسها يحيى حقى و تحولت لندوة جمعية الفيلم : “ها أنذا تسعى بى القدم أحيانا الى بيت لا يختلف عن بيوت كبار الأعيان فى مطلع القرن .. لست أدرى من يسكن الآن هذا القصر العتيق. و أيا كان فنحن مدينون له بالشكر على كرمه و حسن ضيافته، فقد تنازل عن حجرة صغيرة فى الحوش لجمعية الفيلم التى تضم نخبة من هواة السينما تجتمع بها مساء كل أحد لتشهد فيلما له ذكر ومقام فى تاريخ السينما على شاشة صغيرة كأنها منديل محلاوى، و بآلة عرض عوراء.. ثم يضاء المصباح الفرد و تندلق فى العتمة مناقشات لذيذة و يخرج الجميع فى غاية السعادة. ليس هنا فخفخة أوطنطنه، ليس هنا ادعاء أو تعال، بل عشق و خشوع و بساطة، كأننا فى معبد.” كانت تلك الندوات من منظور يحيى حقى كاتب تلك السطور هى أشبه بمدرسة لتكوين الثقافة و الشخصية.

شهادة أخرى تأتينا من أحمد أمين عن الجامعة الشعبية التى أقامها فى سنوات الأربعينيات: “نشأت عندي فكرة لا أدري من أين نبتت، فقد لاحظت خطأ وزارة المعارف في قصرها جهودها على التعليم داخل جدران المدرسة، مع أن في عنقها تثقيف الشعب بأجمعه في المدارس وغير المدارس بالصور المختلفة، وخطأ آخر وقعت فيه وهو فهمها أن نشر الثقافة لا يكون إلا بواسطة تعليم القراءة والكتابة، مع أنه يمكن نشر الثقافة بواسطة السمع، وبواسطة عرض للأشرطة السينمائية على الناس ونحو ذلك من وسائل من دون القراءة والكتابة؛ وقد كنت قرأت نتفا عن تعليم الكبار في الممالك الأجنبية، فعكفت أنا وشابان ممن يعملون معي في الإدارة الثقافية على قراءة الكتب التي تصف النظم التي اتبعت في هذا السبيل، فنحن نجتمع كل يوم عصرا .. نقرأ ونترجم وندرس ونبحث .. ونضع تقريراً مفصلا عن هذه الفكرة التي سميناها بمؤسسة “الثقافة الشعبية” والتي سميت فيما بعد بالجامعة الشعبية .. وبعد أن اقتصرت الفكرة أول أمرها على القاهرة عممت في سائر الأقاليم تقريباً، وأصبح موظفو السينما ينتقلون إلى العمال والفلاحين في القرى وإلى المصانع، يعرضون الأفلام الثقافية، ومعهم بعض المحاضرين، وترى فيها الموظف الكبير والعامل الصغير يدرسان جنبا إلى جنب فنا جديدا.”

الطريق الثانى الذى شاع لربط السينما بالثقافة والتعليم فى الخمسينيات كان الدراسة. لم تكن الدراسة النظامية للسينما متاحة لا فى المدارس و لا فى الجامعات فى هذه الفترة. لذا بدأ الأمر بالمحاولات المستمرة للمؤمنين بالسينما كأداة للتثقيف. عمل هؤلاء على تنظيم المحاضرات و التى تحولت فى بعض الدول إلى مقررات دراسية بدأت تدخل على استحياء لقاعات الدرس فى المراكز الثقافية و المعاهد. فى فرنسا تأسس معهد الفيلمولوجيا عام 1948، و ارتبط اسم رولان بارت بالمجلة الصادرة عن هذا المعهد عندما كان ينشر كتاباته الأولى في السميولوجيا بها. و فى 1957 أدخلت كلية الآداب بجامعة لوفان ببلجيكا مقررا عن السينما موجه لطلاب العلوم السياسية و الاجتماعية. فكان الطالب يتعرف على التقنيات السينمائية و جماليات الفيلم و علاقة السينما بالفنون الأخرى كذلك على أساليب استخدام السينما فى التربية. و إذا انتقلنا لدول أمريكا اللاتينية نجد أنه تم فى المكسيك تأسيس “معهد الثقافة السينمائية” عام 1957 و اتجهت فيه الدراسة باتجاهين : اتجاه مرتبط بالمهن السنيمائية، و اتجاه له أهداف تربوية معنى بتكوين المشاهد و خاصة المشاهد المرشح لأن يكون معلما يستخدم السينما فى العملية التربوية. كذلك الأمر فى البرازيل التى أدخلت دراسة السينما منذ 1959 عندما أنشأت مدرسة عليا للسينما بجامعة Minas Gerais انقسمت فيها الدراسة إلى قسم معنى بتخريج صناع السينما و قسم ثانى هدفه تخريج نقاد و معلمين.

أما فى مصر وفى نفس تلك الفترة فقد بدأ الأمر بفصل للتذوق الفنى الذى تحول فيما بعد الى المعهد العالى للنقد الفنى بأقسامه و التى تضم قسما للسينما. يقول ثروت عكاشة : “منذ عام 1961 راودتنى فكرة الارتفاع بمستوى التذوق الفنى لهواة الفنون .. و كنت أدرك أيضا أن نقطة الضعف فى مشروع قصور الثقافة .. ليست هى المال .. بل غيبة رواد الثقافة القادرين على تبسيطها و تقريبها من قلوب الجماهير.. لذا أخذت تشغلنى فكرة اقامة “معهد للتذوق الفنى”.. و فى السادس من يوليو 1962 أصدرت قرارا بانشاء فصل “للتذوق الفنى” يلحق بالمعهد العالى للفنون المسرحية، تقدم له لفرط دهشتى ألف وعشرون طالبا من خريجى الجامعات..”

الدراسات السينمائية و الدراسات الانسانية
يتفق العديد من مؤرخى تدريس السينما أن برامج الدراسات السينمائية التى نشأت فى الجامعات الغربية من بعد 1968 كان لها روافدا ثلاثة : حركات التربية الشعبية، حركة نوادى السينما ، بالاضافة لجهود الرواد فى التنظير للسينما وتنظيم الدروس السينمائية خارج أطرالمؤسسات التعليمية التقليدية. إعتبر دخول السينما إلى الجامعة هو لحظة تتويج لما يسميه المؤرخ السينمائي ميشيل مارى ” المسيرة الطويلة” و التى كان نتاجها ميلاد الجيل الأول من الباحثين السينمائيين الأكاديميين. كان لانتقال دراسة السينما من المعاهد الفنية إلى الجامعة و بالذات كليات الآداب و العلوم الانسانية عظيم الأثر فى خلق حالة من الاحتكاك الفكرى الخلاق بين السينما و الإنسانيات. فدراسة السينما بكليات الآداب – تقول مى التلمسانى – قد فتحت المجال لفهم السينما من منظور شامل يستقي مصادره من نظرية الأدب والفلسفة وعلوم الاجتماع و الانسانيات عامة، بالإضافة .. لترسيخ قاعدة مؤسسية للنشر الأكاديمي التي أثرت الدراسات السينمائية في أوروبا وأمريكا.

وقد تمخض هذا التفاعل بين دراسة السينما و العلوم الانسانية عن وضع العديد من النظريات التى أثرت أطراف تلك العلاقات. فأنتج النقد الأدبى الجيل الأول من الباحثين السينمائيين الذين استلهموا ميراث جيرار جينيت فى وضع نظريات السرد السينمائي. و استفادت درسات الصورة من كتابات فلاسفة التفكير البصرى أمثال ميرلو بونتى ، فظهر جيل من الباحثيين السينمائيين الذين درسوا ميكانيزمات التفكير البصرى فى مجال إدراك الصورة السينمائية. كما حدثت حالة من التلاقح الفكرى الثري بين الدراسات التاريخية ودراسة السينما و التى ظهرت فى كتابات مارك فيرو على سبيل المثال. و من الاتجاهات المعاصرة نجد الدراسات البينية التى تولدت من التقاء علم النفس المعرفى والسينما فاهتم الباحثون الأمريكيون على وجه الخصوص بدراسة عملية المشاهدة السينمائية من تلك الزاوية. و كذلك نجد أن السينما أصبحت مادة خصبة فى مجال الدراسات الثقافية و دراسات الجنوسة. كذلك نمت العلاقة بين الدراسات السينمائية و الاقتصاد و علوم الادارة فتأسس فى السنوات الأخيرة علم اقتصاديات السينما. و جدير بالذكر أن كافة تلك العلوم بنظرياتها ومناهجها ومفاهيمها وأدواتها التحليلية لم تتعامل مع السينما كمحتوى فقط انما ككيان فنى متكامل لا يمكن فهم دلالاته سوى بإدراك و فهم أشكاله الفنية. و قد استفادت كافة هذه العلوم و غيرها من التفاعل النظرى مع السينما فى تجديد مناهجها و تطوير أدواتها البحثية.

لم تكن كل هذه الآفاق لتفتح لولا دخول السينما الى الجامعة و تجولها بين تلك الحقول المعرفية.

أين هى الجامعة المصرية من ذلك؟
لقد رأينا كيف واكبت علاقة السينما بالثقافة فى مصر حركة تطورها بالعديد من بلدان العالم منذ العشرينات. و تكفينا شهادة يحي حقى الذى أثمرت ندوته السينمائية فى الخمسينيات عن تكوين أول جيل من نقاد السينما المصريين من مؤسسى جمعية الفيلم و التى أصدرت فيما بعد نشرتها الشهيرة، حيث كتب عنها حقى أنها كانت “تضارع أرقى النشرات السينمائية فى أوربا”. انحسر شيئا فشيئا هذا الفوران الثقافى و تحولت الكتابات النقدية السينمائية – إلا فيما ندر- لمتابعات صحفية للأفلام و أخبار الفنانين. ظلت دراسة السينما حبيسة المعاهد الفنية، تكتفى بتخريج أعداد قليلة من العاملين فى الحقل السينمائي و قلة من الباحثين الجادين و بالتالى انفصلت تلك الدراسة عن الروافد النظرية الغنية التى كان من الممكن أن تثرى حقل الدراسات السينمائية فكريا. و فيما عدا جهود عدد محدود من الباحثين ببعض الكليات بالجامعات المصرية الذين يدرسون السينما من خلال المنظور البينى مما يضع تخصصاتهم فى حالة تماس مع الفن السابع، سواء فى الأدب أو الفلسفة أو السياسة أو غيرها، أو هؤلاء الذين يستخدمون الأفلام فى محاضراتهم لإيصال المادة العلمية لطلابهم، أو أولئك المهتمين بنشر الثقافة السينمائية من خلال تنظيم العروض و نوادى السينما.. تظل دراسة وثقافة السينما غائبة عن الجامعة و معها يغيب مجال بحثى خصب و ضخم كان من الممكن أن يخلق ديناميكية علمية جديدة و يجذب أجيال من الدارسين و الباحثين الشباب.

من هذه النقطة يجب علينا التوقف و التفكير. إن عظمة التراث السينمائى المصرى و التاريخ الثرى للثقافة السينمائية فى مصر يفرض علينا استكمال الطريق الذى انقطع. و ما من سبيل لذلك سوى توجيه الدعوة للأكاديميين و للمجالس العلمية الجامعية بضرورة فتح باب دراسة السينما فى الجامعة، سواء من خلال تشجيع الباحثين على تسجيل الرسائل فى المجالات البينية التى يدرسون فيها السينما جنبا الى جنب مع تخصصاتهم، أو من خلال ادخالها كمقررات فى البرامج الدراسية، أو من خلال إنشاء أقسام مستقلة للدراسات السينمائية فى كليات الآداب، و هى المرشحة لاستقبال هذا المجال كما حدث فى تجارب دول العالم المختلفة. إن الجامعة هى الباب الوحيد لتطوير العلوم و الفنون، و تاريخ السينما فى مصر هو جزء من التراث الحضارى المصرى و العالمى، و لن يتسنى لنا الحفاظ علي هذا المكون الثقافى و تطويره إلا بتكوين باحثين لديهم المعارف و المناهج العلمية الحديثة التى تمكنهم من دراسته.

هذا هو ما يتوجب علينا اليوم القيام به و هو ما يجب أن تفتح له الجامعة أبوابها.

هوامش
– مى التلمسانى، “مناهج البحث فى الدراسات السينمائية” ، مجلة فصول، العدد 97، خريف 2016 ، ص.346


– – يحيى حقى، فى السينما ، مؤلفات يحيى حقى اعداد و مراجعة فؤاد دوارة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص. 173


– المرجع السابق، ص. 230


– أحمد أمين، حياتى، مؤسسة هنداوى للتعليم و الثقافة، 2012، ص. 201
– Victor Bachy, “L’enseignement du cinéma dans les universités et dans les instituts supérieurs catholiques dans le monde, Rapport de l’Organisation des Nations Unies pour l’éducation, la science et la culture, 25 mars 1966.


– ثروت عكاشة، مذكراتى فى السياسة و الثقافة، دار الشروق، 2000، ص. 472
– Michel Marie, « 1969 vs 2014 : 45 ans d’enseignement du cinéma et de l’audiovisuel sur trois générations », Mise au point [En ligne], 7 | 2015, mis en ligne le 25 mai 2015, consulté le 02 janvier 2017. URL : http://map.revues.org/1997 ; DOI : 10.4000/map.1997


 – انظر يحيى حقى، ص. 218

Visited 39 times, 1 visit(s) today