متحف في ريميني لتخليد ذكرى فيلليني
أعلنت هيئة السياحة في مقاطعة إميليا رومانيا الإيطالية عن افتتاح متحف جديد لتخليد ذكرى المخرج الإيطالي الشهير فيديريكو فيليني (1920 – 1993) بمدينة ريميني على ساحل البحر الأدرياتيكي، ويقع هذا المتحف الجديد في ثلاثة مواقع بالبلدة القديمة؛ وهي “كاستل سيسموندو” و”بالازو ديل فولجور” و”بياتسا مالاتيستا”، وسيتم افتتاحه رسميا في التاسع عشر من أغسطس الجاري.
وقد شهدت مدينة ريميني ميلاد المخرج الإيطالي الشهير، وكان يتردد عليها كثيرا بعدما انتقل للإقامة في العاصمة الإيطالية روما، وقد حقق فيليني شهرة عالمية خلال عام 1954 عندما قدم للسينما العالمية الفيلم الرائع “الطريق” (لا سترادا)، كما نال فيلم “الحياة الحلوة” (لا دولشي فيتا) عام 1960 شهرة عالمية واسعة ورسخ اسمه واحدا من أهم مخرجي السينما العالمية.
يهدف متحف فيليني الجديد إلى تسليط الأضواء على التراث الثقافي للمخرج الإيطالي الكبير في تاريخ السينما العالمية، وجعل مدينة ريميني مقصدا سياحيا لعشاق السياحية الثقافية والترفيهية.
وحسب ما ذكرته صحيفة “إل فاتو كوتيديانو” تريد المدينة أن يكون المتحف “مكانا للحلم” بفضل ديكوراته ومنشآته البصرية المستمدة من أفلامه.
وقال رئيس بلدية المدينة أندريا ناسي قبل شهرّ، عندما عرض مشروع متحف فيديريكو فيليني الدولي، “مؤثرات الحلم مضمونة”.
وقد أحدث المخرج الإيطالي ثورة في السينما من خلال عالمه الحالم وخياله الجامح وكآبته الشاعرية، بفضل أعمال مثل “لا سترادا” (1954) و”ليالي كابيريا” (1957) و”لا دولتشه فيتا” (1960). وقد توفي في العام 1993 بروما إثر نوبة قلبية.
أفنى فيليني عمره وراء الكاميرا وصنع أفلاما تلقفها الجمهور والمهرجانات ونالت الجوائز منذ البدايات، رُشح وفاز مرارا بجائزة الأوسكار.
فيليني يعتبره المتابعون ظل إيطاليا إلى النخاع، في لهجته وعاداته ونظام حياته، لم تسحره هوليوود وهو في ذروة مجده وشهرته ولا استطاع الإقامة في بلاد أخرى، إذ بقيت موضوعاته مشدودة إلى روما وإلى الحياة الإيطالية.
ومن بين ما يقدمه المتحف الجديد للمخرج الإيطالي -علاوة على صور من أفلامه- صوره وهو شاب يافع، من مواليد العام 1920، في لقطات أرشيفية بالأبيض والأسود، لقطات مهتزة تعود إلى صيف 1944 عندما تحررت روما بعد الحرب العالمية الثانية.
ومبكرا انضم فيليني إلى زميله روبيرتو روسيليني في تأسيس الواقعية الإيطالية الجديدة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
هذه البداية المبكرة لشاب في عشريناته يستذكرها فيليني في حوار معه قائلا “لم أكن أعلم الكثير عن السينما، بل لم يكن يخطر في بالي قط آنذاك أن أصبح مخرجا سينمائيا، كنت عاشقا للأدب وعندما قابلت روسيليني بدا كمن يقشع الضباب عن طريقي، وسرعان ما انغمست في كتابة السيناريو وتطوير الشخصيات والأفكار الواقعية إلى صور، كان روسيليني معلما وملهما كبيرا بالنسبة إلي، وكان حلم ‘روما مدينة مفتوحة’ يكبر ويتحول إلى واقع بين أيدينا”.
في فيلم “ساتيريكون – 1969” يترك فيليني العنان لنفسه متدفقا، بعض النقاد عده متأثرا بالسريالية السينمائية التي مثلها لوي بونيول، إنها المزيد من التداعيات الصورية والانثيالات المرتبطة بالذاكرة المجردة.
روما نفسها شهدت إعادة قراءته للسينما وإسباغ ما تراكم في ذهنه من فن الباروك إلى غرائبية كافكا، إلى حرفية صناعة الشخصية عند وليم فولكنر؛ إذ غاص في كل هذا منذ تحفته السينمائية الكوميدية “أنا فيتيلوني”.
فيديريكو فيليني مخرج استثنائي أفنى عمره وراء الكاميرا وصنع أفلاما تلقفها الجمهور والمهرجانات والجوائز منذ البدايات
حياة المخرج الإيطالي لم تكن سهلة؛ فقد مر بحالة اكتئاب شديد تطلبت خضوعه لعلاج مكثف بمساعدة زوجته، وهي مناسبة لإطراء جوليتا ماسينا الزوجة والصديقة والشريكة في العاطفة كما هي نجمة السينما، الممثلة والمديرة لأعمال فيليني، بل هي الدائرة التي تدور في فلك فيليني وتمنح حياته طعما ومعنى، هكذا ظل يصرّح مرارا حتى موته وأنه لم يكن ليتصور الحياة من دونها.
في الستينات -الحقبة المزدهرة في حياة فيليني كما هي على صعيد السينما الأوروبية والإيطالية- مضى المخرج قدما في مشواره، وها هو في العام 1963 يعود إلى منجزه متسائلا إلى أين؟ إنها ثمانية أفلام ونصف الفيلم كل منجزه حتى ذلك العام؛ ستة أفلام روائية طويلة، فيلمان قصيران وفيلم بمشاركة مخرج آخر وهذه المرة أيضا مع مارسيلو ماستروياني، والفيلم حمل اسم “ثمانية ونصف”، وكأنه يستبطن ذاكرة ووعيا ذاتيا وقد أصبح ماستروياني الممثل الأرجح في أفلامه من بين سائر الممثلين وليحظى الفيلم بجائزتي أوسكار لأحسن فيلم أجنبي وأحسن أزياء، ويعرض بنجاح في مهرجانات عدة منها كان وموسكو.
لكن تلك التداعيات التي تتدفق في ذهن الشاعر – السينمائي مثل أحلام مترامية ستمتد بعيدا وصولا إلى تلك السريالية الغرائبية، غير أنها ليست منفصلة عن الواقع في فيلم “صوت القمر” (1993) المأخوذ عن رواية لأيرمانو كافازوني. وهناك من رأى فيه كثافة سردية من المرويات الشعبية والفولكلورية ممزوجة بغرائبية معتادة في أعمال فيليني.
ورغم كل متغيرات السياسة وتقلباتها تلك التي كانت تدور بضجيجها من حول فيليني منذ البدايات، ورغم كل مؤامرات الساسة وقصصهم التي ألهبت الرأي العام في إيطاليا إلا أنها لم تجعل فيليني السينمائي يركب قطار السياسة أو ينضم إلى حزب ما أو يصرح بمواقف سياسية مباشرة.
كان فيليني على الدوام يترك لأفلامه المساحة الكافية وحرية مواكبة الحياة بما فيها من متغيرات سياسية، وهي التي ترصد وتناقش وتسخر أقصى درجات السخرية من الساسة وأخطائهم وممارساتهم. وقد أبدع حقا في استخدام تلك السخرية التي ظلت تشكل علامة فارقة في أفلامه، ففيها نوع من الاستعارات اللاذعة والتوريات التي كانت تصيب المشهد السياسي في الصميم، وكان المشاهدون يجدون فيها الكثير مما يبحثون عنه من قراءة ناضجة وساخرة أيضا لذلك الواقع.