“مازلت أؤمن”: الحزن والحب
تختصر هذا الفيلم الذي أخرجه الأخوان أندرو وجون إروين (تأليف جون إروين إنتاج 2020) عبارة واحدة: ليس كل ما تشتهيه النفس البشرية يمكن أن يتحقق. وتفسره عبارة من الفيلم ذاته يقولها والد جيرمي في لحظة مواساة “هل لدي أحلام لم تتحقق؟ طبعا. ولكن أنا أعلم أن حياتي كاملة. وأحس بالثراء” ويقصد بالثراء أن ننظر إلى كل العطايا التي منحتنا إياها الحياة.
هذه العبارة التي في المشاهد الأخيرة من الفيلم المأخوذ عن قصة حقيقية لمغني أمريكي تمثل الخيط الرفيع الذي يجمع حبات العقد اللطيف الذي عنوانه “لا زلتُ أؤمن “I still believe“. يغادر جيرمي (ك ج آبا) البيت في إنديانا للالتحاق بالجامعة. يأخذ معه غيتار هدية ثمينة من أسرته تحصلت عليه بصعوبة لإدخال فرحة على ابنها. أسرة أمريكية بسيطة تشبه مئات الآلاف من الأسر عبر العالم. أصغرها الطفل جوش الذي يعاني إعاقة تمنعه أن يكون طبيعيا ككل الأطفال لكن تعامل الأسرة معه جعله يندمج مع محيطه على الرغم مما يثيره من المتاعب في مرات كثيرة.
يتعرف جيرمي على فريق غنائي ويندمج بسرعة مع “جون لوك” (ناثان ديان) المغني الشاب الذي يحظى باحتفاء الناس. كما يتعرف بسرعة على “ميليسا” (بريت روبرتسون) التي رآها تغني واعترف لها في أول لقاء أنه كان يراقبها. يتعلق الشاب بالفتاة بسرعة بينما هي تعلن له أنها ترتبط بعلاقة عاطفية مع جون لوك تصفها بأنها معقدة. ليست حبا وليست صداقة خالصة. إنها مزيج غير معروف التسمية لذلك عندما يتفقان على أن يكونا حبيبين يتفقان أيضا على تأخير الإعلان عن هذه العلاقة حرصا على مشاعر جون لوك.
الفيلم يعتمد بشكل كبير على الحركة البطيئة slow motion (في الغالب تقنيا-حين يجري تصوير الفيلم بسرعة أعلى من 24 إطارا في الثانية فإن ذلك الحدث سيظهر بطيئا على نحو واضح عند عرض الفيلم بالسرعة العادية) وهو يصور لحظات اتفاق بين الشابين واختلاف، ثم اكتشاف السرطان الذي تعاني منه البنت، وصولا إلى الزواج، محاولات الاستشفاء التي لا تنجح. تدهور صحة ميليسا إلى غاية وفاتها. والألم الذي اتسعت رقعته ليخيم على كل الأسرة. التضامن الكبير بين أفراد الأسرة ساعد جيدا في أن يكون الألم الكبير قابلا للتعايش.
أماكن التصوير زاوجت بين الداخلي في البيت، المستشفى، إقامة الجامعة، قاعات الحفلات، لكن أيضا احتفت بالأماكن المفتوحة. شاطئ البحر، الطرق الملتوية بين الجبال الكثيفة والثلوج، مشهد النهاية حيث غروب الشمس على الشاطئ. الفيلم وازن بصريا بين المشاهد القاتمة حيث الحزن والألم والتعاسة التي تتسلل إلى أبعد نقطة في الكيان الإنساني وبين مشاهد البهجة، حيث الموسيقى، اللقاءات الحميمية بين الأصدقاء، بين الحبيبين، مشهد الزواج.
هذه التكوينات البصرية (تكوين- Composition) التي يضمن فيها المخرج ترتيب العناصر البصرية والعلاقة بينها ضمن الإطار يمكن فهم نجاحها جيدا في هذا الفيلم.
أغاني الفيلم البسيطة تملأ الفيلم بهجة، وتجعل من غمامة من الجمال تحيط بكامل العمل. يتفق النقاد على أن يكون دور الموسيقى ثانويا تابعا ومع أن هذا الفيلم يحكي قصة شاب موسيقي يؤلف الأغاني ويقدمها أمام الناس إلاّ أن الموسيقى لم تكن تهيمن على الفيلم، ولا على الصورة ولم تستدع انتباهنا كثيرا. وبقيت العلاقة العاطفية ثم مأساة المرض والموت الأكثر شدا للاهتمام.
قد يكون الحزن عظيما وانفطار القلب موجعا لكن الذي يصنع الفارق وجود اليد التي تربت على أكتافنا والحضن الذي نرتمي إليه عندما تلقي يصبح السواد هو اللون الوحيد في أعيننا.
الأسرة والأصدقاء في هذا الفيلم كانا عاملين مساعدين في أن تسلك حياة جيرمي وجهة مقبولة ومرغوبة وتحقق له بعض الراحة في ظرف كان من العسير عليه أن يسعد نفسه يظهر هذا واضحا في المشهد الذي يقوم فيه الشاب بتهشيم الغيتار بكل الغضب والألم والخيبة أيضا.