كوبولا عن “الأب الروحي”: تصورت أنه سيفشل فشلا ذريعاً

فرانسيس فورد كوبولا فرانسيس فورد كوبولا

حوار: جينيل رايلي

ترجمة: رشا كمال

كان من المقرر أن ينال المخرج فرانسيس فورد كوبولا نجمته الخاصة في ممشى المشاهير في الحادي والعشرين من شهر مارس، اي تقريبا في نفس توقيت ذكرى مرور خمسين عاما على تاريخ عرض فيلم “الأب الروحي” The Godfather في السينما لأول مرة، وه ما حدث فعلا. ورغم مساهمة هذا الفيلم في إطلاق مسيرته الفنية إلى عنان السماء، إلا أنه استطاع أن يرسخ مكانته كواحد من أهم المخرجين المؤلفين، ويعود الفضل في ذلك إلى مجموعة الأفلام التي قدمها على مدار السنوات اللاحقة مثل فيلم “المحادثة” The conversation، “سفر الرؤية الآن” Apocalypse now، وبالطبع الأجزاء التالية من سلسلة أفلام الأب الروحي.


وقد تأثر كوبولا كثيرا من هذا التكريم، وكان عملياً في تعامله مع الموقف في نفس الوقت، فعندما أعرب البعض عن دهشته من عدم حصوله بالفعل على نجمته الخاصة حتى الآن، رد قائلاً: هكذا هو الحال، عند عرض أحد الأفلام تدفع الشركة التي أنتجت الفيلم من أجل وضع اسمه المخرج في ممشى المشاهير في شارع النجوم. وطالما كنت أنني أنفقت على انتاج وتوزيع الفيلم من مالي الخاص، فلم أكن محظوظا بالدرجة الكافية لتنوب عني أي شركة اخرى في هذه المهمة.

وقد أشار أيضا الى ان صديقه القديم، المخرج الكبير جورج لوكاس، ليس لديه نجمة تحمل اسمه أيضا في ممشى المشاهير، وقال إذا كان هناك من يستحق ان تكون لديه نجمة تحمل اسمه فهو جورج، سأعطيه نجمتي، كما اعترف إنه فرح كثيرا لحصوله على هذا التكريم، إلا أنه خجل من كونه الوحيد الذي وقع عليه الاختيار.
وقال: “على الرغم من أنني كنت أبدو متمردا على هوليوود، إلا أنني في الحقيقة مخلوقا هوليوودياً. لقد صنعتني هوليوود، وأعتز كثيراً بأنني جزء من هذا التقليد العريق. إذا كنت جزءاً من هذه الجماعة، ذلك التقليدي الهوليودي الرائع، فهذا أمر يسعدني.
اكتسب كوبولا بالفعل مكانته في هوليوود من فيلم “الأب الروحي” الذي عرض في السينما في الرابع والعشرين من شهر مارس عام  1972، واحياءً لهذه الذكرى، قامت شركة بارامونت بعرض الجزء الأول من هذه الثلاثية في دور العرض في أواخر شهر فبراير الماضي، كما أصدرت نسخا من الأقراص المدمجة بجودة فائقة للفيلم، أنتجت بالتعاون بين شركة بارامونت، وشركة زويتروب المملوكة لكوبولا.

وقال كوبولا: رغم مرور خمسين عاماً إلا أن هذه المدة مضت كلمح البصر، وأستطيع ان اتذكر جيدا كل ما حدث. ويتذكر تفاصيل عرض الفيلم، ويقول “ينتابك القلق عند صدور مثل هذه الأفلام بسبب الانطباعات الاولى، وتتمنى أن يمر الأمر بسلام، ولكن هذا خارج عن استطاعتك، ولكن على المدى البعيد يظل أفضل كنز هو اختبار الزمن لهذه الأفلام، عندما يلقى الناس نظرة على ما قدمته منذ خمسين عاماً، هذه هي المكافأة في حد ذاتها.
وتعتبر ظروف إنتاج وتصوير فيلم “الأب الروحي” حكاية مشهورة قائمة بذاتها، رواها العديد من الناس. وفي الحقيقة سيصدر منصة بارامونت بلس الرقمية مسلسل قصير بعنوان “العرض”
The Offer– وسيعرض في شهر ابريل.
وليس لكوبولا علاقة بهذا المسلسل، وأشار إلى” أنها وجهة نظر المنتج على ما اعتقد، ولكنها لا تعكس ما حدث فعليا على أرض الواقع”.

لم يكن  كوبولا مهتما في البداية بإخراج الفيلم المأخوذ عن رواية ماريو بوزو الصادرة عام 1969. 

وهو يقول: “بوزو ألف عدة روايات رائعة، ولكنه كتب “الأب الروحي” من أجل المال. فقد كان يحب عائلته، ويرغب في توفير احتياجاتهم، لذا قام بتأليف رواية أعتقد أنها ستتصدر المبيعات، ولكنها تحولت لتصبح مصدر الدخل الأول.
ويقول كوبولا إنه نظر الى ما هو أبعد من العناصر المثيرة في القصة، وركز فقط على الحبكة الشكسبيرية التي تدور حول الأب وأبنائه الثلاثة، ومن فيهم يصلح لخلافته.
ويقول: قمت بتشريح الرواية جيدا، واستبعدت الكثير من الأشياء، وماريو كان موافقا تماما على هذا الأمر، كما أضاف إن أفضل ما في تلك التجربة كانت معرفته بماريو، ووصفه بأنه رجل رائع.
وأعرب كوبولا عن تقديره واحترامه للكُتّاب والمؤلفين، لهذا أتى اسم ماريو قبل عنوان الفيلم أي ماريو بوزو- “الأب الروحي”، وليس فرانسيس فورد كوبولا- الأب الروحي، لأن الحكاية هي حكاية ماريو.

مستكملاً حديثه: إذا القيت نظرة على جميع افلامي، ستجد أسماء المؤلفين قبل عنوان الفيلم مثل جون جريشام في “صانع المطر” The rainmaker، وبرام ستوكر في دراكولا، Bram Stoker’s Dracula، وكان يجب أن يكون حقاُ جون ميليوس – سفر الرؤية الآن، لأن العبء الأكبر يقع على عاتق المؤلفين.

وقدم كوبولا فيلم “الأب الروحي” بعد إخراج افلام مثل فيلم “الجنون 13” Dementia 13، من انتاج روجر كورمان، والفيلم الموسيقي “قوس قزح فينيان” Finian’s Rainbow عام 1969، وحاز وقتها بالفعل على جائزة الأوسكار عن أفضل سيناريو سينمائي لعام 1970 عن فيلم “باتون” Patton. وقال لقد تم استبعاده رغم ذلك من اخراج الفيلم لنفس السبب الذي يفخر به- وهو المشهد الافتتاحي عندما يتوجه الجنرال باتون بالخطاب المباشر لحشد غير مرئي من الجنود.

من فيلم “بلاتون”

ويتذكر “قُلت في أحد الأيام إن السبب الذي تُستبعد لأجله وأنت صغير في السن، هو نفسه الذي ستكرم من أجله بجائزة الإنجاز الفني لاحقاً.” وعند سؤاله عما إذا كان قد شعر وقتها بأنه يحقق انجازاً ما أثناء إخراجه “الأب الروحي”، أجاب بكل صراحة: كنت أشعر أنه سيفشل فشلا ذريعا، فعندما تُقدم فيلما يخالف السائد، وهذا النوع الصعب من الأفلام، فأنت لا تفعل ما يتوقعه أو يرغبه منك الآخرون.

كما يرغب أن يستمر كوبولا على نفس خطواته المعتادة، أي ضد ما هو سائد في مشروعه القادم، وهو الفيلم الذي لطالما حلم بتنفيذه بعنوان “المدينة الكبيرة” Megalopolis، الذي سيكون أول أفلامه منذ فيلم “المنتصف” Twixt في عام 2011، ويأمل أن يبدأ في تصويره في الخريف، ولكنه قال”إذا اخترت تقديم فيلم عكس ما هو سائد، فمن الصعب الحصول على التمويل اللازم لإنتاجه” ولكنه سيستمر يعرض لخمسين عاماً قادمة.

آل باتشينو في “الأب الروحي”

وقد ورد في وقت سابق أن كوبولا يعتزم استثمار مائة وعشرين مليون دولار من ماله الخاص في هذا الفيلم، بعد أن قام ببيع حصة كبيرة من إمبراطوريته الضخمة الناجحة لصناعة النبيذ. ورغم أننا لا نعرف الكثير من التفاصيل عن حكاية الفيلم إلا أن المخرج يقول سأقوم بإخراج فيلم “المدينة الكبيرة”، وأقول لك إن الناس سيكونون مذهولين، وسيقولوا يا إلهي، إن الفيلم به أشياء كثيرة لم نستوعبها أول مرة، ولكننا نفهمها الآن. هذا ما اتمناه.
أما في الوقت الحالي فتغمره فرحة عامرة، ويشير إلي حفيدته جيا كوبولا، ويقول إنها تمثل الجيل الخامس من عائلة كوبولا في صناعة السينما. وقد بدأ تاريخ العائلة السينمائي مع جده أغوستينو كوبولا الذي أسس نظام الصوت” فيتافون” في السينما، ثم امتد إلى والده المؤلف الموسيقي كارمين كوبولا، واخته تاليا شاير، وابن أخيه الممثل نيكولاس كيج، وإبنته المخرجة صوفيا كوبولا.

وهو يصف كلا من المخرج دينيس فيلنوف، والمخرج كاري فوكوناجا، بأنهما مخرجان رائعان يقدمان أفلاما ذات ميزانيات الضخمة، ولكن لا أعتقد أن الفرصة أتيحت لهما لتقديم الأفلام التي يرغبان في إخراجها. اعتقد انه قد طُلِب منهم تقديم أفلام لا تعاكس التيار السائد. لدينا وفرة من المواهب الغنية، ولو كان الأمر بيدي، لمنحتهما فرصا أكبر لأنهما على قدر المسؤولية.

والأمر ليس كما لو أن كوبولا يعارض الأفلام الترفيهية ذات الميزانيات الكبيرة فهو يقول، “لقد أحببت فيلم “ديدبول” Deadpool، اعتقد انه كان رائعا”. ولكنه يأمل أن يستمر المخرجين في أخذ زمام المخاطرة بعض الشيء، فالسينما يجب أن تلقي الضوء على الحياة المعاصرة، ولكي لنفهم ما يدور من حولنا، نحن بحاجة لمن يقدمون رؤى لما يحدث حولنا.

عن مجلة “فاريتي” بتاريخ 20 مارس 2022

Visited 3 times, 1 visit(s) today