كمال رمزي يكتب عن “حمى الإخراج” التي تفقد الفيلم مصدقيته!

هى حالة من الممكن أن تصيب أى فنان. أسبابها: إما لأن الفنان ظل لفترة طويلة متوقفا عن عمله، أو لإحساسه أن ما يقوم به، هذه المرة، قد لا يتوافر له مرة أخرى.. فى ليالى أضواء المدينةإبان الستينيات، عاد المطرب عبدالعزيز محمود، بعد طول غياب، للوقوف على خشبة المسرح وما إن ينفرد بالميكروفون حتى يطلق عقيرته بالغناء، واحدة  تلو أخرى، متجاوزا المساحة الزمنية المخصصة له، متجاهلا الإشارات الآتية له، من الكواليس، بضرورة الانتهاء، مما يجبر المنظمين على إسدال الستارة، أو التهديد بإغلاقها.. وقيل فى هذا إن فناننا أصيب بـحمى الغناء.. وهى الحالة التى كانت تلحق بآخرين، مثل سمير الإسكندرانى، وسيد الملاح.

تمتد “الحمى”إلى مجالات فنية عدة، ومنها الإخراج، وربما يتجلى على نحو واضح عند الموهوب اللبنانى المتفجر الحماسى، عادل سرحان، صاحب “بيترويت”، الذى يدين العنف الأسرى، خاصة فيما يتعلق بالمرأة وهى قضية مهمة، عالميا، وملحة، عربيا، فبعد نصف قرن من إقرار الكثير من حقوق النساء، فى بلادنا العربية أخذت هذه الحقوق تشحب، وتتراجع، تحت دواعى التخلف المطالبة بعودتها للبيت تارة، وحق الرجل فى تأديبها تارة أخرى.. وفيما يبدو أن “سرحان”، كاتب ومخرج الفيلم، أصابته درجة زائدة من الحرارة، فجعل بطله، رامز، بأداء عشوائى من “حسن فرحات”، ينهال صفعا وركلا وشدا للشعر، كلما انفرد مع زوجته الجميلة، الرقيقة، ليلى، التى تجسدها دارين حمزة، الأنيقة، ناعمة الشعر، بماكياج كامل، لا يتأثر بالضرب والإهانة..

 حالة “الحمى”المعدية، تنتقل من المخرج إلى بطله الذى يطالعنا محتقنا، بمظهر الشيطان: شعر طويل مشعث، لحية كريهة، عيون غاضبة، فم واسع، صوت مرتفع، تزداد نشوته كلما رأى عذاب زوجته وكأنه يقول لنا: انظروا.. أنا أقرب للشيطان.

بناء الفيلم ينهض على خطين متوازيين، أسرة لبنانية، تعيش فى بيروت، وأخرى مختلطة، تعيش فى ديترويت بأمريكا. وعنوان الفيلم المتحذلق يمزج بين الاسمين، وعلى العكس من المرأة اللبنانية المضطهدة، تظهر المرأة الأمريكية ظالمة، وجلادة، تحميها قوانين ضد زوجها اللبنانى الطيب، المتهم بممارسة العنف ضدها، مما يؤدى إلى منعه من مشاهدة ابنته، وطرده من البلاد.. هكذا، علما أن الإحصاءات الرسمية تعلن أن امرأتين من كل ثلاث أمريكيات يُمَـارس العنف ضدهما. لكن هكذا شاء “سرحان”: هجاء الزوجة الأمريكية.

تصل حمى الإخراج إلى ذروتها مع نهاية الفيلم. الزوج المتوحش يخطف ابنته الطفلة. يقبع بها فى شقة مع عدد من أصدقائه، يتجرعون المنكر ويلعبون الميسر، وعقب مكالمة تليفونية يأتى فريق مهول من فرقة شرطة أو جيش، مدججة بالسلاح، تهبط بالحبال من أعلى البناية، وتصعد على سلالم متحركة نحو الشقة، وتداهم الوكر البائس، برجاله المترنحين، حيث لم يكن الأمر يحتاج لأكثر من ثلاثة أو أربعة مخبرين، يقومون بجرجرة ثلة التعساء من قفاهم.. لكن ماذا تقول فى مشاهد محمومة أدت إلى الذهاب بمصداقية الفيلم من ناحية، ومن ناحية أخرى، وجدت فى الصحافة البيروتية، من يتهجم على الجيش اللبنانى ويقول: إذا كان جيشنا بهذه المهارة، فلماذا لا يمنع عمليات الخطف؟..

وبهذا، يكون الجيش، والممثلون، والفيلم نفسه، دفعوا فاتورة”حمى” سرحان.

Visited 14 times, 1 visit(s) today