كتاب جديد يدعو إلى “التفكير في السينما”
تعززت الساحة الثقافية والمشهد السينمائي بصدور كتاب “التفكير في السينما.. التفكير بالسينما”، للناقد محمد اشويكة عن دار المدارس للنشر والتوزيع وبدعم من وزارة الثقافة المغربية. ويعد هذا الكتاب (207 صفحة) الصادر حديثا في أواخر سنة 2015، السادس ضمن كتابات اشويكة السينمائية والجمالية.
ويعتبر الناقد اشويكة كتابه هذا محاولة لتخليص الممارسة من بعض الأحكام المسبقة.. وهي دعوى للرقي بالنقد إلى مستوى التفكير في السينما وكتكملة، أيضا، لكتب أخرى استعصى على البعض قراءتها ضمن سياق شمولي.. إنه تساؤل في كيف تسعفنا السينما في التفكير من داخلها؟
يتوزع الكتاب بين خمسة محاور؛ أولها التفكير المنفتح في السينما، وهو على شكل مقاربات فكرية للعلاقة التي تجمع ضمنا الفلسفة بالسينما. فكل “الأعمال السينمائية الكبرى تتضمن أسئلة فكرية تشرع بابي التفكير والتأمل على مصراعيهما”. وكما حاول مخرجون كبار التعبير عن الفلسفة من خلال منجزاتهم الفيلمية؛ مثل تاركوفسكي وغودار.. فهناك أيضا من تبلورت تجاربهم الفكرية انطلاقا من السينما؛ كبرغسون ودولوز وإدغار موران. هذا التعالق الحاصل هو ما جعل محمد اشويكة يرصد جذور التفكير سينمائيا؛ مرورا من محبة الحكمة إلى كهف أفلاطون السينمائي.. إلى الصورة التي تنقلنا بالضرورة إلى استحضار الفلاسفة في السينما. كما وقف اشويكة مع فكر دولوز حول السينما والصورة. وبما أننا نبحث من خلال الفلسفة عن الحقيقة، فسينما الحقيقة كانت بالمقابل تبحث بدورها عن فلسفة الواقع الذي تصوره السينما. ورغم أن هذا الموضوع يتسع لأكثر من مقاربة فلسفية وابستيمولوجية (ربما في كتاب آخر)، فقد طرح الكاتب أسئلة مهمة تحتاج إلى تفصيل وتفكير (مادام الحديث عن التفكير) يضع الواقف أمام الكاميرا ومن خلفها في نطاق تلك المقاربتين.
في الفصل الثاني من الكتاب يتناول قضية النص/ الشاشة؛ طارحا تساؤلات عامة حول السينما والأدب والتلفزيون؛ إذ تبرز الإشكالية الأولى من طبيعة الاقتباس الحاصل في السينما، التي تتسم بكونها “غنية بالمحتوى الدلالي وبزمانيته” فيما يستند الأدب “على المنظومة الدلالية اللغوية ذات الطابع الاعتباطي المعقد من حيث ارتباطاته الواقعية والتجريدية المتشابكة”. وهنا تبرز إشكالية الانتقال من السرد المكتوب إلى السرد البصري، وهنا يشير اشويكة بتفرع لهذه الإشكالية من خلال العلاقة بين القصة القصيرة والسيناريو بالنظر إلى صعوبة الإبداع في مستوياتهما. ولا تقل أسئلة التلفزيون والسينما أهمية وحضورا في هذا الفصل من الكتاب.
ما العلاقة التي تجمع المدينة بالسينما؟ هل هي مجرد ديكور أم أن السينما ترقى بها إلى مستوى الشخصية الفيلمية؟ هذه الأسئلة يطرحها الناقد في الفصل الثالث، لسبر أغوار الفكر والفضاء، وذلك من خلال حضور مدينتي الدار البيضاء وطنجة في السينما. كما يبحث اشويكة عن الصحراء في السينما، وهو يتساءل: ما الذي يبحث عنه السينمائي في الصحراء؟ ولماذا لم تحض الصحراء بنصيب وافر داخل الفيلموغرافيا المغربية والبحث السينمائي عموما؟
يأتي الفصل الرابع مقسما إلى جزأين: الأول عن السينما والتاريخ والسياسة، والثاني عن السينما والبيئة. أما فيما يخص العلاقة بين التاريخ والسينما فقد أطرتها إشكالات متعددة كاستعادة الماضي وتوثيقه، ودرامية التخييل وواقعه التاريخي. ولطالما شغلتنا الأفلام التاريخية (والتاريخ) عن تمثيل الحقيقة بفنياتها. وهنا يعرض الكاتب آراءه مقارنا بين عمل المؤرخ وعمل السينمائي؛ إذ لكل آلياته وتقنيات عمله، لكن طبيعة حضور كل منهما في الآخر يؤزم التفكير السينمائي؛ انتقالا من السرد والمعرفة والتقدم التاريخي.. وصولا إلى ما يقابلهم سينمائيا.
حاول الكاتب، أيضا، تفكيك التباسات المعنى بين السينما والسياسة على مستوى ما يمس الحرية والرقابة وعلاقة الدولة بذلك.
في الفصل الأخير من الكتاب وردت ثلاثة مقالات (سبق للكاتب نشرها في محطات أخرى) تعرض لنماذج سينمائية جمعت في تجاربها جدل الفكر والممارسة؛ ويتعلق الأمر بتجارب لويس بونويل وأندري تاركوفسكي وجون لوك غودار.
رغم أن الكتاب ركز واعتمد، في معظم فصوله بشكل كبير، على السينما المغربية إخراجا ورواية فهل يجعل خطابه موجها للشأن المغربي أو لتفكيك التجربة السينمائية عموما؟!وإن لم تتم الإشارة إلى هذا الأمر، فالكتاب قد أعطى الأهمية الفكرية لتناول ما طرحه، ووفقا لما وسم فاتحة كتابه الذي يبتغي الوقوف عند كل عملية سينمائية أينما كانت.