كارثة ثقافية: الصروح السينمائية تخضع لقانون ساكسونيا!

في ظل العُطل الذي تعانيه دور العرض السينمائية في مختلف الأقاليم المصرية، نتيجة الإهمال والفوضى، وعوامل الهدم والاستيلاء غير القانوني، عملت وزارة الثقافة على تنشيط قاعات العرض في قصور الثقافة لتعويض النقص والتقصير، في محاولة لخلق فرص أمام الأفلام الحديثة لإثبات وجودها خلال المواسم والنشاطات الفنية التي تقام على هامش الفعاليات الثقافية، وهو ما يعد علاجاً مؤقتاً لأزمة دور العرض التي يمثل هذا الحل الجزئي لها اعترافاً صريحاً من جانب القيادات الثقافية بوجودها وتفاقمها، حيث لا تسمح الإمكانيات بإعادة بناء وترميم وتشغيل الدور المُعطلة منذ سنوات.

الغريب أن إقامة المهرجانات السينمائية، واستغلال قاعات المسرح في القصور الثقافية لإتمام الأنشطة صار هو الفعل الوحيد المتاح للتعتيم على المشكلة، في الوقت الذي تُبذل فيه الجهود من جانب المهتمين بصناعة السينما، لتفعيل الحركة الفنية وتنمية الاقتصاد السينمائي بطرق استثمارية على مستويات شبة فردية أو أهلية، بعيداً عن المؤسسات الحكومية المقصور دعمها على المهرجانات فقط، للإيهام بأن هناك صناعة واقتصاد وحركة تجارية رائجة ومتميزة.

بيد أن الحقيقة الجوهرية تشي بغير ذلك تماماً، وتوحي بتصور كاريكاتيري في التعامل مع القضية، يذكرنا بقانون ساكسونيا، الذي تهكم به عادل إمام في فيلم «الغول» أثناء التحقيق معه في جريمة الفساد الشهيرة التي كان بطلها فريد شوقي. وزارة الثقافة بوصفها الجهة المعنية لم تلتفت إلى حجم الإهمال الواقع على دور العرض السينمائية في عموم الأقاليم، فلم يتم حصر شامل للدور المُهملة والمُهدمة، رغم أن هناك ما يزيد عن خمسين مبنى سينمائيا موجودة في كافة محافظات الجمهورية غير صالحة للتشغيل، بخلاف ما تعانيه الدور الأخرى في العاصمة من تهديد بالهدم والتعدي الصارخ من قبل البلطجية وسماسرة العقارات والأراضي، لتحويلها إلى مولات تجارية ووحدات سكنية ومنتجعات سياحية.

من بين دور العرض التاريخية التي جرى عليها قانون الإهمال، وباتت رهينة في يد التجار والمتربصين بالثقافة والتنوير، سينما أوليمبيا، وهي واحدة من الدور الأثرية القديمة، بالإضافة إلى سينما الأوبرا الواقعة في ميدان إبراهيم باشا في منطقة الأزبكية وسينما ريفولي في شارع 26 يوليو وسينما الشرق في السيدة زينب، وسينما شبرا بالاس وسينما الزيتون وسينما النهضة الصيفية وسينما كورسال في حي بولاق أبو العلا، وهي آخر ما تم هدمه وتسويته بالأرض، إيذاناً بإقامة مشروع تجاري جديد بعد رفع الأنقاض.

وبالطبع تتكرر جرائم اغتيال الصناعة الذهبية بالطريقة نفسها في عواصم المدن، ففي مدينة أسيوط على سبيل المثال كانت هناك داران للعرض السينمائي، تم هدم واحدة منهما ولم تتبق سوى واحدة فقط لا تعمل بانتظام، وفي مدينة ديروط تم وقف النشاط في سينما القرشية الشهيرة والوحيدة في المدينة، وما جرى عليها جرى بالقطع على بقية السينمات الأخرى في جميع المدن والمحافظات في شمال مصر وجنوبها، بعلم أو بدون علم وزارة الثقافة، التي أهملت هذا الملف تماماً واستعاضت عن دور العرض السينمائية بقصور الثقافة، متجاهلة الأهمية التاريخية والأثرية والحضارية للدور الأساسية السابق ذكرها.

كما أن هناك تغاضيا أو إغفالا لقانون حماية المباني الأثرية والثقافية التي تندرج دور السينما ضمن بنوده الرئيسية، حسب التشريع القانوني الذي يحظر أي مساس بالمنشآت، إلا بعد الرجوع للجهات المسؤولة لاستبيان حقيقة وملابسات ما يخص الأثر وما يتهدده من أخطار، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات للمحافظة عليه والعمل على صيانته، هذا القانون لم يُفعل منذ سنوات لأن هناك بعض العناصر المستفيدة من تعطيله، وهم حزمة من رجال الأعمال والقراصنة الكبار. إن من يرفع شعار الثقافة والتنوير في الوزارة المنوط بها هذا الأمر، هو آخر من يشغل نفسه بقضية حماية دور العرض السينمائية من القرصنة والإزالة، لأنه لم يكلف نفسه عناء النزول للمواقع لرؤية الكارثة واقعياً وعلى الطبيعة، بدلاً من الاعتماد على التقارير المكتوبة والشرح النظري للمشكلة وأبعادها ومخاطرها الثقافية، وتأثيراتها السلبية على الوعي العام الجماهيري والشعبي، ومستقبل السينما كفن وصناعة وتجارة واقتصاد.

Visited 141 times, 1 visit(s) today