“قلب الأسد”.. الواقع المصرى والتاريخ الهندى!
على عُهدة بعض المواقع الصحفية، يقال إنه الفيلم الذى حقق أعلى إيرادات افتتاحية لأى فيلم عبر تاريخ هذه السينما العريق. يتحدثون عن 3ملايين و200ألف جنيه فى أول يوم عرض. الفيلم هو أيضاً ثالث بطولة للموهوب محمد رمضان، بعد فيلميه “الألمانى” و”عبده موتة”، كما أنه من إنتاج أحمد السبكى، أحد أفراد العائلة السبكية، التى قدمت أنجح الأفلام التجارية فى السنوات الأخيرة.
نحن إذن نتحدث منذ البداية عن فيلم يحاول استغلال النجاح السابق لنجم جديد، ولكن “قلب الأسد” تجربة تستحق الحديث عنها من زاوية أنها بالفعل أفضل أفلام محمد رمضان الثلاثة كبطل شاب، بل إن العمل كان يمكن أن يكون دراما شعبية مميزة، لولا هذا الخط الهندى الذى لازم خلفية الأحداث، ثم أثّر على نهايتها دون مبرر أو لزوم.
مشكلة “قلب الأسد” ليست فى رسم شخصية بطله فارس الجنّ، بل إن هذه الشخصية بتفاصيلها وعباراتها وحركاتها هى أفضل ما فى الفيلم، أزمة فارس فى أنه نموذج حقيقى من الواقع المصرى، ولكنه يمتلك تاريخاً هندياً غرائبياً، وكأنك أمام طبق فول معتبر بالزيت والليمون أضيفت إليه توابل هندية غيّرت طعمه دون حاجة الى ذلك.
فارس، كما رسمه السيناريو، شخصية قوية وماكرة ومستقلة، لم يكن فى حاجة الى مفاجأة ميلودرامية مضحكة لتغيير اختياراته، ولكن ماذا نفعل إذا كان كتاب السيناريو يرفضون استكمال عملهم دون تلك اللمسات الهندية المليئة بالمبالغة والإفتعال؟!
ليس بلطجياً
يختلف فارس (محمد رمضان)، عن الألمانى و عبده موتة، فى أنه ليس بلطجياً، شخص عادى تماماً يمكن ان تقابله فى أى حارة مصرية، بملابسه ومظهره الغريب، فارس أيضاً له عمل معروف هو ترويض الأسود فى السيرك، يمتلك كذلك شبلاً صغيراً، يحمله الى الأهرامات، ليلتقط معه السائحون صوراً مقابل دولارين للصورة الواحدة.
بطلنا لديه فى نفس الوقت دائرة علاقات إجتماعية محدودة ولكنها متماسكة: خطيبته الجميلة رقيّة، وأمها صفية التى تمثل بالنسبة له أمه البديلة، ولديه صديق وفى هو سيد، لن يلجأ فارس لكسر سيارة، وسرقة ساعة وتليفون محمول، إلا للحصول على 3 آلاف جنيه لعلاج أمه البديلة.
ولكن فارس سئ الحط مثل الألمانى وعبده موتة، لذلك يتصادف أن يكون صاحب السيارة تاجر سلاح كبير يدعى سليم الوزّان (حسن حسنى)، مافيوزى على الطريقة المصرية، لديه مخازن تقليدية شاهدنا مثلها فى أفلام الخمسينات، وفريق من الحراس الأشداء بقيادة الممثل محسن منصور، كما أنه يتعامل مع ضابط بوليس فاسد يدعى تهامى (صبرى فواز).
ينجح تاجر السلاح فى استعادة تليفونه المسجل عليه مكالماته المشبوهة، ويقوم بتعذيب فارس وسيد (ماهر عصام)، ولكن فارس يصمد أمام التعذيب، بل إنه يثير إعجاب سليم بشجاعته، وبقدرته على احتجاز زوجة سليم الشابة (حورية فرغلى) كرهينة، فيعرض على فارس أن يعمل لديه، وخصوصاً أن مروَض الأسود شجاع، وليس لديه أى سجل إجرامى أو جنائى.
الحياة السهلة
منبهراً بالحياة اللامعة السهلة، وهارباً من حياة فقيرة، يوافق فارس على العمل، ولكنه يمارسه وفقاً لمفهومه التقليدى عن الجدعنة والرجولة الشجاعة: يرفض أن يخون سليم مع زوجته الشابة التى اشتراها بالمال، وينجح فى استعادة أسلحة وأموال من أحد العملاء الخونة، شخصية بهذه التركيبة تنتمى رأساً الى عالم أبطال الأفلام الشعبية الصغيرة، التى كان يقوم ببطولتها الممثل الراحل محمود إسماعيل، ويخرجها الراحل حسن الصيفى.
ولكن سقوط فارس المدينة الجدير بالألفية الثالثة لن يكون كاملاً، هو بالأساس ليس شريراً، ولذلك يوافق بصعوبة، وبعد تردد طويل، على طلب سليم، بقتل ضابط بوليس شريف يطارده (عمر مصطفى متولى)، وفى ليلة التنفيذ، تحدث مفاجأة قادمة مباشرة من السينما الهندية، تغيّر مسار الأحداث، وتدفع فارس للتعاون مع الشرطة بدلا من تاجر السلاح.
ولأننا أمام بطل شعبى، فلابد من مكأفأته بشكل مضاعف: سيصبح شاهد ملك فى إدانة سليم، وسيحصل على أموال العصابة، وسيستعيد خطيبته التى نالها من التعذيب جانب، وسيغلق حكاية تاريخه الهندى القديم.
توابل هندية
فضّلتُ أن أسرد لك الأحداث بدون التاريخ الهندى لفارس حتى أثبت لك أنه لم يضف الى السيناريو، بل إن هذه التوابل صنعت ثغرات ومبالغات لم يكن الفيلم فى حاجة إليها، كان يكفى أن يكون فارس مجرد طفل بلا عائلة، قادته ظروفه للعمل فى السيرك، وكان يكفى أن يتعاون مع البوليس لأنه ضد أن يمارس القتل، أو حتى تحت ضغط خطيبته، أو بوازع من المصحف الصغير الذى يحمله فى جيبه.
ولكن شاء السيناريو أن يجعل من فارس طفلاً اختطف فى طفولته من والده الكفيف، اختطفه رجل شرير يعمل فى السيرك يدعى زينهم (سيد رجب)، لكى يبيعه الى سيدة ثرية، ولكن سن الطفل الكبيرة لم تسمح بإتمام الصفقة، فدرّبه الرجل على ترويض الأسود، وظل فارس كارهاً للرجل الذى خطفه.
وشاء السيناريو أن نكتشف أن الضابط الشريف ليس إلا ابن عم فارس الذى كان يلعب معه فى طفولته، وجاء الإكتشاف بطريقة مضحكة حقاً، إذ حانت التفاتة من فارس وهو يصوب مسدسه الى رأس الضابط فى منزله، فرأى صورة ثلاثية (لوالده الكفيف ولنفسه ولابن عمه صغيراً)، وهكذا أصبح المهمش ابن عم الشرطة، فتراجع فارس عن مقولته الخالدة “إذا أردت النجاح .. اشتغل تاجر سلاح”.
صحيح أن التاريخ الهندى تم تقديمه فى فلاشات سريعة دمجت بشكل سلس قى السرد، وصحيح أنها تمت باستخدام الحد الأدنى من الإبتزاز العاطفى الميلودرامى، ولكنى أعتقد أنها فتحت ثغرات فى البناء أقلّها أن تتساءل: ولماذا لن يبحث فارس الفارس عن والده طوال الفترة الماضية رغم علمه أنه طفل مخطوف من أب كفيف؟!!
ولكن الإنصاف يقتضى منا الإشارة الى أن تنفيذ الفيلم كان جيداً، كريم السبكى مخرج لديه إحساس بإيقاع المشاهد، هناك بالطبع بعض الإستخدام المراهق التقليدى مثل الكادر المائل فى مشهد لقاء الضابط الشريف بزميله الضابط الفاسد، ولكن هناك مطاردات متقنة الصنع (مونتاج عمرو عاصم وتصوير محمد عزمى)، وبعض التكوينات الذكية مثل لقاء فارس بخطيبته، هو يردد نازلا السلم “أنا طموح”، بينما هى واقفة فى شموخ أعلى السلم، لابد من الإشارة أيضاً الى الإدارة الجيدة عموماً للممثلين.
محمد رمضان استعان بالطبع ببعض حركات الألمانى وعبده موتة، ولكن نجاحه الأهم فى الإقناع كبطل حركة رغم أنه هزيل جسمانياً بالمعنى الحرفى للكلمة، نحن أمام بطل مختلف عن نجوم الأكشن التقليديين، يستخدم عقله ومكره مثلما يستخدم قدميه فى الهروب وقت الخطر، شجاعته فى خفة الحركة والسرعة مثل فرقع لوز أوعفريت العلبة، يتحمل الضربات مثلما ينتهز الفرصة لردها، يتقبل الإساءة إنتظاراً لفرصة الإنتقام عندما تحين اللحظة المناسبة.
أعجبتنى كذلك لمسات رمضان المرحة، حتى الأغنية كان توظيفها مقبولاً وليس مقحماً كما فى كثير من أفلام السبكية، الحقيقة أن نظرة فارس الطيبة جعلته أقرب الى طفل فرضت عليه الظروف أن يتورط فى لعبة عنيفة.
عاد حسن حسنى الى أفلام السبكية، دوره هنا تقليدى، ولكنه الفيلم كان فى حاجة الى ثقل حسن حسنى حتى يشعر المتفرج بخطورة الصراع، حورية فرغلى لعبت أيضاً دوراً مختلفاً كان يحتاج الى حضورها الجسدى، ولكن فى مسارآخر مختلف.
لن تستطيع السينما المصرية الإستغناء عن الفيلم التجارى، الواقع أن كثيراَ مما يطلق عليه كلاسيكيات السينكا المصرية ليس فى حقيقته سوى أفلام تجارية جيدة الصنع، نجاح “قلب الأسد”، ومن قبله “عبده موتة”، يؤكد أن الجمهور فى حاجة الى استعادة البطل الشعبى فى الفيلم التجاري. رأيت كيف تجاوب الجمهور مع عبارات فارس مثل “اللى أوله شمال .. آخره شمال”، و” ناس عايشة .. وناس بايشة”، و” فارس الجنّ ما يتأجرش على راجل مُسنّ”.
كل ما نطلبه هوعدم الإستسهال، وإتقان الصنعة، لماذا إذن يستوردون اللمسات الهندية وفى واقعنا ما هو أكثر صدقاً وتأثيراً؟