قراءة في المشروع الجديد لتنظيم الممارسة السينمائية بالمغرب
مبارك حسني
السينما بالمغرب أمر جدي، وأكثر من جدي، ولم تعد نوعا واحدا فقط أنواع الممارسة الثقافية، على غرار المسرح والتشكيل والآداب، بل هي التي، على ما يبدو جليا، تحظى قضاياها وتطويرها بالاهتمام الأكبر، وبالمتابعة الجماهيرية والإعلامية الأبرز.
فبعد مرور أقل من ست سنوات لا غير على موافقة البرلمان والحكومة على قانون تنظيمي سنة 2017، كان موجودا لمدة أربعين سنة، ها هو مشروع قانون جديد قد تم اقتراحه، سُمي بالمشروع الأولي لتعديل القانون المتعلق بإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي وتنظيم صناعة الأفلام في المغرب.
أثار مشروع القانون الكثير من النقاش والجدل في كل الأوساط المرتبطة بالسينما من منتجين ومخرجين وموزعين وأصحاب قاعات وتقنيين ونقاد ومثقفين، عبر مؤسساتهم وجمعياتهم التي ينتظمون فيها، وذلك، بغرض أن لا يخرج هذا المشروع ناقصا، أو متضمنا لبنود قد تكون مثبطة للعزائم وغير سَلِسَة في التطبيق، أو لا تراعي كل خصوصيات وحيثيات ومشاكل الممارسة السينمائية كما المستجدات الكبرى التي أصبحت تتحكم فيها على مستويات عدة، وأبرزها تغير ظروف المشاهدة التي لم تعد تقليدية، مع ظهور وتعدد المنصات والرقمنة ودخول التجديدات التكنولوجية في صناعتها. وهو ما يفرض مواكبتها وأخذها بعين الاعتبار.
لكن هناك عاملان أساسيان استدعيا اقتراح تنظيم جديد للنشاط السينمائي، ومده بقوانين وآليات مختلفة عما سبق. أولها يتجلى في تزايد عدد الأفلام المُنتَجة والمُدعَّمة سنويا، والموازي لتزايد مشاريع الأفلام المقدمة للحصول على الدعم بشكل ملحوظ في كل دورة من دورتي إعلان النتائج للأفلام المحظوظة.
فمما تجب الإشارة اليه أن وجود هذه الأفلام من عدمه، يرتبط ارتباطا كليا بالحصول على الدعم المالي الذي تقدمه الدولة عبر صندوق التسبيق على المداخيل، وهو الذي من المُرجح أن يرتفع قدره المالي المخصص كي يُساير هذه الحركية الإنتاجية.
إلا أن هذا الدعم تبث فيه لجان مكونة من أشخاص مختارين يقررون في كيفية صرف هذا الدعم. وهي لجان لا تحظى دائما بالقبول العام. ويقترح المشروع الجديد النظر في كيفية صرف الدعم بشكل يحقق الأهداف المبتغاة، أي أن تكون الأفلام قد حققت بعض الجدية سينمائيا في توافق منطقي مع الأموال المصروفة عليها.
فالحقيقة التي لا مراء فيها هي أنه بدون هذا الدعم، لما كانت السينما بالمغرب تحوز على الزخم الملحوظ عربيا وقارياً، وعلى بعض الاختراقات على مستوى أكبر، والتي من المرشح أن تتسع على المستوى العالمي، كما يهدف الى ذلك مشروع هذا القانون في صيغته المقدمة للمداولة من طرف كل المهنيين في القطاع السينمائي.
وما دامت الدولة هي المُنتج الوحيد تقريبا، كان لابد من عقلنة الدعم ومحاربة أية وسيلة لتَسَيُّبه وتشتته وذهابه الى من لا يستحقه، كي تؤدي السينما وظيفتها الإبداعية أولا، وكي تعكس ما يموج داخل البلد من حركية سياسية واجتماعية وثقافية، ومن نقاش عمومي، فالمشروع ينص مثلا على تشجيع الانتاجات التي تعكس تاريخ المغرب.
العامل الثاني يتجلى في كيفية ضمان مشاهدة الأفلام المنتجة وتوزيعها بشكل متكافئ وجيد، في الوقت الذي يعرف فيه عدد القاعات السينمائية انحسارا متزايدا منذ سنوات، جعله لا يتجاوز أربعين قاعة، تنحصر في بعض المدن الكبرى فقط. فلا سينما بدون قاعات مجهزة ومريحة وضامنة للاشتغال المستمر. في هذا الإطار، تمت الإشارة إلى تفعيل قاعات العرض في المركبات الثقافية والتي يناهز عددها ال 150 قاعة.
اقتراحات المشروع الجديد
إذن ما بين الإنتاج (الإبداع) والتوزيع (مشاهدة ومتابعة هذا الإبداع)، جاء مشروع القانون الجديد للإجابة عن هذه الأوضاع العامة، كذلك لضمان استمرار السينما بشكل أفضل.
كان هناك اقتراحان أوليان يتميزان بالجدة، خلقا نقاشات هامة حولهما. الأول هو ألا يكون المرشح لإدارة المركز السينمائي المغربي، أي المؤسسة المنظمة والراعية لكل نشاط سينمائي بالمغرب، مُنتجا أو مُخرجا، كما يجب ألا يكون يمارس أي مهنة أو وظيفة يمكن أن تضعه في موقف تعارض المصالح. وهو الأمر الذي تم انتقاده طويلا في السنوات الأخيرة. فالمدير السابق كان منتجا معروفا. والمقترح الثاني يخص فصل إدارة الخزانة السينمائية عن إدارة المركز السينمائي. وهو أمر ما فتئ موضع تساؤل كبير حول مؤسسة كانت حلم جميع عشاق السينما بالمغرب، والتي حالما تحقق، لم تلب كل الرغبات المرجوة.
السؤال المطروح هو هل هذه الإصلاحات ذات الصبغة الإدارية كفيلة بخلق الإضافة النوعية المرجوة؟ لا يمكن الجواب تحديدا، ما دام الأمر يخص الأشخاص الذين سيتولون تطبيق بنود المشروع الذي يبدو أنه في طريقه إلى التحقق.
المستجدات
لكن، وكيفا كان الحال، لا يمكن إلا تثمين اقتراحات مستجدة، كانت موضع ندوات وحلقات نقاش عامة، وتخص أولا الجهوية أي التوزيع على الولايات المختلفة، وذلك بإيجاد لجان الفيلم على مستوى الولايات، تتكفل بالعلاقة التي ستقوم بين المركز السينمائي المغربي والسلطات المسؤولة والمنتجين المحليين في كل ولاية ومقدمي الخدمات في مجال السينما والسمعي البصري، كي يُمكِّنوا المنتجين من أماكن ووسائل التصوير.
ولا يخفى ما لهذه الآلية من أهمية في تعميم الممارسة السينمائية من جهة، وتوسيع دائرة الجغرافيا السينمائية لتسع الوطن بأكمله، كما هو الحال في فرنسا مثلا. وتخص المستجدات ثانية خلق دعم جديد، إلى جانب الدعم الموجود المُقدم للفيلم ثم للمهرجان السينمائية وللقاعات، ويتجه إلى مساندة مادية لكل ما له صلة بخلق وتجديد استوديوهات التصوير وكل هيئة بإمكانها الانخراط في الانتاج السينمائي والسمعي البصري والتوزيع وتوفير الآلات والمعدات الخاصة بالسينما، والترويج للفيلم المغربي.
وقد ذكر المشروع بالحرف ضمن ما ذكر، توزيع أفلام سينما المؤلف. وهو أمر له أهميته الإبداعية والثقافية، وهو كفيل بأن يعيد التوازن، إذا ما تحقق، للسينما الحقة، والتي لا تضاد أبدا سينما الترفيه، التي بدأت تُعمم انتشارها شبابيك قاعات المُركَّبات السينمائية التجارية في المدن الكبرى في هذه السنوات الأخيرة.
وهذا كله يندرج في بوتقة واحدة يطلق عليها تكريس وجود فعلي للصناعة السينمائية الوطنية، التي هي الهدف الأساسي المنشود، على أساس تشجيع مبدأ تكافؤ الفرص وتدعيم التنافسية ومحاربة الضبابية في منح رخص مزاولة السينما، ورخص التصوير ورخص تأسيس شركات إنتاج ورخص تنظيم المهرجانات. فهل سيتحقق ذلك؟