“في الخطاب السينمائي” تجربة 11 سنة من العيش مع السينما

Print Friendly, PDF & Email

الكتاب هو “في الخطاب السينمائي” للناقد والببحث عبد المطلب أعميار، الذي صدر سنة 2010 من الحجم المتوسط وبحمولة 96 صفحة ذات البعد الثقافي السينمائي العميق والمتسائل عن طبيعة السينما شعريتها فلسفتها تحليلها خطابها وذلك بعمق نظري كانت متناثرة في هذه الجريدة وتلك. أسئلة نابعة من لحظة المشاهدة ووقفة القراءة والتأمل الرؤية البعيدة للكاتب الذي دفعه انشغاله بالسينما إلى الكتابة أولا ثم إلى الترجمة لمحاولة تناول بعض الإشكالات التي يطرحها الفيلم.  

جاء الكتاب في أحد عشر فصلا إذا صح التعبير بادئا بعبارة لجيل دولوز “تعلمنا السينما تمثل الزمن الحاضر وهو يمر. لأنه قد يمكننا من إدراك مرور الحاضر الذي كان” .

وفي التقديم يطرح الكاتب أسباب إصدار الكتاب الذي يبقى تجميعا لمقالات أنتجت ما بين 1986 و1997 بفضل الأندية السينمائية كما يشير الأستاذ أعميار حيث إنتاج المعنى وتوزيع الأفكار وبناء القيم.  

نعم فهي المدرسة التي أصبح تلامذتها كتابا ونقادا ومخرجين ومدبرين للشأن السينمائي بالمغرب بغية التواصل مع المهتمين لتبادل الأفكار حول اللغة السينمائية وموقعها في الوعي والثقافة وتدقيق المفاهيم بعد التراكم الذي عرفته المشاهدة الجماعية بالأندية السينمائية فكان موقعها طبيعيا كما أشار المؤلف. 

لكن أسبابا أخرى دفعته إلى ذلك كغياب توثيق الكتابات النقدية في المغرب. بالإضافة إلى القصور في البحث السينمائي آنذاك. ثم غياب الاشتغال على الخطاب السينمائي عموما كسؤال فكان الخطاب السينمائي كمساهمة في تأسيس الخطاب النقدي السينمائي المبني على تفكيك الخطاب السينمائي المثير للأسئلة اللسانية و السيميولوجية. وأخيرا الكشف عن عناصر القراءة الفيلمية في سياق بيداغوجي.  

بدا عبد المطلب كتابة بالفيلم كفضاء للقراءة وبالسؤال عن أية قراءة؟ هل التي تروم خطية الفيلم لقطة مشهد وهكذا؟ هل البحث عن المعنى عن طريق الأدوات؟ أم البحث في المضامين؟ أنها إشكالية القراءة الواعية للفيلم يرى المؤلف. والذي يضيف  على أن لهذه القراءة ظروف جغرافية نفسية عين المشاهد وتراكماتها والقدرة على الالتقاط أو طبيعة الفيلم ونوعيته. 

وبهذا الفصل ينقلنا إلى الخطاب السينمائي عند كريستيان ميتز حيث يؤكد أن قراءة الفيلم هي إعادة بنائه كما اعتبر النص واقعا مجردا لا يمكن إخضاعه لنمطية محددة. كل هذه الأفكار وغيرها اشتغل عليها في تقسيمات فرعية تعالج السينما في علاقتها باللغة والتعبيرية الفيلمية كقضية ترتبط بالأسلوب. ليبقى السؤال لسانيا حيث التمييز بين اللغة الطبيعية واللغة السينمائية بتشعباتها.  

وفي نفس السياق أورد الفصل الموالي موضوع “السردية: وجهة نظر حول التلفظية في السينما” الأمر الذي يفرض بعض التعديلات النظرية للتمييز خصوصا بين ما يرتبط بالحكي وما يرجع للأسلوب كما يقول الكاتب الذي عرض بعض المحاور التي تأملها حسب فرانسوا جوست صاحب كتاب “العين الكاميرا بين الفيلم والرواية” هكذا تناول الكاتب تيمة الحكاية والخطاب ودلالة حركة الكاميرا بالإضافة إلى التبصير والسرد الظاهري والباطني. وهو الفصل الذي ترجمه عبد المطلب عن المقال الأصلي لصاحبه François Jost المعنون ب la narratologie-point de vue sur l’énonciation لسنة 1988  

وفي فصل آخر مترجم كذلك طرح السؤال التالي”ماهي السيميوبراكماتية؟” والتي تعتبر مقاربة الفيلم كمنتوج في علاقته بالمشاهد وبالمؤسسة التي تؤطر عملية المشاهدة. مقسما الفصل إلى محور سماه “الخطاب الفيلمي خطاب مفارق” ومحور عنونه ب”السيميوبراكماتية و امتحان المشاهدة” وتناول في الثالث “عملية المطابقة وتغيير التطابق”.

وفي باب الشعرية سينتقل الكاتب من الأدبية إلى الشعرية الفيلمية في ترابط مع الأصول التداولية للمفهوم. مسترجعا مجموعة كتابات مجموعة من الكتاب و الباحثين في الموضوع من أرسطو إلى ناظم حسن صحب المفاهيم الشعرية وتودوروف و بودريار ومارك فيرني الذي يعتبر أن السينما مرتبطة بفلسفة الجمال. ويختم الكاتب قائلا “وإذا كانت جمالية الصورة لا تعني دائما جمال الواقع. فإننا نطمح لاكتشاف قبح العالم ومأساة الزمن عبر شعرية تظهر لنا انكسارات الوقت وتيه الوقت وتيه الذات”. 

ومن الشعرية إلى فلسفة السينما عند جيل دولوز في فصل جديد والذي عرض المؤلف بصدده نمطان من الصورة السينمائية ومستوياتها منتهيا فصله بنظام جديد للصورة. حيث الرؤية الجديدة للزمن حيث الصورة – الزمن. وبالتالي: كيف للسينما أن تدشن تصورا جديدا لرؤية الزمن؟  

وناقش الكاتب في فصل موالي إمكانية كتابة الأفلام للتاريخ. أو كيف يمكن للسينما أن تكون شاهدة وفية لعصرها؟ وقد تناول المؤلف علاقة السينما بالواقع و بالرمز وإمكانية استباق الواقع حيث تصف الصورة سلوكات يصعب على الجسم الاجتماعيتصورها. أورد الكاتب نماذج من الأفلام حيث تمكنت السينما بفضل الفضاءات و الإنارة و الإشكال الهندسية وغيرها من الارتباط بالتاريخ وحركية المجتمع. 

وفي الفصل الموالي (بالرغم من أن المؤلف لا يسميها فصولا في كتابه) اشتغل على الصورة الفيلمية: نقد التلقي الانطباعي. و الذي لا علاقة له مع المقاربة النقدية دون أن يقدم الكاتب أجوبة على الأسئلة التي يطرحها مكتفيا بجذرية السؤال الممهد للتفكير الجماعي وإثارة الإشكالات التي يثيرها الخطاب الفيلمي. كما نقد للتلقي الإيديولوجي في اتجاه خطاب نقدي مؤسس علميا. بحثا في الدلالة المنبثقة من الصورة الفيلمية كنظام لغوي بصري. 

ليقودنا الفصل التاسع إلى التحليل الفيلمي كتمرين بيداغوجي والذي اثأر اهتمام النقاد والأندية السينمائية حينما نشر في إحدى الجرائد الوطنية. وهو يورد في هذا الفصل كما أشار في كتابه المبادئ العامة التي تؤطر العملية التحليلية للفيلم كتمرين بيداغوجي كما أوردها روجي اودن في مقال L’analyse filmique comme exercice pédagogique بدءا من مشكل قصدية المؤلف وصولا إلى مشكلة الموضوع مرورا خصائص القراءة الفيلمية. 

وفي الفصل ما قبل الأخير والمعنون بـ”إبن رشد بين لويس بورخيس ويوسف شاهين”  مشتغلا على فيلم “المصير” والذي قد يكون فيلما عابرا لكن ابن رشد كمادة خام للتفكير والتأمل ويوسف شاهين ككاتب بلغة الإضاءة والصوت والصورة والموسيقى والتمثيل استطاع أن يجعل من هذا الفيلسوف أكثر إثارة للنقاش. وهو الذي طرح موضوع الإنسان للتداول بين الدين والموسيقى والرقص الطب والقضاء والسلطة التي ترهن أفكار ابن رشد المتنورة في دهاليز مؤسستها الحاكمة كما يقول الكاتب الذي بين في الفيلم كيف يموت الإنسان من اجل الإنسان. وطرح كذلك مجموعة من الأسئلة وهو يتناول الفيلم المذكور حول العلاقة الثنائية بين الخليفة وابن رشد المليئة بالتساكن و التنافر.ويشير الكاتب إلى أن الفيلم هو إدانة للفكر الديني المعادي لقيم الحرية و العقلانية. ليختم بسؤال: هل نجح يوسف شاهين في حفر الذاكرة التاريخية العربية؟ 

ينتهي الكتاب بفيلم ثان معنون بـ”تعبيرية الزمن والجسد في فيلم تيتانيك” بين زمن المحكي وزمن الحكي باعتبار الزمن أمرا حاسما في نجاح أو فشل أي تجربة سينمائية. مركزا عن الفضاء الزمني والفضاء الجسدي في الفيلم.  

هكذا نتقل الكاتب من التناول المتنوع لقضايا الخطابالسينمائي إلى تناول نماذج من الأفلام الأول عربيا والثاني غربي ليعمق النقاش في النقد المعرفي كما يسائل السينما من منطلقات نظرية تتوزع بين الأسئلة اللسانية والتلفظية والسيميولوجية..وأمل الكاتب أن يسهم هذا العمل في اغتناء البحث السينمائي ببلادنا وأن يجد فيه المهتمون بعضا من القضايا المعرفية و التطبيقية التي تهم إشكالات الخطاب السينمائي والقراءة الفيلمية.  

إذا أردت قراءة الكتاب ثلاث مرات على الأقل فاقتنيه واطلب شيئا واحدا وأساسيا من المؤلف عبد المطلب أعميار: أن يعود إلى السينما.  

* ناقد سينمائي من المغرب

Visited 85 times, 1 visit(s) today