فيلم “تاج”.. محاولة جديدة لخلق بطل مصري خارق
د. ماهر عبد المحسن
فكرة البطل المخلّص، أو البطل الخارق، فكرة جذابة ولها ذيوع وانتشار في مختلف الثقافات، الشرقية والغربية، ما يعني أنها فكرة إنسانية بالأساس، لأنها تعكس حاجة الإنسان للعدل والشعور بالأمان خاصة في ظل عالم شرير لا يحقق له هذا المطلب.
فقد عرفت الثقافة اليونانية أخيليس وهيراكليس، وعرفت الثقافة العربية أبي زيد الهلالي وعنترة بن شداد، وكان للبيئة تأثير كبير فخرج أبطال اليونان من رحم الأسطورة وتمتعوا بقدرات خارقة كأنصاف آلهة، وخرج أبطال العرب من رحم الشعر وتمتعوا بقدرات إنسانية فائقة مبعثها أخلاق الحرب والفروسية. وفي كل الأحوال كان الخيال الشعبي يلعب دورا أسطوريا في رسم هذه الشخصيات بحيث كانت تأتي، في صفاتها الأخلاقية وخصائصها الجسمية، بنحو يفوق العادي، ما جعل هذه الشخصيات تتجلى للوعي الجمعي في صورة خارقة يعمل على استدعائها كلما ألمت به أزمة أو حلت به كارثة.
وقد عبّر الأدب الشفاهي والملاحم المكتوبة عن هذه الخوارق، لكن يظل النموذج الأمريكي الذي اخترعته هوليوود، وشركة مارفل خاصة، هو التحدي الأكبر الذي يواجه كل من يحاول تقديم بطل خارق، بسبب السمات الخاصة لفن السينما من ناحية، وللإمكانيات الفنية والمادية العالية التي تتمتع بها هوليوود من ناحية أخرى.
وقد عرفت السينما المصرية هذا اللون من الشخصيات الخارقة عندما قدمت “فرافيرو” لفؤاد المهندس، و “أونكل زيزو حبيبى” لمحمد صبحي، و “موسى” لكريم محمود عبد العزيز، كما قدم التليفزيون المصري مسلسل “الرجل العنّاب” لأحمد فهمي.
في هذا السياق يأتي فيلم النجم تامر حسني الجديد “تاج” الذي عُرض في عيد الأضحى وحقق ٤٤ مليون جنيه (منهم ٤ مليون داخل مصر) في يومه الأول. الفيلم قصة وسيناريو وحوار تامر حسني وإخراج سارة وفيق، والمشاركون في البطولة دينا الشربيني وهالة فاخر وعمرو عبد الجليل.
تدور أحداث الفيلم حول الأخصائي الاجتماعي تاج الذي يكتشف في نفسه قدرات خارقة ويقرر استخدامها في فعل الخير، لكنه يلتقي بأخ توأم شرير (هارون) يمتلك نفس القدرات عدا القدرة على الاختفاء التي يتمتع بها تاج، ويطلب منه التعاون في أعمال الشر، لكنه يرفض، يدبر له هارون مكيده يدخل على أثرها السجن ثم يقرر تدمير المدينة، وعندما يعم الخراب في كل مكان، يطالب الجميع بظهور تاج لإنقاذ الموقف، ومن فوق قمة برج القاهرة تكون المواجهة الأسطورية بين الشخصيتين الخارقتين.
الفكرة ليست جديدة، فقد سبق وأن قدمتها السينما العالمية في أكثر من عمل لعل أبرزها كان الصراع بين سبيدرمان وفينوم (الوجه الشرير لسبيدرمان). لكنها تستحق التمصير، ويحسب لتامر حسني إقدامه على تلك الخطوة، التي أحجم عنها الكثيرون من نجوم الشباك، لكن، كعادته، أفقد الفكرة الكثير من قوتها وعمقها عندما قرر أن يكتب السيناريو والحوار بنفسه.
فقد بدأت الأحداث بإيقاع هادئ ثم توالت المفاجآت حتي بات الإيقاع سريعا، خاصة في المشاهد التي اكتشف فيها تاج قدراته الخارقة، وتلك التي كان يستخدم فيها هذه القدرات من أجل فعل الخير، لكن عاد الإيقاع للبطء في النصف الثاني من الفيلم، خاصة بعد ظهور هارون، التوأم الشرير، وكان الأحرى أن يكون الإيقاع أسرع وأكثر جدية حتي يتناسب مع سخونة الصراع وحجم القوتين الخارقتين الداخلتين فيه.
ولعل من أهم أسباب بطء الإيقاع هو الإصرار على حشر قدر كبير من المواقف الكوميدية المفتعلة في هذا الجزء من الفيلم، خاصة تلك المشاهد التي شارك فيها عمرو عبد الجليل وكانت عبئا زائدا على الفيلم، وكان من الممكن الاستغناء عنها أو إعادة كتابتها بنحو أكثر جدية بحيث تتسق والتطورات المتصاعدة للأحداث.
اخترع السيناريو مؤسسة حكومية ترعى ذوي القدرات الخارقة دون أن يشير إلى أن الأحداث تدور في المستقبل، وهي بالفعل لا تدور في المستقبل، ما أفقد هذه الفكرة الكثير من مصداقيتها.
ربما كان من مزايا السيناريو أنه لم يستغرق وقتا طويلا في التمهيد لظهور القوى الخارقة عند تاج، ووضع المشاهد سريعا في قلب الأحداث، لكنه لم يقدم المبرر، العلمي أو الخيالي، الكافي لظهور هذه القوى الخارقة عدا كون تاج منحدرا من سلالة عائلية شريرة كان أفرادها يتمتعون بقدرات خارقة!
وبالمنطق نفسه، لم يمهد السيناريو طويلا للمواجهة الحاسمة التي جاءت في نهاية الفيلم بين تاج وهارون، وكأنها فقرة ترفيهية في رحلة مدرسية، كما ظلت الروح الكوميدية هي المسيطرة على معركة النهاية ما أفقد الفيلم الكثير من عناصر التشويق والإثارة التي ألفها المشاهد في مثل هذا اللون من الأفلام.
كان إخراج سارة وفيق موفقا في الكثير من المواضع في اختيار زوايا التصوير والانتقالات السريعة بين المشاهد، كما كانت أعمال الجرافيك وتنفيذ الخدع معقولة جدا، إذا وضعنا في الاعتبار أنها التجربة الأولى في هذه السلسلة، خاصة في مشاهد الاختفاء والظهور.
نجح تامر حسني في أداء شخصيتي تاج وهارون، وتجسيد انفعالاتهما المتناقضة، خاصة انفعالات هارون، الشخصية الشريرة. كان أداء دينا الشربيني تقليديا لم يضف جديدا إلى رصيدها الفني المتواضع، كما جاء أداء هالة فاخر نمطيا خاصة في المواقف الكوميدية التي تطلبت ردود أفعال أكثر نضجا. ويمكن القول إن السيناريو أضاع على عمرو عبد الجليل فرصة تاريخية لتقديم شخصية جديدة على السينما المصرية باعتباره مسؤولا عن المؤسسة التي ترعى ذوي القدرات الخارقة، لولا الوقوع في فخ الاستسهال والنمطية ومحاولة الاستفادة من الرصيد الكوميدي الناجح لعمرو عبد الجليل دون محاولة اكتشاف مواطن أخرى في الأداء كانت ستكون اكثر قوة ومناسبة لأحداث الفيلم.
وفيما يبدو أن الإنتاج كان قد اعتزم طرح الفيلم في أيام العيد، ما جعله حريصا على أن يضمّنه كل عناصر النجاح التجاري من كوميديا وحركة وعري ورقص وغناء. وبهذا المعنى، كان هناك بعض المشاهد التي لا لزوم لها مثل مشهد الرقص الهيستيري الذي جاء في أحد الحفلات. كما تضمن الحوار بعض الإيماءات الجنسية، التي اشتهر بها تامر حسني، كاتب الحوار، وكان من الممكن الاستغناء عنها.
بدأ الفيلم برسائل تحفيزية تتناسب ومهنة تاج كأخصائي اجتماعي، وانتهي بأغنية وطنية زاعقة، ما جعل الفيلم يبدو أكثر مباشرة، وكان من الممكن تحقيق نفس الهدف عن طريق أحداث الفيلم لو اهتم السيناريو أكثر بالحبكة، وابتعد الحوار عن الاستسهال.
ربما كان الجديد الذي قدمه فيلم تاج، خلافا للمحاولات المصرية السابقة في تقديم بطل خارج هو إعلان صانعيه عن تقديم جزء ثان، ما يعني أن تاج سيكون بطلا لسلسلة من الأفلام تحمل اسمه على غرار الأبطال الخارقين العالميين مثل سوبرمان وباتمان وسبيدرمان.
وأخيرا، يمكن القول إن تاج محاولة مهمة وموفقة، كتجربة أولى تحاول أن تقترب من النسخة الأمريكية، لتقديم بطل خارق مصري، وهي تجربة مبشرة تستحق المشاهدة، كما تستحق أن تكون حلقة أولى في سلسلة يمكن أن تحتل مكانة بارزة في تاريخ السينما المصرية إذا تداركت أخطاءها وتعامل صانعوها مع المسألة بجدية أكثر!