فيلم “العصفورة الحمراء” يخترق عالم الجاسوسية الجنسية
استخدمت الكثير من الدول، ولا تزال، النساء في عمليات التجسس والتوريط الجنسي، خصوصا الاتحاد السوفيتي السابق، وخليفته روسيا الاتحادية وأمريكا وكبريات الدول الغربية، اضافة الى إسرائيل طبعا، التي تتفاخر وزيرة خارجيتها السابقة تسيبي ليفني، بأنها نامت مع مسؤولين عرب كبار، من أجل خدمة القضية الصهيونية.
وفي العالم العربي، اشتهرت مخابرات مصر الناصرية باستخدام فنانات عربيات مشهورات في هذا النشاط، مما تسبب في فضائح كبرى وأمراض نفسية للفنانات اللواتي تم استغلالهن جنسيا لأغراض سياسية ومخابراتية. كما تلجأ الحركات الثورية أحيانا الى تجنيد نساء من العاملات في صفوفهن، وأحيانا أخرى عاهرات عاديات لخدمة أغراضهم السياسية والحربية. لا بل تلجأ لهذه الأساليب الرخيصة أيضا، حتى الحركات الاسلامية المعروفة بتزمتها وتشددها الظاهري.
وفي فيلم “العصفورة الحمراء” (2018)Red Sparrow المأخوذ عن رواية معروفة بنفس الاسم، ندخل في هذا العالم المدفون كليا خلف ستائر من حديد ، من خلال حكاية دومينيكا، وهي راقصة باليه روسية جميلة ومشهورة، تلعب دورها ببراعة الفنانة (جنيفر لورنس). دومنيكا، تضطرها ظروفها الصحية والمادية، لأن توافق على تجنيدها ضمن المخابرات الروسية الخارجية، من قبل عمها المسؤول الكبير في هذا الجهاز. عمها الذي لا يتوانى عن تكليفها بمهمات جنسية خطيرة، لا بل يرسلها الى مدرسة العصافير الحمراء، في مكان بعيد عن العاصمة موسكو، من أجل تدريبها لأن تكون جاسوسة جنسية او عاهرة سياسية، لخدمة الوطن والقائد. وكذلك من اجل علاج امها المريضة، والبقاء في شقة مجانا في موسكو.
وهناك في هذه المدرسة، تتفاجأ البطلة والمشاهدين بنوعية التدريب، حيث تلتقي بمدرّستها ماترون، الخبيرة في هذا المجال، التي تلعب تلعب دورها الفنانة القديرة (شارلوت رامبلينغ). ماترون التي قضت عمرها في تخريج هذه العصافير من الجنسين، وإرسالهم حول العالم لخدمة روسيا في عهديها الشيوعي والرأسمالي. وهي التي تعلمهم اساسيات المهنة جسديا ونفسيا وتدربهم على معرفة حاجات الضحية العميقة، وتلبيتها واستغلالها. وبالنسبة لها الاستغلال لا يجب ان يتركز على الجسد فحسب، بل على النفس ايضا.
وتبرع البطلة دومينيكا في مجال دراستها، رغم انها تتسبب في مشاكل عديدة، لكن عمها ينقذها دائما، لأنه يتأمل فيها قدرات عالية، ومواهب وجمال يطيح بأكبر الرؤوس. وبالفعل فإنها ستطيح بأكبر الرؤوس، في أحداث غير متوقعة ومغامرات مليئة بالمفاجآت. مغامرات واقعية وسياسية، بعيدا عن مغامرات جيمس بوند الخيالية واثارتها، لكن الفيلم يشدنا كثيرا بقوة الأداء الدرامي المتفوق، للرائعتين جنيفر لورنس والمخضرمة شارلوت رامبلنغ، والشدّ والتوتر بينهما في مدرسة العهر الجاسوسي، ومواجهات لورنس اللاحقة مع بقية طاقم التمثيل، الذي تقوده هي كبطلة مركزية في فلم من هذا النوع. بطلة تتلاعب بالجميع لتصل الى غاياتها، وتقضي على أعدائها وتدوس على عواطفها وقلبها بقسوة في مواقف عديدة.
تلعب لورنس دورها بصلابة لافتة، بانغماس وسلاسة مدهشة، كأنها إلهة التمثيل الدرامي الأولى منذ ظهورها في سلسلة افلام ألعاب الجوع، لتكتسح جميع الممثلات في هوليوود، العتيقات والحديثات. ولا عجب انها فازت بالاوسكار، وترشحت 4 مرات لها، كما ترشحت 4 مرات للكرة الذهبية، وفازت بها 3 مرات ايضا. انها ماكينة درامية ممتازة تذكرنا بالمدمرة الكاسحة ميريل ستريب، الآيلة للتقاعد حاليا. ان مشاهدة لورنس على الشاشة، تنسينا مهزلة ايما ستون وهي تحمل تمثال الأوسكار عن فيلم “لا لا لاند”.
كلمة أخيرة، لمن انتقدوا الفيلم وكرهوه بسبب مشاهد العري والحب فيه، نقول ان موضوع الفيلم، لن يكون معقولا من دون شحنة من مشاهد العري والعنف، تعزّز فكرة التجسس الجنسي، ودوره في السياسة الدولية سابقا وحاليا. وربما البعض يعشقون روسيا ويعتقدون انها بعيدة عن هذه الممارسات والأساليب، نقول لهم فليخرجوا من هذه العقلية الساذجة. التجسس الجنسي أقدم وسائل التجسس والاختراق، وهو الاسلوب الأسهل في الحصول على الأسرار والمعلومات. وفي السينما العربية شاهدنا الفنانة ناديا الجندي تلعب هذه الأدوار ببراعة، وكذلك غيرها من الفنانات.
ان التجسس الجنسي: يمثل قمة التلاقي بين الموضوعي والشخصي في عالم السياسة، وأحيانا قد يشكّل قوة تدميرية هائلة. ومهما كانت مواقفنا الأخلاقية والمبدئية منه، فإن مشاهدة الفيلم متعة كبيرة من التمثيل الدرامي والصراعات، يديرها ببراعة المخرج فرانسيس لورنس، الذي أخرج ثلاثة أجزاء من ألعاب الجوع مع جنيفر لورنس. وفي الفيلم نفهم ان الأهداف الجديدة للتجسس، هي زرع الأعوان والعملاء في المناصب العليا في الدول العدوة.. بدل الاكتفاء بالمعلومات والأسرار.