عن مهرجانات السينما العربية

أدهشني ما نشر من أفكار شديدة التناقض في الصفحة التي خصصتها مؤخرا جريدة “العرب” (عدد 14 نوفمبر) عن المهرجانات الفنية التي تقام في العالم العربي، فالكاتب الذي أعد الصفحة وقسمها الى مقدمة ومقالين،  يشير من ناحية إلى أن المهرجانات مهمة وتلعب دورا كبيرا في الترويج للظاهرة الفنية والثقافية.. الخ ويضرب مثالا بما حققته مهرجانات تقام في الامارات، لكنه يعود في المقال الثاني المنشور في الصفحة نفسها، لكي يتهم المهرجانات بتبديد أموال الفقراء، خاصة في الدول التي تعاني، ويطالب بانفاقها على مشاريع أكثر فائدة للناس.

إنه من ناحية يقول ان العالم العربي شهد منذ منتصف القرن الماضي فشل وتراجع مشاريع سياسية وايديولوجية أدت الى انتكاسات كبيرة، كادت تعصف بهويته الثقافية لولا تواصل النخب الفنية والفكرية عن طريق اللقاءات التي توفرها المهرجانات، أي أنه في شكل من أشكال المبالغة، يعزو الحفاظ على هوية العرب الثقافية الى المهرجانات. لكنه يعود فيما بعد، لكي يقول ان المهرجانات في العالم العربي تشبه الأكلات الشعبية التي ترمى فيها كل أنواع الخضار والتوابل والبقول والحبوب دون مراعاة لذائقة أو صحة أو نكهة أو تفرد، “فالمهم هو الوفرة والتسويق، تسويق أي شئ دون تخطيط او دراسة أو احترام للسوية الفنية والخصوصية المجتمعية”.

هل المهرجانات إذن نعمة أم نقمة؟ ضرورة أو شئ شبيه بالزائدة الدودية، وهل ما ينفق عليها يبرر ما نحصل عليه منها أم أنه يمثل عبئا ثقيلا على جيوب الفقراء؟

لاشك أن الحديث المزدوج عن المهرجانات وخاصة مهرجانات السينما، حيلة صحفية لعرض وجهتي النظر المختلفتين حول هذه الظاهرة التي تعتبر حديثة نسبيا أو وافدة على معظم البلدان العربية. صحيح أن مهرجاناتنا السينمائية أصبحت في معظمها تظاهرات رسمية دعائية تهدف إلى الترويج للدولة التي تقام فيها، لكنها في الوقت نفسه، تكشف الغياب الفادح لدعم السينما نفسها. وصحيح أيضا أن القائمين على أمر هذه المهرجانات لا يقيمون وزنا لما يعرف بـ”الثقافة السينمائية” فالمهرجان عندهم عبارة عن حفل كبير ممتد، يحفل بالنجوم في ملابس السهرة، وبحفلات العشاء والرقص، وليس مهما أن يلتزم بمواعيد العروض، أو بضمان الحد الأدنى المطلوب علميا لعرض الفيلم في قاعة يتوفر فيها وضوح الصورة ونقاء الصوت، كما يجب أن تتخلص مهرجانات السينما الدولية التي تقام في العالم العربي من الرقابة البوليسية الشبيهة بما يفرض على الكتب التي تشارك في معارض الكتاب “الدولية”.

كيف يمكن القول بعالمية مهرجانات تمنع فيها عرض أفلام من دول يختلف معها هذا النظام أو ذاك رغم ما لسينماها من تأثير ووجود بارز على الساحة العالمية، كما يمنع السماح لمخرجيها بالحضور تحت تصور أنهم يمثلون خطرا على الأمن العام وسلامة البلاد والعباد.

من الصحيح القول ان مهرجانات “القطاع الخاص” التي تقيمها جمعيات معينة، أصبحت في غالبيتها مجرد وسيلة للحصول على المال تحت بنود وهمية، سواء من أموال الدولة التي تتصور أنها بذلك تلقى بعبء إقامة المهرجانات على تلك الجمعيات، أو من طرف رجال الأعمال مقابل الدعاية لنشاطاتهم التجارية، أو من قبل بعض المؤسسات التي تعمل في مجال الترويج للسياحة تحت تصور أن المهرجان يمكن أن يساهم في تشجيع حركة السياحة، وهي أكذوبة كبرى بالطبع، فلا توجد أي دلائل حقيقية على تأثير المهرجانات العربية في زيادة تدفق السياح.

تظل مهرجانات السينما أحداثا ثقافيا تجمع عشاق السينما والسينمائيين للاطلاع على الأفلام التي تنتج في العالم، تساهم في تنمية الوعي بالسينما كفن، ولكنها ان فشلت في  المساهمة  في تطوير السينما المحلية في البلد الذي تقام فيه وفي فتح المجال أمام توزيع الفيلم المحلي في الخارج واستقبال وتوزيع الافلام الجيدة في الداخل فقد فشلت في أهم أهدافها ومبررات قيامها، فمهرجان السينما هو في النهاية غير “نادي السينما”!

Visited 8 times, 1 visit(s) today