عندما فاز فيلم “عشوائي” بجائزتين
تابعت باهتمام شديد قراءة مقالة الصديق أمير العمري في الجزيرة الوثائقية حول الفيلم التسجيلي المصري” في الطريق لوسط البلد”.
المقالة من النوع التحليلي العميق الذي يجمع ما بين النقد العملي والنظري. النقطة المركزية في المقالة تتعلق بوصف تجربة الفيلم بالعشوائية.
في الواقع كنت شخصيا شاهدت الفيلم أثناء عرضه في مهرجان الإسماعيلية وخرجت منه بنفس الانطباع، أي بعشوائية تركيب الموضوع واختيار المادة وبناء الفيلم.
بعد قراءة المقال بدا لي أن الناقد سعى للإحاطة بأكثر ما يمكن من القضايا المهمة المرتبطة بالفيلم وتحليله، لكنه غفل عن التطرق إلى مسألة تبدو لي مهمة جدا تتعلق بهذا الفيلم وهي حصوله على جائزتين مهمتين من لجنتي تحكيم في مهرجان الإسماعيلية، إحداهما جائزة أفضل فيلم تسجيلي، ما يستدعي التفكير في مسألة الجوائز برمتها.
والبحث في موضوع الجوائز أمر هام ليس بالعلاقة مع هذا الفيلم تحديدا بل بعامة مع الجوائز التي تمنحها لجان تحكيم الأفلام في المهرجانات السينمائية والتي غالبا من تخيب آمال وتوقعات متابعي المهرجانات خاصة منهم السينمائيون والنقاد إذ تمنح الجوائز لأفلام ليست بمستوى يؤهلها لنيل الجوائز، مع ذلك، وبالتالي، تنال هذه الأفلام سمعة حسنة وشهرة واسعة لدى جمهور واسع من هواة السينما، وهو أمر، في واقع الحال يؤدي إلى أن تتضمن الجوائز الكثير من التضليل المعرفي.
هكذا أثارت مقالة الناقد أمير العمري عندي بعض التأملات في مسألة الجوائز السينمائية، انطلاقا من حقيقة أنه من المعروف أن الجوائز التي تمنحها المهرجانات والمسابقات السينمائية الدولية لا تتحدد وفق حسابات دقيقة تقوم على أسس تحليلية للأفلام منهجية أو قاعدة علمية، بل هي اجتهادات مجموعة من الأشخاص يسمون محكمين، اجتهادات تصيب أحيانا وتخطيء في معظم الأحيان، هذا إذا افترضنا الأمانة الموضوعية عند المحكمين التي تتمثل في عدم انحيازهم المسبق لفيلم أو مخرج ما أو دولة منتجة ما.
ينقسم الذين يكتبون عن الأفلام ويقدمونها عبر وسائل الإعلام المختلفة إلى نوعين أيضا. نوع يسمى” النقاد السينمائيون” والنوع الآخر ينتمي إلى فصيلة الصحفيين السينمائيين وكذلك الإعلاميين الذين يهتمون بعالم السينما.
ويفترض في النقاد السينمائيين أن يكون معنيين أصلا بالأفلام التي تعرض في المهرجانات التي تسعى وراء القيمة الفنية فيكتبون عن الأفلام الجديدة بغض النظر عن الجوائز، ويفترض في هذا الحال أيضا أن ينصب جل اهتمام النقاد على تحليل الأفلام شكلا ومضمونا وقيمة تاريخية، وان يتعاملوا مع الجوائز فقط باعتبارها مجرد معلومة خارجية مضافة.
ومع ذلك يمكن أن نفهم ونتفهم حقيقة أن النقاد يهتمون بالجوائز وأن نجد المبررات المتنوعة للدوافع التي تجعل النقاد السينمائيين يتعاملون بجدية مع نتائج مسابقات المهرجانات السينمائية التي تحتفي بالسينما كفن، أو حتى تدعي ذلك، أي بالجوائز الموزعة على الأفلام. ومن هذه المبررات أن يقوم النقاد بمقارنة الجوائز مع توقعاتهم الشخصية لها فشلا أم نجاحا، أي بمعنى ما أن، أن يمتحنوا كفاءتهم وخبرتهم في هذا المجال.
بالمقابل، يهتم الصحافيون السينمائيون والإعلاميون المهنيون بالجوائز أكثر من ما يهتمون بتحليل الأفلام، حيث يجري التعامل مع الجوائز باعتبارها مادة إعلامية جاذبة (أو يجعلون منها كذلك)، ولهذا ينصب جل اهتمامهم على الجوائز الممنوحة من المهرجانات، أو بالأحرى، المسابقات السينمائية( مثل مسابقة الأوسكار) والتي في جوهرها تحتفي بالأفلام باعتبارها جزءا من صناعة مربحة باتت منتجاتها وسيلة ترفيهية عالمية، وهي أفلام قد تتضمن قيمة فنية إبداعية أو قد لا تتضمن مثل هذه القيمة.
لا يلام الصحافيون والإعلاميون على اهتمامهم بالجوائز التي تنتمي إلى النوع الثاني، كما لا يلام متابعوهم من قراء الصحف والمجلات الفضوليين أوالذين يشاركون في مسابقات الصحف وبرامج الفضائيات التي تتضمن مسابقات تطرح فيها أسئلة تتعلق بمعرفة أي فيلم فاز و كم حصد من الجوائز.
وفي حين إنه لا يلام النقاد السينمائيون على اهتماماهم بمتابعة أخبار المسابقات السينمائية والإطلاع على نتائجها، فهذا الاهتمام يندرج ضمن ضرورات المهنة ويمكن فهمه وتفهمه، فإنه لا يمكن فهم الحماس الذي يبديه النقاد السينمائيين تجاه جوائز منحت لأفلام وكأن الأمر يعنيهم شخصيا فيفرحون أو يغضبون من النتيجة، فيتصرفون في مثل هذه الأحوال كما يتصرف مشجعو كرة القدم المقيمين في قرية أفريقية نائية إذ هم يراقبون مباراة بين فريقين” نيوزلنديين” محليين، فيبتعد النقاد السينمائيين بذلك عن جوهر رسالتهم كنقاد ميزتهم أنهم مخلصون لفن السينما وهم يقرأون ويحللون الأفلام من داخلها وبالتالي لا تبهرهم الأضواء ولا تنطلي عليهم ألاعيب المهرجانات والمسابقات ولا تغرهم الجوائز مهما كانت وبالتالي فهم لا يولونها من الاهتمام إلا بقدر الاهتمام الذي تستحقه، أي من حيث أن عملية الاهتمام بمعرفة أي فيلم فاز في مهرجان أو مسابقة ما وفي زمان ما، لا تعني أكثر من كونها مجرد معلومة تفسر واحدة من مجموعة ظواهر متنوعة مرادفة لصناعة الأفلام وترويجها، لا أكثر و لا أٌقل.
أكتب هذا وقد تورطت من جديد في عضوية لجنة تحكيم يتوجب عليها ان تمنح جائزة.