سولوزو التركي.. بارانويا الطعنات في “الأب الروحي”
في الجزء الاول من ثلاثية فيلم الأب الروحي، تأتي شخصية “سولوزو التركي” في دور محرك الاحداث، وأثارة العنف وسببا مباشراً في بداية حرب مفتوحة بين عائلات المافيا في ولاية نيوريوك بالأخص، وبعض الولايات الاخري بالتبعية، وقد قام بإداء هذا الدور الممثل القدير “أل ليتيري”، وتميز الدور بالعبقرية، ليكون اهم دور قام به الممثل الامريكي في مجمل أعماله القليلة وسببا في شهرته في ادوار الجريمة في تاريخ السينما، وتميزت الشخصية بالجنون والشعور بالعظمة والقدرة علي المجازفة الدائمة، وقوة الشخصية وتحريك الأمور بقوة وعنف وعدم المعقولية، بحانب قدرته علي إدارة البيزنس في مجال المخدرات، وتحاول المقالة إبراز بعض ملامح وعلامات الشخصية كما ظهرت في الجزء الاول من الفيلم.
عرض مرفوض
” سولوزو التركي” في الفيلم شخصية ذهبية قوية للغاية، فهو تاجر هيروين تركي، يعمل لحساب عائلة تاتليا لديه حقول في تركيا يتم فيها زراعة الخشخاش وفي صقلية توجد المصانع لمعالجته وتحويله لهيرويين، ولديه سابقتين في عالم الجريمة واختراق القانون واعمال المافيا امضي عقوبة واحدة منها بايطاليا والأخري في الولايات المتحدة، ومشهور انه ملك المخدرات الاول، وبناءا علي هذا طلب من فيتو كورليوني الاب الروحي والزعيم الاول لعائلة كورليوني أن يعمل معه في تجارة الهيروين وأن يحمي عائلة تاتليا وأن يدعمهم من قبل السياسيين والشرطة الذين يحمون الدون مقابل مبلغ مالي ضخم، و لكن الدون رفض ذلك بكل حسم، لذا قام سولوزو بمحاولة فاشلة لإغتياله، وقامت عائلة الدون بالتخطيط التخلص منه وهو ما حدث فعليا في مشهد دموي مع حارسه الشخصي نقيب الشرطة.
مربط الفرس
“سولوزو هو مربط الفرس”، مقولة قالها المحامي توم هيجان عن التركي اثناء اجتماع عائلة كوروليوني بعد محاولة اغتيال الدون، وهي مقولة صحيحة، فبعد أن تم عرض تفاصيل صفقته وطلبه في الاتجار في المخدارات وتاريخه الاجرامي أمام الدون يأتي دور سولوزو المحرك الاساسي للاحداث في الجزء الاول من الثلاثية، وهو مربط الفرس فعلا بامتياز، فهو الذي مهد لفتح الحرب بين العائلات الخمسة في نيويورك، وبعض الولايات الاخري، بعد محاولته الضغط علي الدون لمشاركته في تجارة المخدرات في البلاد، وتأتي شخصية بارزيني الذي يسانده في مرتبة ثانية من الاهمية في التأثير وتحريك الامور، فهو كان وراء محاولة اغتيال الدون، ومساندة سولوزو، وتصدير عائلة تاتاليا انها وراء كل ذلك.
جنون العنف
تتميز شخصية سولوزو بالجنون بالاجرام والعنف، وعدم المعقولية بشكل تام، وقد تناسب ذلك تماما مع شخصية الممثل “آل ليتيرى”، الذي قام بالدور في الفيلم، بغض النظر عن دوره في الفيلم وأداءه المتميز.
وهناك مساحات كبيرة من العنف المفرط، والشعور بالقوة اللامحدودة والسعي نحو فرض السيطرة علي كل شئ، فكما ذكرنا قيامه بمحاولة اغتيال الدون في الفيلم وانه تم استخدامه من قبل بعض عائلات المافيا للضغط من اجل تسهيل الاتجار في المخدرات كان شيئا جنونا للغاية، فهو قام بفرض شئ جديد بالقوة وهو الاتجار في الهيرون، وذلك عن طريق العنف والحرب المفتوحة، وهو ما قال الفيلم إنه لم يحدث منذ عشر سنوات بهذا الشكل الدموي.
إلى جانب قوة العنف الواضحة لدي سولوزو، هناك ابعاد الجدية والقوة في ادارة الامور في مجالات البيزنس، فالجدية الصفة الاساسية لديه، وقد اتضحت من خلال دور في الفيلم، سواء من خلال طريقة ادائه، او تأثيره الحاد في تغير مسرات الامور، او حتي مقولة قالها له الدون كورليوني أنه وافق علي مقابلته لأنه علم انه شخصية جادة جدا، ويجب التعامل معاها باحترام ومناقشتها فيما يتعلق بشؤون المافيا ومجالات البيزنس.
بارانويا الطعنات
” المفروض أنه بارع جدا في الطعن… لكن عندما يتعلق بالأمر بالعمل وعندما يكون لذلك سبب واضح”.. مقولة رددها محامي عائلة الدون فيتو “توم هيجان” أمام الدون كورليوني، في اجتماع العائلة لمناقشة عرض سولوزو حول الاتجار في “الهيروين”، وهو ما يدل علي أن هناك ميول عنف شديدة لدي سولوزو.
وهذه المقولة لها دلالة كبيرة في فك شفرات هذه الشخصية الإجرامية، فالطعن يتعلق بفنون القتل او ما مراحل ما قبل القتل، فهي تعطي جللا وقوة وكارزمية للشخصية، ففيما يتعلق بالابعاد السيكولوجية لشخصية سولوزو وفقا لميوله للاستخدام اسلحة وطرق الطعن، هناك نية مبيتة بالتصفية او التنفيذ الحاد في انهاء الامور والمصالح، وهو ما يتضح خلال ضغطه الشديد علي الدون للاتجار في المخدرات، بل قيامه بمحاولة اغتياله، واصراره بعد ذلك في مفاوضات مع عائلة الدون خلال مشهد اجتماعه بمايكل ابن الدون.
وهناك مشهدية صارخة في قدرته على استخدام اسلحة الطعن، فهو الماهر والحاذق ورائع الاداء في تثبيت يد رجل العصابات لوكا برازي خلال تصفيته في لقاء الاخير مع عائلة تاتاليا، وقد تمت عملية التصفية نجاح، وكانت نظراته انهت نيته في القتل، قبل ان يموت برازي عن طريق الخنق بحبل قوي من الخلف.
كارزمية الجريمة
اداء متميزا ومبهرا للغاية، للممثل “ليتيري” خلال مشاهده القليلة في الفيلم، فمصطلح “كارزمية الجريمة”، او “كارزمية الاجرام” ينطبق عليه كممثل قبل ان تنطبق علي ملامح وسماء شخصية سولوزو في الفيلم، فنظراته حادة وجادة ومعبرة للغاية وخاصة نظرات التوتر قبل تصفيته علي يد مايكل كورليوني، في مشهد المطعم، فالنظرات والصمت وحركة الجسد كانت تعبر عن الشعور باحتمالية النهاية، او التصفية، ولكنها لم تحمل التأكد، وهنا تأتي جماليات المشهد للممثل وحركة الكاميرا التي رصدت كل هذا التوتر التمثيلي، واأضا قوة النظرات والكلمات وحركته في السير وطريقة عرضه لطلبه للاتجار في المخدارات خلال الاجتماع الذي جمعه مع الدون كورليوني في بداية ظهوره في الفيلم، واتضح ذلك خلال مقابلته مع توم هيجان، وقوة الشر والعنف في نظراته خلال مشهد اشتراكه في تصفية لوكا برازي وباقية المشاهد في الفيلم اكدت ذلك باقتدار، فالكارزمية كانت صارخة ومعبرة حد العظمة، فكأنه قائد يحارب العالم لوحده، ومنافس بشخصية جنونية إجرامية لا حد لها أمام الجميع، وهدوء وصمت وعدم انفعالية في الكلام والحديث رغم كل هذا التهور والاندفاع.
“آل ليتيرى ” Al Lettieri ممثل أمريكى من أصول إيطالية. ولد فى نيويورك سيتى بالولايات المتحدة فى فبراير عام ١٩٢٨ ومن اهم أعماله “الأرب الروحي” (1972) الذي استعرضنا دوره فيه، وهناك ثلاثة أفلام اخري، وهو واحد من محترفى القيام بأدوار المجرمين في تاريخ السينما الأمريكية ولعب دور الشرير في كل اعماله امام كبار الممثلين. كما عمل بالتليفزيون كممثل وكمنتج مشارك. وقد توفي فى عام ١٩٧٥ ولم يهمله الحظ وقتا لمزيد من الاعمال خاصة بعد نجاحه الباهر والكبير في دور شخصية “سولوزو التركي” الشهيرة.