“روك القصبة” لليلى المراكشي: حينما يموت البطريرك

مع فيلمها الثاني “روك القصبة” (2013) تتيح لنا المخرجة المغربية  ليلى المراكشي مرة أخرى، أي كما كان  الأمر عليه مع فيلمها الأول “ماروك” (2005)،  إمكانية التلصص على خبايا طبقة اجتماعية صامتة هي طبقة الأثرياء الذين يعيشون في رغد ووجاهة وبإمكانيات قد تبدو خرافية مما يجعل انشغالاتهم واهتماماتهم  تبدو لنا ذات  طبيعة خاصة، ونشعر أنهم يعيشون في ما يشبه الغيتو بعيدين عنا وعن فضولنا.

 في فيلم “روك القصبة” نتابع أفراد أسرة تنتمي إلى الطبقة المشار إليها أعلاه وهم يواجهون محنة وفاة الأب/ البطريرك الذي كان يجمع بينهم ويسندهم. هن نساء شخصياتهن متباينة وعدن، فيما يشبه طقس تطهر جماعي، إلى منزل الأسرة الكبير في ظرف استثنائي  ليستحضرن الذكريات ويصفين بعض  الحسابات مع  أنفسهن ومع مجتمعهن ومع  أبيهن الذي برحيله توارت مرحلة فأخذن الكلمة وتخلصن من ترددهن. ورغم حضور الموت و شعائر الجنازة إلا أن الأجواء لم تكن مبالغة في الحزن بل أصرت المخرجة أن يكون هنالك هرج ومرج ودعابات ومرح، وجعلت شعائر الحداد غير ضاغطة بل إن الميت  نفسه، وهو يغسل لأخر مرة، ما كان بإمكانه التحكم في انتصاب متأخر وغير ذي جدوى. وسنكون شهودا، خلال أيام الحداد الثلاثة، على حوارات نساء الأسرة وانشغالاتهن الحميمة، وعلى فتوحات بعضهن  الجنسية وتحولاتهن الفكرية وتذبذبهن وطموحاتهن وتضامنهن وخلافاتهن.

بنات البطريرك

جعلهن  غياب الأب يثرن أسئلة لم تكن تخطر ببالهن هن اللواتي تتمايز شخصياتهن ما بين الزوجة اللعوب والمدرسة الجدية والممثلة  المرهفة  التي طاردنها هويتها وهي في  أمريكا فتخصصت في دور الإرهابية والجدة الحكيمة والأم الخنوعة أو المتفهمة  والخادمة التي لا تعرف لنفسها حياة إلا في القصر. وبموت الأب  أحس الجميع، وكأن عقدا ما  قد انفرط وانكشف المستور وخرجت أسرار إلى العلن، فالتستر والتظاهر والتواطؤ شكلت كلمات سر رئيسة ضمن قواعد لعبة كان يبدو لأفراد هذه الأسرة  أنهم يتقنونها وأنها تحفظ مصالحهم، إلا أن وقع الموت كان شديدا وساد بعض الإرتباك. ومن بين أهم هذه الأسرار التي انفضحت أن البطريرك لم يعترف بأبوته لإبن كان ثمرة علاقة حميمة مع خادمة القصر، وان هذا الإبن ارتبط بدوره بإحدى بنات البطريرك التي حملت منه ثم انتحرت بعد أن تم تهجيرها إلى لندن.

تساؤلات جوهرية

نستشعر في الحوارات حرية ورغبة في  استفزاز خفيف، وفي هذا السياق يأتي طرح مسألة الإرث وأحقية الإناث في أن يتساوين  مع الذكور في الاستفادة من مما خلفه الأب.أثير الموضوع دون كبير إلحاح،  في مواجهة العم الذي تبينت أطماعه  في أخذ نصيب الأسد من ممتلكات أخيه الهالك ثم تم الإنتقال إلى مواضيع اخرى. وفي الفيلم  كذلك مساءلة ضمنية لقيمة الفرد ، خاصة إذا كان إمرأة،  في مجتمع كالمجتمع المغربي  وعن الضغوط التي يمارسها المجتمع وإن على أفراد محظوظين وميسورين يضطرون  أحيانا هم أيضا إلى الخضوع  والقبول بالأمر الواقع. 

“روك القصية”  فيلم عن النساء أساسا ومن إخراج إمرأة، وهو مدعوم بخبرة ممثلات مبدعات ( هيام عباس، نادين لبكي، مرجانة علوي) وبحضور قوي للممثل الكبير عمر الشريف البطريرك  الشيخ والشبح الودود الذي يحدثنا وهو ينظر إلى الكاميرا ويعلق على ما يقع بحكمة غير متعجرفة، ويتوجه إلينا ضاحكا حتى نغير نظرتنا إلى الموت.

يذكرنا الفيلم بفيلم “صمت القصور”خاصة في تصويره لعالمين متقابلين ومتباعدين وحينما يتقاطعان تقع حتما فجيعة. أما نهاية  الفيلم السعيدة فنشهد من خلالها  تصالح الإبنة القادمة من أمريكا مع زوجها الذي فاجأها بقدومه بعد أن فضحت بعض مظاهر النفاق لدى أسرتها هي التي لم تتردد في عصيان أبيها وتقاليده المرعية و لم تتردد في التمسك بالفن كاختيار متبنية  نبرة تمرد رغم هشاشتها واحتياجها  للآخرين. وتقع الأحداث في طنجة الآسرة مما سهل على الفيلم أن يستعير أجواء المسلسلات الأمريكية التي يحضر فيها التشويق ويغيب التوتر و تحضر التقابلات والشخصيات التي تبهر.

“روك القصبة” فيلم منجز بحرفية  لكن دون كبير عمق، لذا  من يشاهده قد ينساه بسرعة.

* ناقد سينمائي من المغرب

Visited 101 times, 1 visit(s) today