روجر إيبرت عن فيلم “الاشتراكية” لجان لوك جودار: هذا الفيلم إهانة للسينما؟
في أحد الأيام المشمسة في مدينة كان، جلست على الغداء مع المخرج البريطاني كن راسل الذي كان يتمتع بخدمة جيدة وكان يشعر بالاسترخاء.وقال إنه بقدر ما يهمه الأمر، يشعر بالسرور لأن الفيديو المنزلي قد تم اختراعه، فهو يتيح للمشاهد الآن مشاهدة الأفلام بينما يجعلها تجري إلى الأمام، مما يوفر الوقت علينا جميعا. كانت هناك ابتسامة هادئة ترتسم على وجه راسل وهو يغفو. قلت له: لابد أنك تمزح!استيقظ وهو ممتلئ عزما ونشاطا وقال: بالتأكيد لا.. ثم اندفع بعيدا عن الطاولة.
أفترض أن الأمر كان مسألة وقت إلى أن وصلت “رؤية “راسل إلى جان لوك جودار. بدأ المخرج العظيم بأفلام نتفق عليها جميعًا تتناسب مع تعريفنا لما هو “الفيلم”، ولكنه ظل بلا هوادة يبتعد تدريجيا عن هذا الشكل. ومع فيلم”الاشتراكية” الذي أخرجه وهو في التاسعة والسبعين من عمره، انجرف رائد الموجة الفرنسية الجديدة إلى البحر.
هذا الفيلم هو إهانة. إنه عمل غير متماسك ومجنون ومبهم، يستهتر بجميع وسائل مشاهدة الناس للأفلام. وهذا كله جزء من الأسلوب الجوداري الذي أعرفه، لكني أشعر أنه يجب التوصل إلى صفقة من نوع ما معه. إنناندخل السينما بعقول مفتوحة وحسن نية، ونتوقع أن يشركنا جودار على الأقل في غموض قابل للاختراق. لكن في فيلم”الاشتراكية”، يتوقع هو أن نحمل نحن كل الأثقال.
الناقد الراحل روجر ايبرت
عندما عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان كان 2010، استقبل بعاصفة من الهتافات وصيحات الإعجاب والترحيب كالمعتاد. وكتب المدافعون عن جودار بإسهاب عن محتواه وهدفه، بينما شعر كثيرون، بصراحة، بالإهانة. وانطلاقًا من رؤية كن راسل، نشر جودار على شبكة الانترنت، شريط فيديو يستخدم العرض السريع لعرض فيلمه بالكامل في أربع دقائق تقريبًا. وأعترف بأنه أمر طريف.
إنه يعرض علينا في الفيلم مشاهد مجزأة تدور على متن سفينة سياحية تسير عبر البحر المتوسط، وكذلك لقطات تسير عبر التاريخ البشري، تشمل طبقا لأغراض الفيلم، مصر واليونان وفلسطين وأوديسا (ولاسيما سلالمها الشهيرة) ونابولي وبرشلونة وتونس وموانئ أخرى. ثم نرى شظايا قصة تتضمن امرأتين (إحداهما مصورة تلفزيونية) وعائلة تعيش في مرآب على جانب الطريق.كما يعيش بغل ولاما في المرآب.وهناك لقطات لقطط ترتبط بشكل غامض مع المصريين، وكذلك ببغاوات. ربما تكون سفينة الرحلات مجازًا لرحلتنا البشرية عبر الزمن. أماالمرآب فأمره متروك للتخمين!
هناك أيضا الكثير من اللقطات من المناطق الاستوائية، سواء لقطات متحركة أو ثابتة. وهناك أحاديث أو مقتطفات صوتية، بعضها لأقوال مؤلفين بارزين. تظهر هذه الكلمات في ترجمة بأحرف كبيرة مطبوعة على الشاشة، وغالبًا ما تظهر أسماء لهؤلاء المؤلفين فقط. وقد أوضح جودار أن هذه الترجمات هي ما يسميه “انجليزية النافاجو” التي أظن أنه تعلمها من الغربيين القدامى.
يتكلم المتحدثون بلغة النافاجو عن الاشتراكية والقمار والقومية وهتلر وستالين والفن والإسلام والمرأة واليهود وهوليوود وفلسطين والحرب، ومواضيع أخرى كبيرة. ويبدو كل شيء مسيسا بشكل رهيب، لكن لا يوجد في الفيلم ما يزعج أكثر المخلصين لـ “حزب الشاي” اليميني المتطرف، ولا أستطيع أن أحدد ما إذا كان هناك أي شيء يقوله الفيلم عن الاشتراكية.
لقد أربك جودار عقلي بين التاريخ القديم والتلفزيون الحديث، عبر طرح الماركسية والنازية.. للتأمل. عظيم، ولكن ماذا بعد؟ بالإضافة إلى الفيديو الرقمي القياسي، يستخدم جودار تكرارًا عالي الدقة بالفيديو لبعض اللقطات خاصة تلك التي تدور على متن سفينة الرحلات، فهي لقطات جميلة للغاية ومصقولة، ويمكن أن تصلح إعلانًا عن شيء ما، ربما عن سفينة سياحية. أما اللقطات الأخرى فيبدو أنها ملتقطة بواسطة الهواتف المحمولة، وهناك مقاطع قصيرة من الأفلام القديمة
.
ينتهي الفيلم بأحرف كبيرة تظهر على الشاشة لعبارة: لا تعليق. كنت أتطلع لحضور مؤتمر جودار الصحفي في مهرجان كان، لكنه لم يحضر بالطبع. ذات مرة في مونتريال جلست بجانبه في حفل عشاء صغير لنقاد السينما حيث أخذ يرتب البازلاء في صحنه في أشكال هندسية ثم قال لنا إن “السينما هي القطار لا المحطة”. أو ربما خانتني ذاكرتي، وأنه قال: “السينما هي المحطة لا القطار”. فكلاهما صحيح بنفس الدرجة. أليس كذلك!