“ربيع” بيروت الذي يأبى أن ينتهي
في سنوات الحرب، نستكشف للحياة معانٍ أُخرى، لم نكن نعهدها من قبل، وعلى مقربة من الموت، تعطينا الحياة ذروة لذتها، وتتوالى صور الحياة في عقولنا، التي دمرتها الحرب.
يستهل المخرج فاتشي بولجور جيان فيلمه “ربيع”، بمشاهد قديمة توحي للمشاهد بأنه سيحصل على صورة سيئة، وربما قصة قديمة أفناها الزمن، وصبيّ يدق على الطبل، ليبدأ المشهد الأول، بالشاب فاقد البصر”ربيع” الذي يعيش مع أسرته في بيروت ويدرس الموسيقى ويعزف على الطبل ويغني في الحفلات، وهو ما أوصله إلى الزحف إلى أوروبا بموهبته التي يعمل على صقلها، ويذهب لإستخراج جواز سفره، ليتفاجأ بأن هويته التي عاش بها 24 عامًا مزورة، وأنه على وشك الحبس كمتهم في قضية تزوير، وبداخله يقين أن هناك شيئاً ما خطأ ارتكبته السلطات وليس هو، ليذهب إلى أمه التي يبدو عليها الإرتباك بعد معرفة ما حدث، إلا أنها تؤكد له أن أوراق ثبوت نسبه قد أتلفها الحرب، وأن خاله”هشام” الذي يلعب دورا محوريا في حياة الشاب بعد وفاة أبيه، سيقوم باللازم لاستكمال أوراق سفره.
في كنف الحرب التي ولدت من رحمها بيروت
الحرب شيء يستعصي على النسيان، تأبى الذاكرة دفنه مثلما باقي الأشياء، تشهد عليها الجدران وأغصان الشجر، الأرض والجمادات، ورفات الحيوانات.
في رحلة بحث ربيع عن هويته، يكتشف أن أمه ليست أمه، وأن 24 عاما هي كل ما يملك من سنوات، أمضاها في كذبة وهو لايعلم نسبه الحقيقي، يسافر الشاب إلى ضيعات الجنوب، باحثاً عن أوراق نسبه، ولكن كل لقاء مع أحدهم ينتهي بقصة مختلفة، وكذلك مع أصدقاء خاله القدامى، الذين يسعى إليهم، ليستمع إلى قصص متناقضة ومتضاربة، بعد إعتراف أمه، أنه ابنها بالتبني، ليهجر الشاب بيته، لاهثاً خلف حقيقة من يكون، حتى يهتدي، إلى بيت جده الذي اعترف له صديق خاله القديم، انهم هجموا على بيت والده المسمى رفيق، وقتلوه، وأخذوا الطفل، إلا أن لا أحد يجرؤ على الإقتراب من تلك الحقيقة.
الماضي، لا يمكن أن نغيره، وإلا ماكان له أن يمضي، فعندما يجد ربيع بيت جده، الذي يعيش مع جدته في الجنوب، ويجدهما متشحين بالسواد على ابنهما الذي فقداه قبل ربع قرن، يصاب المسنان بالتوتر، الذي يتضح على ملامحهم، من خاله الضابط في الجيش اللبناني، فيعود ربيع إلى بيت أمه، يستلقي بجوارها، معلناً استسلامه للحاضر الذي قتل الماضي، ولا شيء يستطيع إحياؤه.
الخروج من دراما الانتقام
تتمحور السينما دائما حول الحبكة الدرامية إما شديدة العاطفة، أو شديدة الإنتقام، وهو ما نأى عنه المخرج الأرمني اللبناني “فاتشي بولجورجيان” حيث أظهر الجميع في حالة من السلام، والتصالح مع الماضي، الذي مات، وجميعهم في حالة من العصيان في العيش على أطلاله، هي سنة الحياة، الحب والفن الذي خلفتهم حرب أحرقت الأخضر واليابس فكانت بيروت أرض الحب والفن والسلام.
عزف الممثل اللبناني الشاب”بركات جبور”على مشاعر المشاهدين في كافة أنحاء العالم، الذين تفاعلوا مع الفيلم بكل حب، خلال عرضه في مهرجان”كان على هامش”أسبوع النقاد”.
وفق المخرج اللبناني الأرمني فاتشي بولجور جيان في تناول قضية الحرب وما خلفته على اللبنانيين حتى بعد انتهائها، بسنوات، وافتتح فيلم “ربيع” أيام بيروت السينمائية في ظل إشادة كبيرة من كبار المخرجين اللبنانيين في مقدمتهم”نادين لبكي” التي اعتبرت الفيلم بداية ربيع السينمااللبنانية.