رؤية أخرى لفيلم “خيال مآتة”: كعكة الفشل المُتوَّجة بكريزة الإخفاق
يخطيء من يقول عن فيلم “خيال مآتة إنه لا فيلم، ولا قصة. فقد كان هناك العنصران. قصة الفيلم تدور عن مغامرة يقوم بها ثريٌّ عجوز طاعن في السنّ، واسمه يكن “أحمد حلمي” لخداع زملائه “عدد من أفضل الممثلين قديمًا” المؤسسين لـ “الكيان” الذي يقوم بأعمال سرقة ممنهجة منذ الستينات. ومضمون المُغامرة استعادة “بروش” المُغنيَّة “أم كلثوم” الذي كان قد سرقه هذا الثريّ حينما كان شابًّا في عام 1968، من السيدة في إحدى حفلاتها. يقوم بهذه المغامرة بالاستعانة بابن أخيه المطابق لشكله وهيئته، واسمه عزيز “أحمد حلمي”، وبمُعاوِنتِهِ “منة شلبي”، وبمُساعده “بيومي فؤاد”. هذه هي القصة -دون حرق الأحداث، والخطوط الفرعيَّة-. وبهذا فهناك قصة لا محالة، والفيلم -على هذا- من تصنيف كوميديا، مُغامرة. فكما رأينا هناك قصة، وهناك صنف، وعلى هذا هناك فيلم.
ما دار بمخيلة السيناريست عبد الرحيم كمال – وهو سيناريست مُجيد- هو صناعة فيلم يقوم على قالب المغامرة، وسمته الأساسيَّة هي الضحك، وأن يضفِّر هذا كله بفكرة هي رمزيَّة الأصالة والعراقة ومصر الحقيقيَّة – في عين الكاتب – التي تتمثّل بعنصر “البروش” الذي اختاره لسيدة الغناء الأولى في مصر أمّ كلثوم. وبهذا فهناك فكرة أيضًا! صحيح أن هذه الخلطة منقولة من الأفلام الأمريكيَّة، وهناك عشرات من نماذجها، لكن هذا ليس سبب الإخفاق. إذن لِمَ أخفق السيد المؤلف في عمله؟ هذا ما سألخصه لك في نقاط متتالية، مُتقصرًا فقط على أهم عناصر الإخفاق.
1- تفسُّخ الدراما؛ حيث وزعها المؤلف على مساحات تأليفيَّة خاطئة وعلى أساسات غير صحيحة؛ فهناك تفاوت ضخم في توزيع القصة على فصول السيناريو، وفي أدوار الشخصيات، وإدارتها.
2- انحلال بعض العُقد الفرعيَّة؛ فمثالاً جزء كبير من الفيلم يدور حول إقناع زميل الثريّ حسن حسني والمُصاب باضطراب الذاكرة بالكشف عن محل “البروش” المزيّف الذي قد صنعه ليصنعوا على أساسه نسخة أخرى، وإذ بنا في أثناء مشاهد العقدة الأولى نرى عزيز -حفيد هذا الثري- يقدم لـ”حسن حسني” نموذجًا مُقلَّدًا!! فإذا كان موجودًا معه نموذج مقلَّد منذ البدء فلِمَ بدأ البحث أصلاً عن النموذج المقلّد القديم؟!
3- إرادة صُنع فيلم يحمل مغامرة وضحكًا وفكرة جديَّة -في الوقت نفسه-. وصنع مثل هذه النوعيَّة من الأفلام يقتضي كثيرًا من الحِكمة في إدارة السيناريو. وهذا ما لمْ يوجدْ فخرج الفيلم مولودًا مُبتَسَرًا مُشوَّهًا.
4- إخفاق شديد في صُنع “الكوميديا”؛ فهناك قصّة بها الكثير من مُولّدات “الكوميديا” لكنها لمْ تستغلّ في توليدها. وحيث جاءت “الكوميديا” غير مُوفقة في غالب المشاهد، وتمّ استخدام أدوات -مثل الحوار المضحك- قديمة، ومُكررة، بل بعضها بالٍ تمامًا، وبعضها كررته بعض الشخصيات في أعمال شهيرة لها -مثل جملة “حسن حسني” (نِزلْتْ يِمِين).
5- الحوار كان عاملاً مُحبطًا للعمل، بدل أن يكون أكبر عامل تحفيز؛ حيث خلط المؤلف بين “الكلمات الدراميَّة”، وبين “الكلمات المُضحكة”. وتقلَّبَ بين الكوميديا والتراجيديا بتسرّع غير مُبرّر؛ أفقد الحوار الرونق حتى في أوقات التأثير الدراميّ. كما أوقع الفيلم في فخ “الميلودراما” -التي تعدّ هنا فخًّا-. ويكفي أن تعرف أن الجملة الأكثر تأثيرًا في الفيلم، وتتحدث عن عُمر الإنسان تجدها مكتوبة في صور “الفيسبوك”.
· ثانيًا: الإخراج
هذا هو المقصود بكلمة “كريزة الإخفاق”. وهناك مشكلات رئيسيَّة في الإخراج. الذي قام بها المخرج “خالد مرعي”. أهمها:
1- انعدام التنسيق بين التأليف والإخراج؛ فبدا كلٌّ منها في وادٍ غير وادي الآخر.
2- الفشل الذريع في إخراج مشاهد الكوميديا، أو بدقة إخراج الكوميديا من المشاهد. للدرجة التي سمحت لبطل الفيلم للضحك مرتيْن إلى نكات قالها لشخصيات أخرى. ولعل هذا بسبب إخفاق الحوار في صنع وتوليد الكوميديا، وحتى ما وفَّق فيه الحوار أجهضه الإخراج بأدائه الرديء للغاية.
3- الفشل في إدارة التمثيل. وهي أحد أهمّ وظائف المُخرج، إنْ لم تكن أهمّها على وجه الإطلاق. للدرجة التي رأينا فيها المُمثلين وكأنّهم لا يدرون متى يقولون، وبأيّ أداء لكل جُملة. وهذا العنصر الأخير هو الأهمّ في إحياء “كوميديا” الحوار الفعَّال، فما بالنا والحوار في أسوء أحواله.
4- الإخفاق الشديد في إيقاع الفيلم كُليًّا؛ حيث التفاوت الشديد بين أجزاء الفيلم كلها، وكذلك جاء الإيقاع مُترهِّلاً إلى أقصى حد مُمكن. وأظنّ أنّ بعض التحفيز والتسريع في الإيقاع كان كافيًا لإنقاذ كثير من المشاهد من الفشل، وإدخالها في تصنيف “المشهد الناجح”. وكذلك الفشل في إيقاع المشاهد جُزئيًّا؛ حيث الجُمل والحركات التي اقتضت السرعة جاءت بطيئة غاية البُطء، والعكس صحيح.
5- الخلط بين الأهداف التمثيليَّة؛ حيث الشخصية الرئيسة “الثري العجوز” تأرجحت بين البُعد الدراميّ، والبُعد الكرتونيّ -الذي أظنّ أنّه رُسمت به منذ البدء.
· ثالثًا: الموسيقى، والهندسة الصوتيَّة
امتازت الموسيقى في الفيلم بانعدام الشخصيَّة. فقد جاءت مُكررة ونمطيَّة إلى أبعد الحدود. كما شابَ الهندسة الصوتيَة الكثيرُ من المُشكلات. ظهرت أشدّ ما ظهرت في مرحلة “دمج الأصوات” – المكساج- حيث نجد عديد الأخطاء في مستويات الصوت، كما وقعت أمور فادحة مثل دخول صوت حواريْن في اللحظات نفسها مما أفقد السيد المشاهد متابعة هذه وتلك.
· رابعًا: التمثيل:
لا شكّ أنّ الممثلين القديرين المُشاركين في الفيلم هم من أهم مُمثلي الفن العربيّ -على إطلاقه- مثل السادة: حسن حسني، الأستاذ القدير عبد الرحمن أبو زهرة، السيد رشوان توفيق، ولطفي لبيب، وإنعام سالوسة. لكن أظنّ أن اختيار الكثير منهم كان غير مُوفَّق، لأن الممثل إنسان قبل كل شيء، وبحُكم إنسانيّته يفقد حيويته، وقدراته. ومن هنا كان البعض منهم داخلاً في نسيج الفيلم من باب الوفاء -وهي لفتة إنسانيّة جيدة، وليست فنيّة جيدة-.
وأخيرًا أحمد حلمي الذي تحمس منذ الوهلة الأولى لفيلم بسبب التحدي الذي سيقوم به في دور “العجوز”. والذي أكّد هذا لديّ هو الأداء الدراميّ للشخصية، لا الأداء الكوميديّ المائل إلى الإضحاك. فـ”أحمد حلمي” نجح في تمثيل دور العجوز، لكنه نسي تمثيل الفيلم نفسه. أيْ أنّه نجح في تحديه مع نفسه، ولم يوفّق في الإطار العامّ للتمثيل.
كما أنّه افتقد لحيويَّة “الكوميديان”، والتي هي أهم ما في أيّ مُمثل “كوميديان”. وذلك لابتعاده عن التمثيل فترة طويلة جدًّا. وهذا بحُكم الإنسانيَّة أيضًا. وأظنّ أنّ أداءه سيكون أفضل حالاً فيما بعدُ، وأرجو ألا يؤثر هذا الإخفاق الجُزئيّ عليه، كما أرجو ألا يؤثر هذا في تجربة المؤلف المُجيد -عمومًا-. ولا أظنّ أن الحال ينطبق على المخرج.